موازنة طموحة تتحدى التداعيات القاتمة للجائحة.

المغرب يحفز اقتصاده بتفعيل مخرجات النموذج الجديد للتنمية

الرباط

دشنت الحكومة المغربية الجديدة برئاسة عزيز أخنوش، عملها بتقديم مشروع قانون لعام 2022، والذي يتضمن الإجراءات والتدابير المقترحة لدعم الاقتصاد المحلي لتجاوز تداعيات الأزمة الصحية.

واعتبرت وزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح العلوي أنه تم إعداد موازنة العام المقبل في سياق يتسم ببروز بوادر لانتعاش الاقتصاد، واستخلاص الدروس من تدبير الأزمة الوبائية، وبداية تنزيل النموذج التنموي، باعتباره مسؤولية حكومية تتطلب مشاركة كل الفاعلين في الدولة.

وكان البرلمان قد صادق الأسبوع الماضي على البدء في تنفيذ النموذج التنموي الجديد الذي أعلنته لجنة ملكية في مايو الماضي، للرفع من مستوى النمو بحلول 2035 وتقليص الفوارق الاجتماعية الحادة.

وقدمت العلوي لمحة أمام العاهل المغربي الملك محمد السادس الذي ترأس أول مجلس وزاري للحكومة الجديدة بشأن الخطوط العريضة والتوجهات العامة التي تتضمنها الموازنة المقبلة، إذ أكدت أن الحكومة حرصت على أن تكون منطلقا لتنفيذ التوجيهات الملكية وللبرنامج الحكومي.

وترتكز التوجهات العامة على تقوية أسس انتعاش الاقتصاد بهدف إضفاء ديناميكية جديدة على مختلف القطاعات الإنتاجية، والرفع من قدرتها على الحفاظ على الوظائف وتوفير فرص عمل للشباب لمواجهة تحدي البطالة.

وأكد عبدالله السوهير رئيس الشبكة المغربية للاقتصاد الاجتماعي والتضامني أن أهم النقاط الرئيسية في موازنة 2022 استحضرت سياق تأثير الجائحة على الاقتصاد، وبالتالي فمن المفترض أن تعمل على التخفيف من تداعياتها.

وقال لـ“العرب” إن “الموازنة ستحاول على الأقل ضمان انطلاقة جديدة لعمل كل القطاعات المتضررة، ومن بين ذلك سن إجراءات من شأنها دعم منظمات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني لتستطيع الحفاظ على قدرتها على الاستمرار في ظل واقع متحول بسرعة".

وحسب ما قدمته العلوي، فإن ذلك سيتم من خلال مواصلة تنفيذ خطة الإنعاش الاقتصادي، وتفعيل صندوق محمد السادس للاستثمار، وكذلك إخراج ميثاق الاستثمار وتحسين مناخ الأعمال وتفعيل القانون الإطار المتعلق بالإصلاح الضريبي.

ومن المرجح أن تتخذ الحكومة تدابير استعجالية لمواكبة الشباب في مجال سوق العمل وتشجيع مبادرات المتعلقة بالمشاريع في المجال الزراعي وإعطاء دفعة جديدة لبرنامج “انطلاقة”، من خلال إطلاق مشروع جديد تحت اسم “الفرصة” لتمويل المشروعات دون شروط مسبقة.

ولاحظ السوهير ورود أفكار جديدة من خلال برنامج “فرصة” الخاص بدعم تأسيس الشركات الصغيرة بإجراءات تحفيزية جديدة لتجاوز إكراهات برنامج “انطلاقة” خاصة أنه لن يطرح شروطا تعجيزية على الشباب مما سيمكن من تحقيق الأهداف التنموية. وقال “ستكون دون شك إضافة إلى المرحلة الثالثة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية".

وكان برنامج انطلاقة قد أطلق بداية العام الماضي، لكن تعثر مع تفشي فايروس كورونا ما أثر على استفادة الشباب من التمويلات البنكية الضرورية لإطلاق مشاريعهم، وهو ما تسعى الحكومة لتجاوزه من خلال إطلاق برنامج "الفرصة".

وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن نسبة البطالة سترتفع بنهاية هذا العام إلى 12 في المئة، قبل أن تتراجع قليلا في 2022، إلى 11.5 في المئة، أي أكثر من مستوى ما قبل أزمة كورونا.

