محاولة لتشويه صورة السدّ أم حقيقة

عيوب سد النهضة دعاية سوداء من مصر أم حقيقة هندسية

القاهرة

كثّف وزير الري والموارد المائية في مصر محمد عبدالعاطي من إشاراته حول وجود عيوب في جسم سد النهضة الإثيوبي أمام مؤتمر خاص بالمياه يعقد في القاهرة، ويختتم اليوم الخميس، محذرا من تداعياته السلبية على كل من مصر والسودان، حال “انهياره”، الأمر الذي تجاهلته إثيوبيا.

وُوصف حديث وزير الري المصري من قبل بعض المراقبين بأنه ينطوي على “دعاية سوداء” غرضها تشويه صورة إثيوبيا إقليميا ودوليا، والإيحاء بأنها قامت ببناء سد عملاق دون دراسات كافية، ما يشكل خطرا على دولتي المصب.

ودرجت مصر على التلميح إلى وجود عيوب فنية في سد النهضة، وأبدت تحفظاتها على ذلك خلال المفاوضات المتعددة على مدار عشر سنوات، وتفاعلت أديس أبابا مع بعضها ولم تستجب لغالبيتها ولم تقدم تفسيرات أو معلومات كافية عما اتخذته من إجراءات بشأن أمان السد، والذي بات مطلبا حيويا للقاهرة والخرطوم.

ويبدو فشل القاهرة في الحصول على ما تريده في مفاوضات ماراثونية خاضتها مع أديس أبابا في عواصم مختلفة هو الذي جعلها تلجأ حاليا إلى تشويه صورة إثيوبيا، وأن السد لا يهدد فقط الأمن والسلم الدوليين كما تحدثت عنه أمام مجلس الأمن، بل يقضي على حياة الملايين من المواطنين في كل من مصر والسودان.

وأشار خبراء إلى أن المفاوض المصري ارتكب أخطاء أثناء عرضه أزمة السد أمام مجلس الأمن ولم يسلط الضوء على الخطر الوجودي الذي يسببه السد نتيجة البيئة الجيولوجية لإثيوبيا والمشكلات الموجودة في بنائه، وانصب التركيز على مشاكل التخزين والملء الأول والثاني ما جعل الموقف الدولي أقرب إلى رؤية أديس أبابا.

ولفت متابعون إلى أن إثيوبيا تتجاهل الحديث المصري الخاص عن العيوب، لكنّ الصمت الرسمي ربما يدعم ما يقوله وزير الري المصري.

وأكد الوزير محمد عبدالعاطي الثلاثاء أن مصر تعمل على تأسيس بنية تحتية حول السد العالي في جنوب البلاد تستوعب كميات كبيرة من المياه في وقت قصير، تحسبا لاحتمال انهيار سد النهضة الإثيوبي.

وذكر وزير الري، الذي يرأس الفريق الفني لوفد مصر خلال مؤتمر دولي معني بقضايا المياه يعقد في القاهرة من الخامس والعشرين إلى الثامن والعشرين من أكتوبر الجاري، أن وزارته تعمل وفق كل الاحتمالات الخاصة بسد إثيوبيا، ومنها احتمال انهياره، وعدم وصول المياه إلى بحيرة ناصر خلف السد العالي في الوقت المحدد.

وكشف عبدالعاطي في تصريحات تلفزيونية سابقة أن مصر جاهزة للعودة إلى مفاوضات سد النهضة، متمنيا عدم حدوث انهيار فيه، كما تشير دراسة شارك فيها مؤخرا.

