اخبار الإقليم والعالم
مصر تستعد لطرح 11 مطاراً أمام القطاع الخاص.. ما علاقة صندوق النقد؟
تستعد الحكومة المصرية لاتخاذ خطوة جديدة ضمن خطتها لتوسيع دور القطاع الخاص في إدارة وتشغيل المرافق الحيوية.
وأعلنت وزارة الطيران المدني عن طرح 11 مطارًا محليًا ودوليًا أمام الشركات العالمية خلال شهر واحد فقط، في خطوة وُصفت بأنها الأجرأ في تاريخ قطاع الطيران المصري، وتطرح تساؤلات حول علاقتها ببرنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تتبناه مصر بالتعاون مع صندوق النقد الدولي.
قال الدكتور سامح الحفني، وزير الطيران المدني، خلال مؤتمر صحفي عقب جولة تفقدية بمطار سفنكس الدولي، إن الوزارة بدأت بالفعل التحضير لطرح عدد من المطارات أمام القطاع الخاص، لتكون البداية من مطار الغردقة الدولي كنموذج تجريبي، موضحًا أن الطرح يأتي في إطار استراتيجية تستهدف "رفع كفاءة التشغيل، وتحسين الخدمات، وجذب استثمارات دولية لقطاع الطيران".
وأكد الوزير أن وزارته تلقت عروضًا قوية من شركات عربية وأجنبية أبدت رغبتها في إدارة وتشغيل المطارات المصرية، ولفت إلى أن هذه التجربة لن تمس الملكية العامة، قائلاً: "مطاراتنا المصرية مش للبيع، ولن تُباع أبدًا، نحن نتحدث عن شراكة في الإدارة والتشغيل فقط".
وأضاف الحفني ردًا على الانتقادات التي ربطت القرار بالحاجة إلى التمويل: "هل السعودية كانت تحتاج إلى أموال عندما طرحت مطار جدة للاستثمار؟ إدارة المطارات تحتاج إلى مطورين دوليين وليس إلى ممولين".
وبينما تؤكد الحكومة أن هدف الطرح هو تطوير الخدمات وزيادة الكفاءة التشغيلية، يرى خبراء الاقتصاد أن هذه الخطوة تتماشى مع التوجهات التي حددها صندوق النقد الدولي في إطار الاتفاق الأخير مع مصر، والذي يركز على توسيع دور القطاع الخاص وتقليص تدخل الدولة في الأنشطة الاقتصادية.
وقال الدكتور عز الدين حسانين، أستاذ التمويل والاستثمار، إن طرح المطارات يأتي ضمن أولويات برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تنفذه الحكومة بالتنسيق مع الصندوق، موضحًا أن الخطوة تستهدف "جذب استثمارات أجنبية مباشرة وتوفير التمويل اللازم لتحديث البنية التحتية، دون تحميل الموازنة العامة أعباء إضافية".
وأضاف في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، أن مشاورات تجري حاليًا بين الحكومة المصرية وصندوق النقد الدولي لبحث ملفات الإصلاح الاقتصادي، مشيرًا إلى أن تعزيز دور القطاع الخاص وتحسين بيئة الأعمال من أبرز البنود التي يتابعها الصندوق عن قرب.
وفقًا لمصادر بوزارة الطيران المدني، فإن الحكومة تدرس تنفيذ الطرح وفق نظام حق الانتفاع (BOT) لفترات تتراوح بين 20 إلى 30 عامًا، بحيث يلتزم المستثمر بسداد مقابل مالي بالدولار وإجراء تطوير شامل للمطار، على أن تعود ملكية الأصول إلى الدولة بعد انتهاء مدة التعاقد أو تُمدد باتفاق الطرفين.
الغردقة وشرم الشيخ والأقصر في القائمة
تشمل قائمة الطرح المبدئية مطارات الغردقة، وشرم الشيخ، والأقصر، وأسوان، وبرج العرب، وسفنكس، والعلمين، ومرسى علم، إضافة إلى مطار القاهرة الدولي الذي سيُطرح بنظام خاص نظرًا لمكانته الاستراتيجية.
وأكد الوزير أن مطار القاهرة سيحتاج إلى "طرح استثماري مختلف" كونه المطار المحوري الأول في البلاد، موضحًا أنه يجري حاليًا إعداد دراسة استشارية متكاملة حول حجم الحركة الجوية والإيرادات ومعدلات النمو المتوقعة قبل فتح باب الشراكة فيه.
يرى خبراء النقل والطيران أن القطاع الخاص يمتلك من الخبرات والقدرات المالية ما يمكنه من إحداث نقلة نوعية في إدارة المطارات المصرية.
وقال الدكتور إبراهيم مبروك، أستاذ النقل والهندسة بجامعة الأزهر، إن بعض المؤسسات الحكومية تفتقر إلى أدوات الإدارة الحديثة، مضيفًا أن إشراك شركات عالمية في التشغيل "سيؤدي إلى تحسين جودة الخدمات وخفض تكاليف التشغيل ورفع كفاءة الأداء الاقتصادي للمطارات".
وأشار إلى أن دولًا مثل الإمارات وتركيا وكوريا الجنوبية استطاعت تحويل مطاراتها إلى مراكز إقليمية بفضل شراكات مماثلة بين الحكومات والمستثمرين الدوليين.
مطار شرم الشيخ
السياحة المستفيد الأكبر
بحسب بيانات وزارة السياحة، تستهدف الحكومة رفع الإيرادات السياحية إلى 18.3 مليار دولار بنهاية العام المالي الحالي بنسبة نمو 9.5% مقارنة بعام 2024، وهو ما يجعل تطوير المطارات خطوة استراتيجية في سبيل تحقيق هذا الهدف.
وأكد الخبير المصرفي عز الدين حسانين أن المطارات تمثل "الواجهة الأولى لمصر أمام السائحين"، وأن تحسين تجربة الوصول والمغادرة ينعكس مباشرة على الصورة الذهنية للبلاد وعلى قرار السائح بالعودة مجددًا.
علاقة مباشرة أم تقاطع في المصالح؟
من الناحية الرسمية، لم تدرج الحكومة المصرية طرح المطارات ضمن بنود اتفاقها الأخير مع صندوق النقد الدولي، غير أن الخطوة تلتقي مع رؤية الصندوق لتعزيز مشاركة القطاع الخاص، والتي عبر عنها مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بالصندوق جهاد أزعور مؤخرًا حين قال إن "تحفيز الاستثمار المحلي والأجنبي يعد محورًا رئيسيًا في المرحلة المقبلة من التعاون مع مصر".
ويرى مراقبون أن الطرح يمثل جزءًا من التحول الهيكلي في الاقتصاد المصري نحو نموذج يعتمد أكثر على الشراكة مع المستثمرين المحليين والدوليين في القطاعات السيادية، مثل الموانئ والمطارات والطاقة.
تدير الدولة حاليًا 18 مطارًا، بينما يُدار مطاران فقط عن طريق شركات خاصة. ومع دخول الشراكة الجديدة حيز التنفيذ، ستصبح غالبية المطارات المصرية تحت إدارة وتشغيل مشترك مع القطاع الخاص، مع احتفاظ الدولة بالملكية الكاملة والسيادة الكاملة على الأمن والمجال الجوي والجمارك.