وكانت المندوبية السامية للتخطيط قد ذكرت في أغسطس الماضي أن معدل البطالة ارتفع إلى 12.8 في المئة في النصف الأول من هذا العام مقارنة مع 12.5 في المئة قبل عام رغم الوتيرة الجيدة التي امتصت الطلب على الوظائف في المناطق الريفية.

ويتضمن مشروع قانون المالية توجهات لإصلاح القطاع العام وتعزيز آليات الحوكمة وخاصة على مستوى الجهات مع اتخاذ التدابير اللازمة لتطبيق القانون المتعلق بإصلاح مؤسسات القطاع العام، وإقامة الوكالة الوطنية للتدبير الاستراتيجي لمساهمات الدولة.

ووفق ما تشير إليه وثيقة الموازنة الجديدة، التي صادقت عليها حكومة أخنوش الاثنين الماضي، فإن الدولة ستستمر في فتح باب التوظيف في القطاع الحكومي والعام حيث سيتم توفير أكثر من 26.5 ألف فرصة عمل في الوزارات وعدد من المؤسسات والشركات التابعة للدولة.

وبالإضافة إلى ما جاء في تقرير النموذج التنموي والذي يعطي أهمية بالغة للاقتصاد الاجتماعي والتضامني والذي يراهن على زيادة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي إلى 8 في المئة بحلول 2026. ويعتقد السوهير أن الحكومة الحالية ومن خلال البرامج الانتخابية لأحزاب التحالف الحكومي تسير كلها في هذا الاتجاه “مما يجعلنا نتفاءل وننظر إلى المستقبل القريب بنظرة إيجابية”.

ومن المرتقب أن تقدم الحكومة مشروع موازنة 2022 إلى البرلمان للمصادقة عليها، متضمنا إجراءات تحفيزية لدعم القدرة الشرائية للمواطنين، حيث يعتقد خبراء البنك الدولي أن الإصلاحات الجارية سينتج عنها تحسن في أداء الاقتصاد على المدى الطويل.

ويرى السوهير أن تأثيرات تداعيات جائحة كورونا كانت كبيرة على الاقتصاد بشكل عام، وكانت كبيرة على الشركات الصغيرة والمتوسطة وعلى قطاعات اقتصادية بكاملها، والسياحة والنقل وقطاع المقاهي وغيرها.

وشدد على أن التأثير الأكبر طال الاقتصاد الاجتماعي والتضامني الذي عرف توقفا شبه تام لمجموعة من التعاونيات التي تعمل في مجالات عديدة منها الصناعة التقليدية والتي توقفت أنشطتها المرتبطة أساسا بقطاع السياحة والمعارض المحلية والجهوية والدولية.

والمدخل لإنقاذها حسب السوهير، يكمن في بلورة مشروع قانون لهذا القطاع من جهة ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة بتحفيزات ضريبية وتسويقية من جهة أخرى، خاصة وأن موازنة 2022 تهدف إلى تشكيل وتقوية طبقة متوسطة بالأوساط الريفية.

وفي هذا الصدد، سيتم تعزيز آليات الإدماج ومواصلة تعميم الحماية الاجتماعية، فإضافة إلى تعميم التغطية الصحية الإجبارية لفائدة العاملين غير الأجراء، إذ سيشهد العام المقبل إطلاق المرحلة الثانية من هذه الورشة الكبيرة، لتوسيع قاعدة المستفيدين لتشمل الفئات الهشة والفقيرة، التي تستفيد حاليا من نظام “راميد”.

وبموازاة ذلك، أكدت العلوي أنه سيتم اتخاذ التدابير المتعلقة بالتعميم التدريجي للتعويضات العائلية، من خلال جرد السجل الاجتماعي الموحد وإعطاء عناية خاصة لإدماج الأشخاص الذين يعانون من الإعاقة إضافة إلى جعل المساواة في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية إحدى أولويات العمل الحكومي.

وبحسب البنك المركزي المغربي سيحقق الاقتصاد نموا قويا بنهاية العام الجاري، إذ أشار في آخر تقاريره إلى أنه سيبلغ نحو 6.2 في المئة وذلك بارتفاع قدره 0.9 نقاط مقارنة بتوقعاته في يونيو الماضي، بعد تسجيله ركوداً غير مسبوق في 2020 بفعل تداعيات الوباء.