الرئيس الأميركي يتحدث عن {نكسة خطيرة} ويعد بمساعدة الشعب السوداني
مجلس الأمن يدعو لإعادة السلطة إلى المدنيين في السودان... ويحذّر من فوضى
عبر مجلس الأمن الدولي أمس عن «قلقه العميق إزاء الجيش على السلطة في السودان»، استيلاء وحث السلطات العسكرية على إعادة الحكم إلى قيادة مدنية، فيما يقود الممثل الخاص للأمم المتحدة في السودان، فولكر بيرتيس مساعي حميدة لتسهيل الوصول إلى تسوية سياسية من أجل استعادة الشراكة بين المدنيين والعسكر. وفي هذا السياق واصلت الولايات المتحدة ضغوطها المكثفة على القادة العسكريين في السودان، أملاً في إعادة السلطة إلى الحكومة الانتقالية برئاسة عبد الله حمدوك ومن أجل إطلاق جميع المعتقلين.
من جهة ثانية وقبل سفره في رحلته الخارجية الثانية إلى العاصمة الإيطالية روما، أصدر الرئيس الأميركي جو بايدن بياناً مساء أمس، حثّ فيه القادة العسكريين في السودان على الإفراج الفوري عن جميع المعتقلين وإعادة المؤسسات المرتبطة بالحكومة الانتقالية، بما يتماشى مع الإعلان الدستوري لعام 2019 واتفاقية جوبا للسلام لعام 2020.
وقال بايدن: «رسالتنا إلى السلطات العسكرية السودانية ساحقة وواضحة؛ يجب السماح للشعب السوداني بالاحتجاج السلمي وإعادة الحكومة الانتقالية التي يقودها المدنيون». وشدد أن الولايات المتحدة ملتزمة بمساعدة الشعب السوداني على استكمال انتقال السودان إلى الديمقراطية.
وقال الرئيس الأميركي: «نحن نؤمن بقوة بالإمكانات الاقتصادية للسودان وبوعود مستقبله، إذا لم يعقه الجيش وأولئك الذين يعارضون التغيير» وأضاف: «بدعم من المجتمع الدولي، أعتقد أن جميع الأطراف في السودان يمكنها استعادة رؤية مشتركة لاستكمال انتقال السودان إلى الديمقراطية»
وأضاف الرئيس الأميركي: «لقد أعجبت بشجاعة الشعب السوداني في المطالبة بإسماع أصواتهم ومساعدة بلادهم على اتخاذ خطوات نحو سودان جديد وديمقراطي. والأحداث الأيام الأخيرة هي نكسة خطيرة، لكن الولايات المتحدة ستواصل الوقوف إلى جانب شعب السودان ونضاله السلمي لدفع أهداف ثورة السودان». وشدد بايدن أن الحرية والمساواة والحكم في ظل سيادة القانون، واحترام حقوق الإنسان يجب أن تكون أساس الأمن والازدهار في مستقبل السودان.
- مجلس الأمن
فبعد أيام من الأخذ والرد وفي ظل ضغوط مكثفة قادتها الولايات المتحدة في أرفع محفل دولي، ووسط مطالبة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش باتخاذ موقف موحد ضد ما سماه «وباء الانقلابات»، حث مجلس الأمن المكون من 15 عضوا جميع الأطراف في السودان على التحلي بضبط النفس والدخول في حوار دون أي شروط مسبقة. وتمكن أعضاء مجلس الأمن من التغلب على الاعتراضات الروسية، فعبروا عن «قلقهم البالغ» من إجراءات الجيش، داعين إلى إعادة الحكم إلى «حكومة مدنية».
ودخل أعضاء مجلس الأمن في مباحثات شاقة استمرت أياما، إلى أن توصلوا إلى بيان أعدته بريطانيا وعمدت روسيا إلى التخفيف من وطأة مضمونه، باستئناف الحوار السياسي «من دون شروط مسبقة» و«الإفراج فورا» عن المعتقلين واحترام «حق التجمع السلمي». كذلك، ندد بيان مجلس الأمن الذي عقد اجتماعا طارئا الثلاثاء بناء على طلب الدول الغربية بـ«تعليق (عمل) بعض المؤسسات الانتقالية» وبـ«حال الطوارئ واعتقال رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وأعضاء مدنيين آخرين في الحكومة».
