اخبار الإقليم والعالم
خبراء: تكتيكات القاعدة في مالي تبقي السكان أمام خيارين أحلاهما مر
قال خبراء متخصصون في الساحل الأفريقي إن تكتيك القاعدة في مالي يُبقي السكان أمام خيارين أحلاهما مر.
وأوضح الخبراء أن تصاعد هجمات جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، فرع تنظيم القاعدة في الساحل الأفريقي، يفرض على سكان القرى في مالي خياراً قاسياً: إما الخضوع لسلطة الإرهابيين أو مواجهة حصار كامل يؤدي إلى النزوح.
ففي مالي، يتواصل ما يسميه السكان "نزيف القرى"، حيث يختار الآلاف الفرار من ديارهم هرباً من توسّع الهجمات في المناطق الرخوة، خصوصاً قرب الحدود مع كوت ديفوار وبوركينا فاسو، وهي مناطق تفتقر للحضور العسكري الكافي منذ سنوات.
حصار باماكو
ومنذ مطلع سبتمبر/أيلول، فرض تنظيم "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" الإرهابي حصاراً اقتصادياً خانقاً على العاصمة باماكو، عبر استهداف شاحنات الوقود القادمة من السنغال وكوت ديفوار.
ووفق تقديرات محلية، انخفض عدد الصهاريج التي تصل إلى العاصمة أسبوعياً من 1200 صهريج إلى ما بين 200 و300 فقط.
ورغم محاولات الجيش في مالي مرافقة القوافل خلال الأيام الماضية، تبقى محطات الوقود شبه خالية، والأسعار مرتفعة، والاقتصاد في حالة شلل جزئي، وسط تزايد الغضب الشعبي.
المسيرات تدخل المشهد
وفي منطقة لولوني جنوب مالي، القريبة من الحدود الإيفوارية والبوركينابية، شهدت الأيام الأخيرة موجات نزوح كبيرة.
وشنّ إرهابيو القاعدة هجمات متتالية على قرى منها بيلاسو وكورا، مستخدمين للمرة الأولى المسيرات الانتحارية في هذه الجبهة.
وبغياب الجيش، يجد السكان أنفسهم بين مطرقة إرهابيي القاعدة وسندان "الصيادين التقليديين" المعروفين باسم "الدووزو" الذين تحوّلوا إلى مليشيات دفاع محلية تعوّض غياب الدولة.
ونقلت مصادر لإذاعة "إر إف إي" الفرنسية مقتل نحو 10 عناصر من الدووزو، بينهم عدة قادة محليين، في وقت يواصل المدنيون الهروب نحو سِكاسو وكاديولو أو حتى داخل الأراضي الإيفوارية.
المناطق الرخوة
من جانبه، قال الباحث الفرنسي المتخصص في الدراسات الأمنية في شمال وغرب أفريقيا، في "المعهد الفرنسي للدراسات الاستراتيجية"، مارك ميمييه، لـ"العين الإخبارية" إن ما يحدث جنوب مالي "ليس انهياراً مفاجئاً، بل نتيجة خطة طويلة اعتمدتها القاعدة منذ خمس سنوات".
وأضاف: "التنظيم يتحرك حيث الدولة ضعيفة، ويتقدم حيث الجيوش منهكة. الحدود بين مالي وكوت ديفوار وبوركينا فاسو هي الآن نقطة ضعف واضحة، ولذلك يركّز الهجمات هناك لتأمين ممرّات آمنة ولإقامة ما يشبه حزام نفوذ".
وأشار ميمييه إلى أن الحصار الاقتصادي على باماكو "ليس بهدف إسقاط العاصمة الآن، بل لإضعاف شرعية المجلس العسكري ودفعه لتقديم تنازلات ميدانية".
تغيير الخريطة الديموغرافية
من جانبه، أكد أحمدو علي مباي، أستاذ الاقتصاد والسياسات العمومية في جامعة شيخ أنطا ديوب في داكار بالسنغال، لـ"العين الإخبارية"، أن الهجمات الأخيرة في منطقة لولوني تُظهر "تحوّلاً خطيراً" في تكتيكات التنظيم.
وأضاف مباي: "إجبار القرى على النزوح الجماعي ليس نتيجة جانبية للصراع، بل جزء من استراتيجية واضحة تهدف إلى تفريغ المناطق من السكان، ثم العودة لفرض الحكم على مساحات واسعة دون مقاومة".
وتابع: إن التنظيم يسعى إلى خلق "مناطق ظل" خالية من الدولة، حيث يمكنه فرض الضرائب، وتجنيد المراهقين، والتحكم في طرق التهريب.
انهيار جماعي للجيوش
وبعد إعلان تحالف دول الساحل (AES) عام 2023 بين مالي وبوركينا فاسو والنيجر، توقّع العسكريون أن يخف الضغط الإرهابي، لكن العكس حدث تماماً.
ففي الدول الثلاث، تراجعت سيطرة الدولة، فيما تقدّم إرهابيو القاعدة وداعش في مناطق متفرقة، حتى باتت أكثر من 50% من المناطق الريفية خارج سيطرة الحكومات.
ويحذر مباي من أن "السقوط التدريجي للمناطق الحدودية يعني أن سيناريو إقامة كيان إرهابي واسع في الساحل لم يعد خيالاً، بل احتمالاً واقعياً".
حكومات بلا نفس طويل
ويرى أن المشهد العام يتجه إلى مزيد من الفوضى: تصعيد اقتصادي يهدد العاصمة، نزوح جماعي يفرغ القرى، تراجع الجيوش، تقدّم التنظيمات، انسداد سياسي في باماكو، وتغلغل القاعدة في المناطق الرخوة على الحدود.
واعتبر أن "نزيف القرى" الذي يضرب جنوب مالي اليوم قد يصبح عنوان المرحلة المقبلة في الساحل، إذا لم تستطع الحكومات الأفريقية إيجاد توازن بين المواجهة العسكرية والاستقرار السياسي، وسط غياب الدعم الدولي وارتفاع كلفة الحرب.