اخبار الإقليم والعالم
صاروخ خفيف وفاعلية قاتلة.. «آر بي جي-7» في ذاكرة المعارك
يعد قاذف القنابل الصاروخية السوفياتي "آر بي جي-7" واحدًا من أكثر الأسلحة الفردية تأثيرًا وانتشارًا في التاريخ العسكري الحديث.
ولعقود طويلة لعب قاذف القنابل الصاروخية "آر بي جي-7" دورا محوريا في المعارك إذ غير موازين القوى في الحروب غير المتكافئة، ومنح الجماعات الصغيرة والفصائل المقاتلة قدرة على مواجهة الدبابات والمركبات المدرعة التي كانت حكرًا على الجيوش النظامية الكبرى.
وتعود جذور هذا السلاح إلى السنوات التي أعقبت مباشرة الحرب العالمية الثانية، حين استفاد المهندسون السوفيات من تجاربهم مع الأسلحة الألمانية والأمريكية مثل الـ"بازوكا" و"بانزر فاوست" فطوروا قاذفًا محمولًا على الكتف يجمع بين البساطة الفائقة والفعالية العالية
وأوضح موقع "ناشيونال إنترست" الأمريكي أنه بعد تطوير نماذج أولية مثل "آر بي جي-2" و"آر بي جي-4"، ظهر "آر بي جي-7" رسميًا عام 1958 ودخل الخدمة في الجيش السوفياتي عام 1961، ليصبح لاحقًا السلاح المضاد للدبابات الأكثر استخدامًا في العالم.
وساهم الاتحاد السوفياتي بشكل مباشر في انتشار "آر بي جي-7" عبر تزويد الحركات الشيوعية حول العالم به، وخاصة خلال حرب فيتنام، حيث استخدمه الفيتناميون الشماليون ضد القوات الأمريكية بفعالية كبيرة. و
منذ ذلك الوقت انتشر القاذف في أكثر من 80 دولة، سواء عن طريق التصدير الرسمي أو النسخ المحلية أو الإنتاج بترخيص، بما في ذلك فيتنام، إيران، أذربيجان، ودول أفريقية عديدة.
تولت شركة "بازالت" السوفياتية المملوكة للدولة مسؤولية تصنيع "آر بي جي-7" في مصنع "ديغتاريف" بمدينة كوفروف الروسية، واستمرت في إنتاجه حتى بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وقد تجاوز الإنتاج الإجمالي 9 ملايين قاذف مما جعله أحد أكثر الأسلحة المحمولة انتشارًا في التاريخ.
ويعتمد "آر بي جي-7" على أنبوب فولاذي بعيار 40 ملم وطول نحو متر واحد، مزوّد بغطاء خشبي للحماية من الحرارة وفوهة خلفية لتقليل الارتداد.
ويبلغ وزن القاذف حوالي 14 رطلاً فقط، ما يجعله سهل الحمل والاستخدام في الميدان كما أنه يعمل بنظام دفع ثنائي المراحل من خلال شحنة بارودية أولى تطلق المقذوف بسرعة ابتدائية، ثم يشتعل المحرك الصاروخي بعد ابتعاده نحو عشرة أمتار ليصل إلى سرعة تقارب 300 متر في الثانية.
ويصل المدى الفعّال لـ"آر بي جي-7" إلى نحو 330 مترًا ضد الدروع، فيما يبلغ المدى الأقصى الآمن نحو 900 متر قبل أن تنفجر القذيفة ذاتيًا.
ويُستخدم الـ"آر بي جي-7" بأنواع متعددة من الرؤوس الحربية، أبرزها "بي جي-7" وهو رأس حربي تقليدي بعيار 85 ملم يخترق حتى 260 ملم من الدروع.
وهناك أيضا "بي جي-7 في إل" وهو نسخة مطوّرة بقدرة اختراق تصل إلى 500 ملم إلى جانب "بي جي-7 في آر" وهو رأس مزدوج الشحنة ظهر في الثمانينيات يخترق 900 ملم من الدروع غير المجهزة بحماية تفاعلية
وأخيرا "تي بي جي-7 في" الحراري الانفجاري، و "أو جي-7 في" التجزيئي المضاد للأفراد، بالإضافة إلى نسخ مخصصة لتدمير التحصينات أو الأهداف الجوية المنخفضة مثل المسيرات والمروحيات.
ويُفضّل تشغيل القاذف من قبل طاقم من شخصين الأول مسئول عن الرماية وإطلاق القذائف والثاني مساعد للتحميل وتحديد الأهداف.
برزت فعالية الـ"آر بي جي-7" في العديد من النزاعات العالمية، إذ أثبت قدرته على قلب موازين المعارك في البيئات الحضرية والوعرة مثل "معركة مقديشو عام 1993"، حين استخدمه مقاتلو الميليشيات الصومالية لإسقاط مروحيتين أمريكيتين من طراز "بلاك هوك" وهو ما أكد قدرته على إصابة أهداف جوية منخفضة بدقة قاتلة.
كما لعب دورًا مهمًا في حروب أفغانستان، العراق، سوريا، وأوكرانيا، ولا يزال حتى اليوم سلاحًا مفضلًا لدى القوات غير النظامية بسبب تكلفته المنخفضة وسهولة صيانته وتوفر ذخيرته في الأسواق السوداء.
ولا يتجاوز سعر قاذف "آر بي جي-7" عادة 500 دولار مما يجعله خيارًا جذابًا للجماعات المتمردة والدول محدودة الموارد.
ورغم تاريخه الطويل ونجاحاته الميدانية، أصبح الـ"آر بي جي-7" أقل فاعلية ضد الدبابات الحديثة المزودة بدروع تفاعلية وأنظمة حماية نشطة، إذ يحتاج عادة إلى إصابات متكررة أو هجمات جانبية لإحداث ضرر مؤثر لذا بدأت بعض الجيوش في استخدام أنظمة صاروخية أكثر تطورًا بدلا منه.
ومع ذلك، يظل الـ"آر بي جي-7" رمزًا للسلاح الشعبي الذي غيّر طبيعة الحرب الحديثة، إذ مكّن الجيوش الصغيرة والمقاتلين غير النظاميين من مجابهة قوات تفوقهم تسليحًا بأضعاف وبالرغم من مرور أكثر من ستين عامًا على ظهوره، لا يبدو أن "آر بي جي-7" سيفقد مكانته قريبًا، فقد أصبح جزءًا من التاريخ العسكري الإنساني وأيقونة للحروب الحديثة.