وأوضح أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة عباس شراقي أن الدراسات المصرية منذ عام 2010 توقعت إمكانية انهيار السدود في إثيوبيا بسبب المخاطر الجيولوجية التي تتعرض لها الهضبة الإثيوبية التي ترتفع 4600 متر فوق سطح البحر وتعاني من نشاط زلزالي قوي، ما دفع القاهرة إلى الاعتراض على بناء السدود الإثيوبية أمام العديد من الفعاليات الدولية الخاصة بمناقشة مشكلات المياه قبل تشييد سد النهضة.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن بعض الدراسات الأميركية اقترحت بناء سد تصل سعته التخزينية إلى 11 مليار متر مكعب من المياه قبل أن تخالفها إثيوبيا وتصل بالسعة إلى 74 مليار متر مكعب (سبعة أضعاف الحجم الأصلي تقريبا)، وهو ما يجعل المخاوف تتصاعد من أن تشهد المنطقة أمطارا كثيفة خلال فترة قصيرة.

ويعود الحديث المصري عن أزمات السد في الوقت الحالي إلى دراسة انتهت منها وزارة الري تؤكد وجود تحركات في جسم السد، تتضافر مع دراسات أخرى أُجريت من قبل ووصلت إلى النتيجة نفسها من دون أن يكون هناك رد إثيوبي واضح على نتائجها.

ونبهت الدراسة الحديثة إلى مخاطر انهيار سد النهضة على مصر والسودان بعد أن رصدت وجود هبوط في موقع المشروع وسط شكوك تتعلق بوسائل أمان السد.

وأعدت الدراسة من قبل فريق بحثي ضم عبدالعاطي نفسه، وخبراء من جامعات وهيئات دولية مختلفة، ذهبت إلى أن هناك “إزاحة مختلفة الاتجاهات في أقسام متباينة من السد الخرساني (الرئيسي) والسد الركامي (السرج أو السد المساعد)”.

وأظهر تحليل البيانات في موقع سد النهضة خلال خمس سنوات وحتى يوليو الماضي “هبوطا غير متسق في أطراف السد الرئيسي، وخاصة الجانب الغربي من السد حيث سجلت حالات نزوح متفاوتة يتراوح مداها بين 10 مم و90 مم في أعلى السد”.

وشملت الدراسة السد الخرساني بطول كيلومترين، والسد الركامي بطول ستة كيلومترات، وأن حجم النشاط الزلزالي، أو الفوالق الأرضية تحت السد الثاني عال جدا، مع وجود حركات أرضية في الموقع حتى قبل وصول المياه إليه، ما يمثل ضغطا على الطبقات الأرضية، وسوف تتسبب عملية التخزين في مشكلات عند وصول المياه إلى حد يتراوح بين 25 و30 مليار متر مكعب.

وقال وزير الري المصري الأسبق محمد نصر علام لـ”العرب” إن الدراسة الفنية لوزارة الري أثبتت وجود قياسات هبوط في جوانب السد الخرسانية والرخامية ما يؤدي لإمكانية انهياره، ومن ثم تهديد السد العالي، وهو ما انعكس على تصريحات وزير الري الذي ترك كل الخيارات مفتوحة للتعامل مع الوضع القائم.

وتوقع نصر علام أن تكون هناك قرارات سيادية مستقبلية للتعامل مع السد حال تزايدت أخطار انهياره، إلى جانب القيام بجملة من الإجراءات الفنية لحماية السد العالي في جنوب مصر، واتخاذ الإجراءات اللازمة التي تضمن سلامته.

وقلل من إمكانية استئناف المفاوضات بين الدول الثلاث قريبا في ظل عدم وجود اتفاق على مبادئ التفاوض وإصرار إثيوبيا على الحديث عن حصص مياه النيل الأزرق، إلى جانب الأوضاع السياسية في السودان.

وشدد على أن مصر لن تقبل بوجود سد النهضة بوضعه الحالي إذ ينتقص من سيادتها وسوف يقود إلى انهيار اقتصادي وقد يؤدي أيضا إلى ثورات شعبية، والأمر لن يكون مقبولا سياسيًا أو أمنيًا، وهناك طريقان للتحرك، إما الوصول إلى اتفاق مُلزم، أو التخلص من السد بصورته الحالية التي تشكل تهديداً للأمن القومي لمصر والسودان.