وأورد دبلوماسي أنه بناء على إلحاح الصين، أخذ بيان المجلس في الاعتبار عودة رئيس الوزراء إلى منزله مساء الثلاثاء رغم أنه لا يزال محروما من حرية التحرك، وفق الأمم المتحدة.
وجرت المفاوضات بين أعضاء المجلس والتي بدأت بعيد الانقلاب الاثنين على خلفية تجاذب حول السودان بين الغربيين وروسيا. وكانت مسودة بيان أول في بداية الأسبوع تضمنت «إدانة بأشد العبارات» لانقلاب العسكريين قبل أن يتم شطب هذه العبارة من المسودة.
وفي الصيغة التي أقرت، طالب المجلس بـ«الإفراج فورا عن جميع من اعتقلتهم السلطات العسكرية»، داعيا «أيضا جميع الأطراف إلى التزام أكبر قدر من ضبط النفس والامتناع عن وسائل العنف». وشدد على «أهمية الاحترام الكامل لحقوق الإنسان وبينها حق التجمع السلمي وحرية التعبير».
- تعديلات على البيان
وكشف دبلوماسيون أن تعديلات عديدة أدخلت على البيان الذي وافق عليه جميع الأعضاء الـ15 بعد اعتراضات من روسيا، التي رفضت وصف ما حصل بأنه «انقلاب عسكري» ينبغي «التنديد به بشدة»، كما كانت تسعى الولايات المتحدة مع كل الدول الأوروبية والأفريقية الأعضاء في المجلس، طبقاً للنص الذي صاغته بريطانيا. وبدلاً من ذلك، عبر البيان النهائي عن «القلق الشديد» لمجلس الأمن في شأن استيلاء الجيش على السلطة في 25 أكتوبر (تشرين الأول)، وتعليق عمل المؤسسات الانتقالية، وإعلان حالة الطوارئ، واحتجاز رئيس الوزراء، فضلاً عن أعضاء مدنيين آخرين في الحكومة الانتقالية. ولاحظ عودة حمدوك إلى مقر إقامته.
ودعا الأعضاء «السلطات العسكرية السودانية» إلى «إعادة الحكومة الانتقالية بقيادة مدنية على أساس الوثيقة الدستورية وغيرها من الوثائق التأسيسية للمرحلة الانتقالية». وحضوا جميع أصحاب المصلحة على «الانخراط في حوار دون شروط مسبقة، من أجل تمكين التنفيذ الكامل للوثيقة الدستورية واتفاقية جوبا للسلام، التي تدعم التحول الديمقراطي في السودان».
وعبر أعضاء المجلس عن «تضامنهم مع شعب السودان»، مؤكدين «استعدادهم لدعم الجهود المبذولة لتحقيق التحول الديمقراطي في السودان، بما يحقق آمال وتطلعات الشعب السوداني» نحو «مستقبل جامع وسلمي ومستقر وديمقراطي ومزدهر». وأكدوا أن «أي محاولة لتقويض عملية التحول الديمقراطي في السودان تعرض أمن السودان واستقراره وتنميته للخطر». وكذلك عبروا عن «دعمهم القوي» للجهود الإقليمية لإنهاء الأزمة. وعبروا أخيراً عن «عزمهم الاستمرار في مراقبة الوضع في السودان عن كثب».
- وساطة أممية
من جهته، التقى الممثل الخاص للأمم المتحدة في السودان فولكر بيرتيس الفريق أول عبد الفتاح البرهان القائد العام للقوات المسلحة وحثه على تهدئة الموقف في البلاد، كما دعا للإفراج عن المعتقلين والتواصل معهم.
