لنفتح أعيننا على كيفية بناء مستقبل إدارة الأعمال

السعودية تترقب مكاسب استثمارية أكبر في دافوس الصحراء

الرياض

جعلت السعودية من مؤتمر "مبادرة مستقبل الاستثمار"، الذي بات عادة سنوية يجتمع فيها قادة السياسة والأعمال والمبتكرون لمناقشة أبرز القضايا الاقتصادية، هدفا للترويج لجاذبية بيئة الأعمال بعد أن تتالى قدوم رؤوس الأموال للبلاد منذ انتهاء النسخة الأولى من هذا الحدث العالمي.

والمؤتمر، الذي يوصف بأنه "دافوس في الصحراء" أطلقه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عام 2017 لجذب المستثمرين الأجانب والترويج لـ"رؤية 2030" لتنويع اقتصاد بلده المعتمد بشكل كبير على النفط.

وتتضمن نسخة 2021، التي يشارك فيها رؤساء أكبر المصارف العالمية وشركات إدارة الأصول وصناديق استثمار عالمية تحت عنوان "الاستثمار في الإنسانية"، على مدار ثلاثة أيام مؤتمرات قمة تفاعلية حول الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا والتعليم والحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية والقطاعين المصرفي والمالي.

وقالت عضو مجلس أمناء مبادرة مستقبل الاستثمار غادة المطيري خلال افتتاح المؤتمر، الذي يعتبر صندوق الثروة السيادية أحد أبرز المساهمين فيه، إن "النسخة الخامسة للمبادرة تجمع العقول في إحدى أفضل المناطق في العالم، بهدف إحداث تأثير إيجابي على البشرية”.

وترى المطيري أن المؤتمر يشكل منصة مثالية لرسم معالم جديدة في تعزيز الشراكات خاصة وأن الأزمة الصحية أظهرت بوضوح أن "ما يحدث في أحد جوانب العالم يمكنه أن يغير الحياة في الجانب الآخر منه".

ويؤكد محللون أن المبادرة تمثل اختبار ثقة المستثمرين في السعودية بهدف تقييم اتجاهات الاستثمار الأجنبي المباشر والقواعد التجارية وإجراءات الشفافية، التي بدأت الرياض في اتباعها عبر عدة قوانين أبرزها قانون الإفلاس الذي دخل حيّز النفاذ في 2018.

وجذبت سياسات الانفتاح، التي يتبناها الأمير محمد بن سلمان خلال السنوات القليلة الماضية الكثير من الشركات ورواد الأعمال للعمل في أكبر اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وفي خطوة عكست ذلك، أبرمت هذا العام 24 شركة عالمية عملاقة تعمل في مجالات مختلفة في مقدمتها بيبسيكو وشلمبرجيه وديلويت وبي.دبليو.سي وبيكتيل وبوش اتفاقيات مع الهيئة الملكية لمدينة الرياض لإنشاء مكاتب إقليمية رئيسة لها بالعاصمة.

واكتسبت الخطط زخما كبيرا في يوليو الماضي بانضمام شركة أبل، أحد عمالقة وادي السيليكون، إلى ورشة تطوير ريادة الأعمال في السعودية، في مسعى يؤكد اهتمام الحكومة لمنافسة مدن خليجية باتت تفرض نفسها على خارطة الشركات الناشئة.

وبينما حالت النسخة الماضية التي شارك فيها قرابة مئتي شخصية عالمية عبر التواصل المرئي بسبب الجائحة، دون تحقيق أهدافها، استطاع المؤتمر في 2019 إبرام عدة اتفاقيات استثمارية شملت الطاقة والمياه وصناعة الأدوية والخدمات اللوجستية والبتروكيماويات والتكنولوجيا وريادة الأعمال والابتكار.

وحينها، أبرمت أرامكو شراكات بينها اتفاق بقيمة مليار دولار مع توباسكس للاستثمار لربط الأنابيب المقاومة للتآكل ومنشآت صناعية محلية، وآخر بقيمة 230 مليون دولار مع بيكر هيوز الأميركية للاستثمار في الذكاء الصناعي، وثالث لتأسيس مشروع مع أي.بي.كيو بقيمة 600 مليون دولار.

كما أبرمت مجموعة سامسونغ اتفاقية للمشاركة في تطوير مدينة ألعاب وفندق ومركز للتسوق بمدينة القدية الترفيهية العملاقة جنوب العاصمة.

وشهدت نسخة 2018، توقيع اتفاقات تزيد قيمتها على 50 مليار دولار في قطاعات النفط والغاز والبنية التحتية وقطاعات أخرى.

وكانت مؤسسة مبادرة مستقبل الاستثمار قد أعلنت عن عقد 16 شراكة مع نخبة من أكبر الشركات والمؤسسات في العالم، مع انعقاد الدورة الخامسة.

وفي دليل على أن النسخة الحالية ستكون حبلى بالاستثمارات الواعدة، قال حازم بن جاسم الرئيس التنفيذي المشارك في صندوق الاستثمار الشرق أوسطي (إنفستكورب) لرويترز إن "الصندوق يعتزم إطلاق كيان بقيمة نصف مليار دولار للاستثمار في الشركات الخاصة التي ستدرج في نهاية الأمر في البورصة السعودية".

وأضاف بن جاسم على هامش مؤتمر "مبادرة مستقبل الاستثمار"، إن "الاقتصاد السعودي قوي للغاية ومزدهر ويترجم ذلك إلى أداء قوي جدا للشركات المحلية".

ويأتي انعقاد المؤتمر بعد أن كللت الرياض جهودها الإصلاحية المستمرة منذ 2016 بإطلاق استراتيجية جديدة للاستثمار لجذب المزيد من رؤوس الأموال الأجنبية وتعزيز دور القطاع الخاص ضمن خارطة طريق تمتد حتى نهاية العقد الحالي، بما ينسجم مع خطط تنويع الاقتصاد.

وتعهد الحكومة بضخ نحو 7.2 تريليون دولار في البلد حتى 2030 حتى يكون نمو الناتج المحلي الإجمالي للبلاد من أكبر 15 اقتصادا على مستوى العالم من خلال مساهمة الاستثمارات بنحو 5.7 في المئة من الاقتصاد سنويا.

وكثفت السعودية خلال العامين الماضي والجاري خطواتها لتعزيز جاذبية الاستثمارات، وهي تتجه للتحول إلى مركز إقليمي للشركات العالمية، في منافسة مع جارتها الإمارات.

وقال وزير المالية محمد الجدعان في وقت سابق العام الجاري إن "الشركات العالمية ترغب في المشاركة في الفرص الاستثمارية التي تمنحها الحكومة".

وأضاف "سيتحتم عليها أن تتخذ قرارا، في ما يتعلق بإنشاء مقار إقليمية في المملكة اعتبارا من 2024 وإلا فلن تفوز بتعاقدات حكومية".

وكان الأمير محمد قد تعهد الاثنين الماضي في افتتاح مؤتمر "الشرق الأوسط الأخضر" بالرياض باستثمار أكثر من مليار دولار في مبادرات بيئية جديدة لمكافحة تغير المناخ، فيما تسعى السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، إلى تعزيز دورها البيئي عالميا.

والسبت الماضي، أعلن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان اعتزام بلاده الوصول إلى الحياد الكربوني بحلول العام 2060 خلال مبادرة "السعودية الخضراء"، قبل أيام من انطلاق المؤتمر الدولي للمناخ "كوب 26" في غلاسكو.