اخبار الإقليم والعالم

خبير اقتصادي: استقرار فرنسا المالي «هدوء مؤقت» يخفي خطر أزمة ثقة أوروبية

وكالة أنباء حضرموت

يرى خبير اقتصادي فرنسي أن "ما يبدو اليوم من هدوء في الأسواق لا يعكس ثقة مطلقة في اقتصاد فرنسا، بل نتيجة تنظيمية أوروبية تجعل السندات السيادية أصلا مقدسا داخل النظام المالي، يمنحها مناعة مؤقتة من المخاطر الائتمانية، حتى وإن تراجع تصنيفها".

على الرغم من سلسلة التخفيضات التي طالت التصنيف الائتماني لفرنسا خلال الأشهر الأخيرة، ما تزال الدولة تُعامل ماليًا كمقترض آمن لدى البنوك وشركات التأمين الأوروبية.

وأضاف الخبير الاقتصادي الفرنسي جان لوك دوفور في حديثه لـ"العين الإخبارية" أن "هذا الهدوء أشبه بطمأنينة زائفة، لأن السوق يتجاهل الخطر إلى أن يتحول إلى أزمة ثقة، كما حدث في أزمة اليونان سابقًا. وإذا فقد المستثمرون ثقتهم أو فشلت فرنسا في السيطرة على عجزها المالي، فقد يصبح ثاني أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي مركز الزلزال الذي يهز النظام المالي بأكمله".

وشهد يوم الجمعة 12 سبتمبر/أيلول الماضي أول ضربة حين خفّضت وكالة فيتش التصنيف الائتماني لفرنسا من AA- إلى A+ بعد إغلاق الأسواق. ورغم رمزية التراجع، لم تُظهر الأسواق أي اضطراب يُذكر، إذ واصل مؤشر CAC 40 ارتفاعه وظلت فوارق السندات مستقرة.

وبعد نحو شهر، كررت وكالة ستاندرد آند بورز الخطوة ذاتها في 18 أكتوبر/تشرين الأول دون رد فعل يُذكر من المتعاملين الماليين. وفي 24 أكتوبر/تشرين الأول، أبقت موديز على تصنيف AA- مع وضعه تحت مراقبة سلبية، في تحذير لم يُحدث أثرًا فوريًا.

وقال الخبير الاقتصادي الفرنسي جان لوك دوفور: "يخطئ من يظن أن الأسواق لم تتفاعل لأن وضع فرنسا مطمئن، فالحقيقة أكثر تعقيدًا. ما نراه اليوم ليس تعبيرًا عن ثقة مطلقة في الاقتصاد الفرنسي، بل انعكاسًا لبنية تنظيمية أوروبية تجعل السندات السيادية بمثابة أصل مقدّس داخل النظام المالي".

وأوضح أن "البنوك وشركات التأمين ليست مضطرة لحمل رأس مال مقابل مخاطر التخلف عن السداد لدى فرنسا أو أي دولة أوروبية أخرى، ما دامت الديون مقوّمة بالعملة الوطنية. وهذا يعني أن تدهور التصنيف لا يدخل مباشرة في آلية الخطر التنظيمي، وبالتالي لا يخلق صدمة مالية فورية".

وحذّر دوفور من القراءة المريحة للوضع، قائلاً: "هذه الآلية توفر هدوءًا اصطناعيًا، فالسوق يتجاهل الخطر إلى أن يتحول فجأة إلى أزمة ثقة. حدث هذا في بدايات أزمة اليونان، حين اعتُبرت الديون آمنة، ثم بين ليلة وضحاها أصبحت أزمة أوروبية شاملة. فرنسا ليست اليونان بالطبع، لكنها تحمل وزنًا أكبر بكثير، ولو حدث خلل في ثقة المستثمرين أو في قدرة الدولة على كبح عجزها المالي، فقد تصبح إحدى أكبر الاقتصادات الأوروبية نقطة انزلاق مالي شامل".

ويختتم الخبير حديثه قائلًا: "النظام المالي الأوروبي قائم على فرضية أن الدول لا تتخلف عن السداد، وهذه الفرضية هي التي تحفظ الهدوء الحالي. لكن إذا اهتزت هذه الفرضية، فلن ينهار بنك أو سوق واحد، بل شبكة مالية بأكملها. لذلك، السؤال ليس: هل خفض التصنيف مؤثر؟ بل متى يصبح النظام عاجزًا عن امتصاص مزيد من التدهور؟".

ويرى محللون أن الأسواق كانت تتوقع هذه القرارات مسبقًا، لكن السبب الأعمق يكمن في قواعد النظام المالي الأوروبي، إذ تظل فرنسا تُعامل تنظيميًا كدولة ذات جودة ائتمانية مرتفعة رغم خفض التصنيف.

ويعود ذلك إلى آلية احتساب درجات الجودة الائتمانية (CQS)، التي تعتمدها اللوائح الأوروبية بدلًا من الأحرف التقليدية، حيث تُجمع عدة تصنيفات ضمن مستويات موحدة. وحتى بعد خفض فيتش، بقيت فرنسا ضمن فئة CQS1، أي جهة إصدار عالية الجودة.

وبموجب "قاعدة ثاني أفضل تصنيف"، تُستبعد أعلى وأدنى التقييمات، ويُعتمد المتوسط، ما أبقى فرنسا فعليًا في فئة الـ"AA" حتى خفض ستاندرد آند بورز الأخير، الذي نقلها إلى CQS2.

ومع ذلك، فإن هذا الانتقال لا يُغيّر شيئًا في متطلبات رأس المال، إذ تُعامل السندات الحكومية الأوروبية المقوّمة بعملاتها الوطنية كأصول بلا مخاطر ائتمانية. فلا البنوك ولا شركات التأمين ملزمة بتخصيص احتياطيات مالية لمواجهة احتمال تعثر دولة مثل فرنسا.

هذا النهج التنظيمي صُمم لتفادي انقسام أوروبا ماليًا، ولحماية الديون السيادية كركيزة أساسية للنظام المصرفي. لكنه في الوقت ذاته يخلق مفارقة خطيرة: الدول تُعتبر آمنة مؤسسيًا حتى اللحظة التي تفقد فيها الثقة فجأة، ما يحوّل التراجع التدريجي إلى انهيار حاد.

وتبقى تجربة أزمة اليونان المثال الأوضح، حين تحوّل اضطراب داخلي إلى أزمة قارية. واليوم، تُظهر حالة فرنسا أن استقرار النظام المالي الأوروبي ليس تدريجيًا كما يبدو، بل يعتمد على الثقة المطلقة، التي إن اهتزت يومًا، فلن تتأثر فرنسا وحدها، بل أوروبا بأكملها.

ميزانية فرنسا 2026.. تحالفات غير مسبوقة تهز المشهد السياسي والاقتصادي


بإنجاز غاب 105 أعوام ورقم استثنائي.. أرسنال يحلق في دوري أبطال أوروبا


نقص المحركات يحول الطائرات الخاصة إلى مصدر أرباح غير متوقعة


مسؤولة في التحالف العالمي للمناخ: الغابات شريان الحياة.. وتدميرها يهدد البشر جميعا