الرئيس الأوكراني في لقطة من مسلسل "خادم الشعب"
رئيس أوكرانيا "خادم الشعب".. المشهد الأخير في "نبوءة درامية"
في "نبوءة درامية"، تحققت جميع مشاهد مسلسل كوميدي أدى فيه الرئيس الأوكراني الحالي دور البطولة ولم يتبقَّ سوى المشهد الأخير.
"خادم الشعب"؛ مسلسل عرض في أوكرانيا للمرة الأولى عام 2015، ولعب فيه فولوديمير زيلينسكي، الذي كان ممثلا كوميديا آنذاك، دور رجل عادي وصل إلى سدة الرئاسة.
ويتناول المسلسل -في إطار هزلي- الصراع الطويل الذي تخوضه أوكرانيا مع حكم الأقلية، أو ما يعرف بـ"الأوليغارشية والبيروقراطيين" الغارقين في الملذات، وذلك منذ أن نالت البلاد استقلالها عن الاتحاد السوفيتي قبل 18 عاما.
أحداث كوميدية حولتها الشخصيات إلى مشاهد بثها التلفزيون الأوكراني وتابعها المواطنون بفضول وتشويق، ولم يكن ليدور بخلد أحدهم - ولا حتى زيلينسكي نفسه- أن المسلسل يكتب قسما واسعا من مستقبلهم ومستقبل أوكرانيا أيضا.
ففي عام 2018، تحول خيال الكاتب إلى واقع حين تشكل حزب يحمل اسم "خادم الشعب"، وفاز مرشحه زيلينسكي بالانتخابات الرئاسية لعام 2019، ليدخل بذلك الممثل الكوميدي قصر الرئاسة في كييف لكن هذه المرة رئيسا للبلاد.
تجسدت جميع أجزاء القصة الكوميدية على أرض الواقع، فالتحمت الدراما بتاريخ معاصر لا يزال بانتظار المشهد الأخير، وهو مآل الأزمة الحالية في ظل التحشيد الروسي على حدود كييف والمخاوف الجدية من غزو شبيه بما حصل في شبه جزيرة القرم قبل سنوات.
الهروب الجماعي
في أحد مشاهد المسلسل، يتجول الرئيس الأوكراني في شوارع كييف لكنها كانت مقفرة تماما من الناس الذين فروا من البلاد، فيذهب إلى المطار ليشاهد آخر طائرة تغادر إلى ما وراء الحدود.
ولئن تحقق وصول زيلينسكي لسدة الحكم في أرض الواقع، فإن مشهد الهروب الكلي من كييف لم يحصل، لكن برزت بوادر محدودة تشي في حال توسعها بأن أوكرانيا مقبلة على "المشهد الأخير" بشكل درامي قد يفوق أكثر السيناريوهات حبكة.
فقبل أيام، رصدت مواقع تتبع الطائرات مغادرة نحو 20 طائرة خاصة من أوكرانيا متجهة إلى الدول الغربية، في رقم لافت لم تشهده الدولة السوفيتية السابقة منذ ضم موسكو لشبه جزيرة القرم في 2014.
وتحدثت تقارير إعلامية محلية على أن من بين المغادرين رجال أعمال وسياسيون، في "هروب جماعي" أدانه زيلينسكي بشدة، مؤكدا أنه لن يغادر بلاده مها حدث.
الكوميديا والواقع
ويصنف النقاد الأوكرانيون مسلسل "خادم الشعب" على أنه أبرز وآخر أدوار زيلينسكي، في عمل كوميدي تنبأ بمستقبله، حيث لعب دور مدرس لمادة التاريخ في إحدى المدارس العامة يدعى فاسيل بتروفيتش هولوبورودكو، وقادته الصدفة لأن يتحول من رجل من عامة الشعب إلى رئيس منتخب للبلاد بأغلبية ساحقة، وبشكل كوميدي تبدأ حياته بالتغير على جميع الأصعدة.
العقدة الكوميدية الأولى كانت مقطع فيديو صوره أحد تلاميذ المدرس وهو يتحدث غاضبا عن الفساد في أوكرانيا، وينتقد الحكومة والنخبة بلهجة حادة.
وبشكل غير متوقع على الإطلاق، انتشر الفيديو الذي حمل عنوان "مدرس تاريخ يفقد صوابه" انتشارا كبيرا، وبدأ الناس بمطالبته بالترشح للرئاسة بسبب استيائهم أيضا من الفساد والحكومة والنخبة.
وبالفعل، ترشح فاسيل لانتخابات الرئاسة مع أن استطلاعات الرأي لم تظهر تقدمه على باقي المرشحين، لكنه استطاع تحقيق فوز ساحق وحصد 67 بالمئة من الأصوات.
وبدخوله القصر الرئاسي، يكتشف فاسيل الفرق بين العامة والنخبة، كما تنقلب حياته رأس على عقب، فيتحول من مدرس يتلقى الإهانات من الجميع، إلى رئيس يتودد إليه الجميع ويبذلون قصارى جهودهم للقائه.
تحول راديكالي جعله أيضا يخسر "حريته" فبعد أن كان يدير جميع تفاصيل حياته البسيطة بنفسه ويسيطر عليها بشكل كامل، بات حبيس مساعديه الذين يقدمون له كل ما يحتاجه بداية مما سيرتديه من الملابس والأحذية والساعات، وصولا إلى طريقة حديثه وتعبيرات وجهه وما سيقوله للصحافة والشعب.
ورغم كل ذلك، يتحول مع مرور الوقت إلى زعيم حقيقي يلتف الشعب حوله ويسانده لمحاربة الفساد وبذخ النخبة التي تحاربه، قبل أن تتتالى الأحداث لتصل إلى مشهد يظهر فيه وهو يتجول في شوارع كييف المقفرة، ثم يهرع إلى المطار ليرقب آخر طائرة وهي تغادر البلاد.
ولئن بدأت مؤشرات المشهد الأخير بالظهور على أرض الواقع من خلال مغادرة عدد من رجال الأعمال والسياسيين، إلا أن مراقبين لا يزالون يعتبرون أن الأمر لم يبلغ بعد درجة القلق، مؤكدين أنه من البديهي أن يغادر بعض الناس بلادهم عند حدوث أزمات وقد حدث ذلك بالفعل قبل سنوات.
تطمينات قد لا تجد سندا لها في حال تصاعد الأزمة وتمسك موسكو بالتحشيد على حدود كييف، رغم إعلانها سحب عدد من قواتها المرابطة هناك، ففي ضوء التطورات الراهنة يبدو أن الأحداث على أرض الواقع تتجه بشكل حثيث نحو تجسيد المشهد الأخير من "خادم الشعب".