الصوامع النووية.. العمود الفقري لاستراتيجية الردع الصينية الجديدة
كشفت خريطة نشرتها مجلة نيوزويك عن مواقع 3 حقول صوامع صاروخية أنشأتها الصين في مناطق نائية، يتسع كل منها لنحو 100 صاروخ باليستي عابر للقارات، في إطار استراتيجية تهدف إلى ضمان القدرة على الرد في حال اندلاع حرب نووية.
ويعكس هذا الانتشار تحولًا نوعيًا في البنية النووية الصينية، يضع الردع الاستراتيجي في صميم العقيدة العسكرية لبكين.
وفي تقريره السنوي حول القدرات العسكرية الصينية، أكد البنتاغون أن الصين ستواصل، خلال ما تبقى من العقد الحالي، تعزيز قدرتها على تنفيذ ضربة نووية مضادة بعد تلقي إنذار مبكر بهجوم معادٍ، في ما يشير إلى انتقالها التدريجي نحو عقيدة تعتمد على “الإنذار المبكر والرد السريع”.
ويأتي هذا التطور في سياق مساعي الرئيس شي جين بينغ لبناء جيش “عالمي المستوى” قادر على موازنة النفوذ العسكري للولايات المتحدة. ووفق تقديرات وزارة الدفاع الأمريكية، تمتلك الصين حاليًا ثالث أكبر ترسانة نووية في العالم بعد روسيا والولايات المتحدة، تضم أكثر من 600 رأس نووي جاهز للاستخدام، وهو رقم يُتوقع أن يتجاوز 1000 رأس بحلول عام 2030.
وخلال العام الماضي، أحرز جيش التحرير الشعبي تقدمًا ملموسًا في بناء ما يصفه بقوة نووية “فاعلة وموثوقة”، شمل إدخال صاروخ بعيد المدى قادر على الوصول إلى أي نقطة في العالم واختراق أنظمة الدفاع، إلى جانب إجراء تدريبات مشتركة مع روسيا لتعزيز الجاهزية في مواجهة التهديدات الصاروخية.
وأشار تقرير البنتاغون إلى أن الصين “ربما أحرزت تقدمًا” في تحقيق قدرات الإنذار المبكر والهجوم المضاد بحلول عام 2024، مرجحًا أنها قامت بتحميل أكثر من 100 صاروخ باليستي عابر للقارات من طراز دي إف-31 في مواقع الصوامع الثلاثة الواقعة في هامي ويولين ويومين، في شمال البلاد وشمالها الغربي، لدعم هذا التوجه الاستراتيجي.
ويُعد موقع يومين الأكبر بين هذه الحقول، إذ يضم نحو 120 صومعة موزعة على مساحة تبلغ 424 ميلًا مربعًا، بينما يحتوي موقع هامي، الممتد على 396 ميلًا مربعًا، على 110 صوامع، ويضم موقع يولين، الذي يغطي 321 ميلًا مربعًا، نحو 90 صومعة، وفق بيانات البنتاغون ومشروع المعلومات النووية التابع لاتحاد العلماء الأمريكيين.
وخلال عرض عسكري أُقيم في سبتمبر/أيلول، كشفت الصين عن الصاروخ الباليستي العابر للقارات دي إف-31 بي جيه، الذي رجّح اتحاد العلماء الأمريكيين أن يكون النسخة المخصصة للصوامع الثلاثة المذكورة.
وكان البنتاغون قد أشار في تقرير سابق إلى أن الصين نشرت بالفعل “بعض” الصواريخ الباليستية العابرة للقارات في هذه المواقع عقب اكتمال بنائها عام 2022، بالتوازي مع تشييد ما لا يقل عن 30 صومعة جديدة في المنطقة الوسطى مخصصة لصواريخ دي إف-5.
وبالمقارنة، تمتلك الولايات المتحدة حاليًا نحو 450 صومعة للصواريخ الباليستية العابرة للقارات موزعة على خمس ولايات، هي كولورادو ومونتانا ونبراسكا وداكوتا الشمالية ووايومنغ. وتشير بيانات مشروع المعلومات النووية إلى أن 400 من هذه الصوامع محمّلة بصواريخ “مينيوتمان-3” النووية، فيما تبقى الصوامع الأخرى جاهزة لاستقبال الصواريخ عند الضرورة.
ولا يقتصر التوسع الصيني على البنية التحتية الثابتة، إذ أطلق الجيش الصيني في ديسمبر/كانون الأول 2024 عدة صواريخ باليستية عابرة للقارات تباعًا من مركز تدريب باتجاه غرب البلاد، في استعراض لقدرة الإطلاق السريع والمتعدد من الصوامع، وهي قدرة تُعد أساسية لأي نظام يعتمد على الإنذار المبكر.
كما يُرجح أن الصين وسّعت منظومة الإنذار المبكر الفضائية عبر إطلاق قمرين صناعيين قادرين على رصد أي صاروخ عابر للقارات خلال 90 ثانية من إطلاقه، مع إرسال تحذير خلال دقائق، مدعومين بشبكة من الرادارات الأرضية بعيدة المدى.
وفي تقييمه العام، حذر البنتاغون من أن التوسع العسكري الصيني “غير المسبوق” جعل الولايات المتحدة أكثر عرضة للخطر، مشيرًا إلى امتلاك بكين ترسانة متنامية من القدرات النووية والبحرية والتقليدية بعيدة المدى، إلى جانب إمكانات إلكترونية وفضائية قادرة على تهديد الأمن الأمريكي بشكل مباشر.
في المقابل، رفضت وزارة الدفاع الصينية هذه التقديرات، معتبرة أن تقرير البنتاغون “مليء بالمغالطات والتحيزات الجيوسياسية”، ويضخم ما تصفه واشنطن بـ”التهديد العسكري الصيني” بهدف تضليل المجتمع الدولي. وأكدت بكين معارضتها القاطعة لما ورد في التقرير، مجددة تمسكها بخطابها القائل إن قدراتها العسكرية ذات طابع دفاعي بحت.