المنهزمون يتأهبون للسيناريوهات الأسوأ

صراع إرادات في العراق بين حكومة أغلبية وحكومة محاصصة حزبية

بغداد

تقول أوساط سياسية عراقية إن شكل الحكومة المقبلة سيكون عنوان الخلاف الأبرز بين القوى الشيعية في العراق بعد الانتهاء من عمليات العد والفرز اليدوي الذي تنكب عليه هذه الأيام المفوضية العليا للانتخابات لحسم نتائج الاستحقاق التشريعي الذي أجري الشهر الماضي، والذي يلاقي اعتراضات واسعة من العديد من القوى لاسيما الموالية لإيران.

وتشير الأوساط إلى أن التيار الصدري الذي تصدر الانتخابات التشريعية بحسب النتائج الأولية يبدو مصرا على أن يكون صاحب اليد الطولى في عملية تشكيل الحكومة المقبلة واختيار رئيس وزرائها.

ويصطدم هذا الإصرار برغبة الإطار التنسيقي الذي يضم كلا من ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي وتحالف الفتح الذي يشكل المظلة السياسية للميليشيات الشيعية الموالية لإيران، حيث يطرح الإطار التنسيقي تشكيل حكومة توافقية باعتبارها الخيار الأمثل بالنسبة إليه للبقاء ضمن المعادلة الحكومية.

وأفصح زعيم التيار الصدري ورجل الدين الشيعي مقتدى الصدر الأحد عن رغبته في تشكيل حكومة “أغلبية وطنية” لـ”تحقيق الإصلاح” في البلاد.

وقال الصدر في تغريدة له عبر تويتر “أرى أن أول ما ينبغي فعله مستقبلاً للوطن هو حكومة أغلبية وطنية”. وشدد على ضرورة أن يكون في البرلمان “جهتان، الأولى هي الموالاة التي تشكل الحكومة وتأخذ على عاتقها الإصلاحات بمستوياتها كافة”. وأما الجهة الثانية وفقا للصدر فهي “معارضة، ويكون توافقها استشارة ملزمة للأولى من دون تهميش، على أن يكون ذلك ضمن أسس الديمقراطية”.

وشهد العراق منذ العام 2005 تشكيل سبع حكومات اعتمد فيها نظام المحاصصة الطائفية والحزبية، وقاد هذا المسار إلى تفشي الفساد والإفلات من العقاب، الأمر الذي دفع بالشارع العراقي إلى الانتفاض في أكثر من مرة كان أكثرها وقعا في أكتوبر 2019، وكان لهذه الانتفاضة تأثير سياسي قوي أفرز تبكير الانتخابات التشريعية بضعة أشهر عن موعدها على أمل تغيير نظام المحاصصة.

ويقول مراقبون إن تشكيل حكومة أغلبية في العراق من شأنه أن يمنح العراقيين أملا في وضع البلاد على مسار الإصلاح، فهذه الحكومة تعني أن تتولى الجهة الفائزة في الانتخابات مسؤولياتها كاملة، على خلاف المسار السابق القائم على قاعدة “الجميع يحكم والجميع يعارض”.

ويشير المراقبون إلى أن الذهاب باتجاه تشكيل حكومة أغلبية لن يكون بالأمر الهين، حيث أن التيار الصدري ورغم فوزه في الانتخابات إلا أنه يحتاج إلى عقد تحالفات سياسية هي غير متوفرة حاليا في ظل الضغوط التي تمارسها التنسيقية الشيعية ومن خلفها إيران التي سبق أن أوصلت رسائل تحذيرية لكل من الحزب الديمقراطي الكردستاني وكتلة تقدم السنية من مغبة الانخراط في تحالف مع الصدر يعزل الموالين لها.

ويرى المراقبون أنه حتى وإن نجح الزعيم الشيعي في كسر “المحرمات الإيرانية” فإن القوى المقابلة لن تسكت وقد تعمد إلى القيام بخطوات تصعيدية لإعادة خلط الأوراق مجددا، لأنها تعتبر أن الخروج من المعادلة الحكومية لا يعني فقط فقدان ثقلها في السلطة السياسية، بل أيضا خسارة موارد مالية هامة.

وأبدى تحالف الفتح مؤخرا تحفظاته على القبول بالجلوس في صف المعارضة، وقالت عضو التحالف مديحة المكصوصي في تصريحات الأحد “إن الجمهور العراقي حديث عهد بالديمقراطية وهو يريد الخدمات، ومن يذهب إلى المعارضة سوف يصعب عليه تقديم الخدمات إلى المواطنين ما يعني عدم إمكانية تطبيق الوعود التي وعدنا بها جماهيرنا”.

وجرت الانتخابات التشريعية في العراق في العاشر من أكتوبر المنقضي، ووفق نتائجها الأولية جاءت الكتلة الصدرية التابعة للزعيم الشيعي مقتدى الصدر في صدارة الفائزين بـ73 مقعدا من أصل 329، فيما حصلت كتلة تقدم بزعامة رئيس البرلمان المنتهية ولايته محمد الحلبوسي (سُنية) على 38 مقعدا.

وحلت في المرتبة الثالثة كتلة دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي بـ34 مقعدا، بينما يعد تحالف الفتح أبرز الخاسرين في تلك الانتخابات بحصوله على 16 بعد أن حل ثانيا برصيد 48 مقعدا في انتخابات 2018.

وعقب إعلان النتائج الأولية للانتخابات تلقت بعثة “يونامي” ورئيستها جانين هينيس بلاسخارت انتقادات واسعة وتهديدات من قبل القوى المنهزمة، وذلك عبر احتجاجات نظمتها بالبلاد، ومن خلال حملات لناشطين يتبعون لها عبر مواقع التواصل الاجتماعي.