وذكرت بعثة الأمم المتحدة لدعم المساعدة الانتقالية في السودان أن بيرتيس «أعرب عن قلقه البالغ بشأن المحتجزين منذ 25 أكتوبر، ودعا إلى الإفراج الفوري عن جميع المحتجزين السياسيين، وفي الوقت نفسه طلب التواصل الفوري مع المحتجزين». وأضافت أن فولكر عرض «مساعيه الحميدة لتسهيل الوصول إلى تسوية سياسية من أجل استعادة الشراكة الانتقالية».
وكان دبلوماسيون أجانب التقوا في وقت متأخر أول من أمس الأربعاء رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، في العاصمة الخرطوم، حسبما أكدت بعثة الأمم المتحدة بالسودان. والتقى وفد من الاتحاد الأوروبي، ومن سفارات ألمانيا وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة ودول أخرى، حمدوك بمقر إقامته، بحسب إفادة مشتركة عبر موقع تويتر.
- مساع داخلية
وفي سياق متصل، تجري مشاورات واسعة ووساطات تهدف لإخراج البلاد من الأزمة السياسية التي أدخلها فيها الانقلاب العسكري، وقال مصدر بمكتب رئيس الوزراء لـ«الشرق الأوسط»، إن رئيس الوزراء يستقبل بشكل يومي مبادرات وطنية ودولية آخرها مبادرة مجموعة دول الترويكا والاتحاد الأوروبي وفرنسا، لكنه لم يشأ الكشف عن تفاصيلها.
وأوضح المصدر أن رئيس الوزراء يواجه ضغوطا متواصلة من قبل العسكريين لتشكيل الوزارة، منذ أول يوم من اعتقاله، وتعرض عليه مساومات بشأن الأوضاع في البلاد، بيد أن أكد أنه لن يشارك في حكومة انقلابية، واشترط عودة الأوضاع لما قبل الخامس والعشرين من الشهر الجاري.
وتواصلت الضغوط الأميركية على السلطة العسكرية في السودان، وبعد يوم واحد من اتصاله بحمدوك، تحادث وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن مع نظيرته في الحكومة الانتقالية المعزولة مريم الصادق المهدي حول «كيفية دعم الانتقال بقيادة مدنية إلى الديمقراطية»، مندداً مجدداً بـ«استيلاء العسكريين» على الحكم في الخرطوم.
وأفاد الناطق باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك بأن ممثل الأمين العام فولكر بيرتيس بحث مع الفريق أول عبد الفتاح البرهان التطورات الأخيرة. وأضاف أن بيرتيس شدد على «أهمية العودة إلى العملية الانتقالية، كما نصت عليها الوثيقة الدستورية»، بالإضافة إلى «الإفراج الفوري عن جميع من تم احتجازهم تعسفاً». وجدد دعوة الأمين العام إلى «استعادة النظام الدستوري في السودان بما يتفق مع تطلعات الشعب السوداني للحكم الديمقراطي».
- مجموعة الأصدقاء
وكانت مجموعة أصدقاء السودان نددت «بشدة باستيلاء العسكر» على السلطة في السودان، داعية إلى «إطلاق فوري» للمعتقلين. وحض بيان للمجموعة كل أصحاب المصلحة على «ممارسة أقصى درجات ضبط النفس».
ودعت المجموعة التي تضم كلا من الأمم المتحدة وكندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وهولندا والنرويج وإسبانيا والسويد وبريطانيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، إلى إعادة كافة الترتيبات والمؤسسات الانتقالية كما نصت عليها الوثيقة الدستورية، مشددة على أن «أي محاولات من جانب الجيش لتعديل هذه الأحكام بشكل أحادي وزعزعة الشراكة المدنية العسكرية الحاسمة أمر غير مقبول».
واعتبرت أن «تصرفات قوات الأمن تقوض بشدة المكاسب السياسية والاقتصادية والقانونية التي حققها السودان بشق الأنفس خلال العامين الماضيين، كما تعرض أمن السودان واستقراره وإعادة إدماجه في المجتمع الدولي للخطر».