حرص ملكي على حلحلة الملفات مع أوروبا

العاهل المغربي يعيّن سفيرين جديدين لمواجهة الملفات الساخنة مع أوروبا

الرباط

عيّن العاهل المغربي الملك محمد السادس سفيرين جديدين لدى فرنسا والاتحاد الأوروبي، في خطوة لمواجهة الملفات العالقة، وتخفيف التوتّر الذي تشهده العلاقات بين الرباط وبروكسل، بشأن ملف الهجرة وانعكاسات الأزمة مع إسبانيا ثم قرار محكمة العدل الأوروبية بإلغاء اتفاقية التبادل الحرّ للمنتجات الفلاحية والصيد البحري مع المغرب.

واختار الملك محمد السادس محمد بنشعبون وزير الاقتصاد والمالية الأسبق، سفيرا لدى فرنسا، خلفا لشكيب بنموسى الذي عين وزيرا للتعليم والشباب في حكومة عزيز أخنوش، ويوسف العمراني السفير السابق لدى جنوب أفريقيا، والوزير المنتدب الأسبق في الخارجية، سفيرا لدى الاتحاد الأوروبي.

وجاء ذلك خلال ترؤس العاهل المغربي الأحد بالقصر الملكي بفاس، مجلسا وزاريا خصص للتداول في التوجهات العامة لمشروع قانون المالية لسنة 2022، والمصادقة على مشروع قانون تنظيمي، وعلى عدد من الاتفاقيات الدولية، إضافة إلى تعيينات في المناصب العليا. ويأتي تعيين السفيرين الجديدين طبقا لأحكام الفصل التاسع والأربعين من الدستور، وباقتراح من رئيس الحكومة، وبمبادرة من وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج.

وقال مصدر دبلوماسي لـ”العرب”، إن الثقة التي تمّ وضعها في الرجلين نابعة من خبرتهما ونجاعة الخطوات التي باشرها كل من بنشعبون عندما كان وزيرا للاقتصاد، والعمراني على رأس الدبلوماسية المغربية في جنوب أفريقيا، التي تحتضن الأطروحة المعادية للمغرب.

 وأضاف ذات المصدر أن العمراني سيهتمّ بمتابعة مشروع أنبوب الغاز بين المغرب ونيجيريا‎‎ الذي سيصل إلى أوروبا، وتضييق الخناق على اللوبي المدافع عن جبهة البوليساريو داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي.

وأكد وزير البترول النيجيري الصغير تيميبري سيلفا، أن “المغرب له حدود مشتركة مع أوروبا، لذا بمجرد وصول خط أنبوب الغاز إلى المغرب، يمكننا أن نربط نظام خطوط الأنابيب الخاص بهم وننقل غازنا مباشرة إلى أوروبا عبر خطوط الأنابيب”.

ويعوض محمد بنشعبون الوزير السابق للاقتصاد والمالية، السفير شكيب بنموسى، المعين أخيرا وزيرا للتربية الوطنية والتعليم الأولي، في وقت تمرّ فيه العلاقات بين الرباط وباريس بتوتّر كان آخر مؤشراته قرار خفض التأشيرات لفائدة المغاربة.

وسيعمل بنشعبون على معالجة المشكلات المستعصية في العلاقات بين باريس والرباط، خصوصا مع قرب الانتخابات الرئاسية وما تفرضه من تحديات تتعلق باستغلال بعض الملفات الحساسة لغايات انتخابية وأيضا تلك المرتبطة بالاقتصاد والتجارة.

وأكد محمد الطيار الباحث في الدراسات السياسية والأمنية، أن “تعيين بنشعبون سفيرا لدى باريس في إطار ظرفية تعرف فيها العلاقات بين المغرب وفرنسا برودة خاصة، بعد الحملة الإعلامية الفرنسية التي اتهمت المغرب بالتجسّس فضلا عن قرار تخفيض التأشيرات الممنوحة للمغاربة”.

وكان وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، قد أكد أنه “بقدر ما يعتبر المغرب تدبير تأشيرات السفر قرارا سياديا بقدر ما يعتبر أن تبريراته غير ملائمة”، وشدد على أن المملكة “سوف تتابع الأمر عن قرب مع السلطات الفرنسية”.

وأكد الطيار في تصريح لـ”العرب”، أن “هذا التعيين ينسجم بشكل كبير مع خلفية الرجل الاقتصادية وتجربته الطويلة في الميدان، ففرنسا تعدّ من أبرز الشركاء التجاريين للمملكة، وبها جالية مغربية كبيرة العدد مقارنة بباقي الدول الأوروبية”.

وأشار الطيار إلى أن “السفير الجديد بحكم خبرته سيعمل على تنويع وتطوير الشراكة الاقتصادية مع باريس، بشكل يقطع مع نهج الابتزاز الذي كانت تنتهجه فرنسا في علاقتها مع المغرب بتوظيف قضية الصحراء المغربية”.

ويعتقد الطيار أن “تعيين الدبلوماسي يوسف العمراني، سفيرا لدى الاتحاد الأوروبي يأتي هو الآخر في مسار متوتّر طبع العلاقات بين الرباط وبروكسيل، بعد أن اصطف الاتحاد الأوروبي إلى جانب إسبانيا في أزمتها مع المغرب، وأصدر البرلمان الأوروبي بيانا يعكس مستوى الأزمة الذي أصبح يعيشها. وينضاف قرار المحكمة الأوروبية القاضي بوقف التبادل التجاري الفلاحي والصيد البحري مع المغرب، إلى ما سبقه من قرارات تبتغي ابتزاز المغرب”.

وينهي هذا التعيين الملكي عمل العمراني سفيرا لدى جنوب أفريقيا وجمهورية بوتسوانا وجمهورية مالاوي ومملكة إيسواتيني، التي دافع فيها عن مصالح المغرب في أفريقيا.

 وتشمل الملفات التي سيشتغل عليها السفيران، المجال الاقتصادي بتقييم التبادل التجاري بين دول الاتحاد الأوروبي والمغرب واستقطاب استثمارات جديدة، فضلا عن حلّ مشكلة الهجرة مع أوروبا.

وسيواجه العمراني ملفّ التوتّر الذي تشهده العلاقات بين الرباط وبروكسل، خصوصا في ما يتعلق بملف الهجرة وانعكاسات الأزمة مع إسبانيا وأيضا قرار محكمة العدل الأوروبي، حيث إن العلاقات المغربية الأوروبية ستحظى باهتمام خاص لدى سفير المغرب بالاتحاد الأوروبي نظرا لسعي الحكومة الإسبانية لتوريط الاتحاد في الأزمة الثنائية مع المغرب.

ويؤكد الطيار أن “تعيين العمراني الذي يمتلك تجربة استثنائية في العمل الدبلوماسي وسبق له أن تقلد العديد من المناصب الدبلوماسية، سيكون له الأثر الحميد على علاقة الرباط ببروكسل، وسيعمل على تخطي هذه المرحلة الحرجة من أجل علاقات متوازنة تقوم على احترام سيادة المغرب”.

ويرى هشام معتضد الخبير في العلاقات الدولية، أن “السفير الجديد سيستفيد من وعي غالبية دول الاتحاد بأهمية الشراكة الاستراتيجية مع المغرب، وصعوبة التضحية بدور الرباط الحيوي والبنّاء في التوازنات الجيوستراتيجية على المستوى المتوسطي والساحل والصحراء على حساب اندفاعات أيديولوجية عابرة تقودها الآلة الدبلوماسية لبعض الدول”.