استبعاد الأحزاب من الحوار الوطني المرتقب يزيد من تهميشها.
الغموض يلف مستقبل الأحزاب السياسية في تونس
تتزايد التساؤلات في تونس هذه الأيام حول مستقبل الأحزاب السياسية التي باتت تعيش عزلة في ظل فقدان طيف واسع من الرأي العام للثقة فيها وتجاهل دورها في الحوار الوطني الذي من المقرر أن يطلقه الرئيس قيس سعيد في وقت لاحق.
وسلطت الإجراءات الاستثنائية، التي اتخذها الرئيس سعيد في الخامس والعشرين من يوليو الماضي، الضوء على هشاشة المنظومة الحزبية في البلاد حيث عجزت الأحزاب المعارضة لتلك الإجراءات عن حشد أنصارها في الشارع.
لكن الأمر لم يتوقف عند ذلك الحد، فعزم الرئيس سعيد على إجراء حوار وطني مع الشباب ويستثني الأحزاب وبقية الأجسام الوسيطة فتح الباب واسعا أمام التكهنات بمستقبل هذه الأحزاب.
وتعكس التحذيرات المتزايدة من قبل بعض الأطراف السياسية في تونس لسعيد من الحوار الذي ينوي قيادته وشكله مخاوف تلك الأحزاب.
ودعا حزب التكتل الديمقراطي في بيان إلى ”حوار وطني جدي لا استشارة عبر الإنترنت من أجل تصحيح حقيقي للانتقال الديمقراطي والعودة إلى مسار دستوري يحترم المؤسسات ويحكم الشعب عبر الانتخاب الحر”.
ويشير الحزب بذلك إلى شكل الحوار الذي أعلن الرئيس نيته القيام به حيث كلّف في وقت سابق وزارة تكنولوجيات الاتصال بإحداث منصات للتواصل الافتراضي في كل الجهات في أقرب الآجال لتمكين الشباب خصوصا وكافة فئات الشعب التونسي عموما من المشاركة في حوار وطني حقيقي عبر عرض مقترحاتهم وتصوراتهم في كافة المجالات.
ومنذ إعلان سعيد عن أجندة الحوار الذي سيتم مع الشباب والتي تتمحور أساسا حول تغيير النظامين السياسي والانتخابي، تفجر جدل واسع بشأنه حيث اعتبر أنه مقدمة لإرساء نظام الحكم المجالسي الذي يتبناه الرئيس التونسي وهو ما سيفضي إلى تهميش الأحزاب السياسية.
ويرى متابعون أن الأحزاب السياسية في تونس تعيش أزمة متصلة أساسا بأدائها طيلة السنوات الماضية التي تلت ثورة الرابع عشر من يناير وهو ما جعل مصداقيتها تهتز في الشارع.
وقال المحلل السياسي التونسي هشام الحاجي إن “الأحزاب السياسية تمر بأزمة حادة مردها سلبيات كثيرة في الأعوام الأخيرة برزت حول أدائها.. لقد تأثرت كثيرا هذه الأحزاب”.
وأوضح الحاجي في تصريح لـ”العرب” أن “الأحزاب ستبقى وستعود إذا غادرت الساحة، ستظهر قيادات جديدة حتما، لا وجود لديمقراطية خارج ودون الأحزاب السياسية بصرف النظر عن الانتقادات التي تطالها”.
وتابع “صحيح أن البعض يعتقد أن هناك أحزابا أساءت أو أخطأت وهنا يبقى القضاء هو الفيصل، القضاء والهيئات الرقابية المخولة في البت في هذه النقاط الخلافية، لكن ماهو ثابت أن الأحزاب تعيش عزلة حقيقية بلا جسور التواصل مع الرأي العام، والأحزاب الوازنة أساءت لتجربة الانتقال الديمقراطي.. أعتقد أنه لترميم صورتها يجب أن تقوم تلك الأحزاب بنقد ذاتي علني لأن بعض الأحزاب بدت وكأنها نعامة وضعت رأسها في الرمل”.
ولا يُعرف حتى الآن الآجال التي سيتم فيها الحوار الوطني، لكن الرئيس سعيد تعهد بألا يشارك فيه من وصفهم بالخونة ومن باعوا ذممهم للخارج، مشددا على أنه سيخصص للتدارس حول تغيير نظام الحكم في البلاد.
والنظام الذي كان قائما في تونس حسب دستور 2014 هو شبه برلماني وهو ما منح الحكومة ومجلس النواب صلاحيات واسعة مقابل تهميش دور الرئاسة ما أفرز أزمات عدة سواء بين رأسي السلطة التنفيذية أو بين أحد رأسي السلطة التنفيذية والبرلمان.
وأفضت أزمة حادة بين الرئيس سعيد ورئيس الحكومة السابق هشام المشيشي ورئيس البرلمان راشد الغنوشي الذي يتزعم كذلك حركة النهضة الإسلامية إلى اتخاذ سعيد إجراءات استثنائية في الخامس والعشرين من يوليو جمد بمقتضاها أعمال واختصاصات البرلمان وأقال الحكومة ورفع الحصانة عن النواب.
ومنذ ذلك الوقت تعيش تونس مسارا انتقاليا يُفترض أن ينتهي باستفتاء حول تعديلات على الدستور تشمل تغيير النظام السياسي وكذلك تغيير القانون الانتخابي برمته.