تقارير وحوارات
خامنئي ضد السلام: طعنة في قلب فلسطين
في لحظة تاريخية أمسك فيها العالم أنفاسه، أضاء أمل السلام سماء الشرق الأوسط. ففي مساء الجمعة، 3 أكتوبر، أعلنت حركة حماس موافقتها على خطة السلام التي اقترحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لتشكل الحدث الأبرز في ذلك اليوم. سرعان ما تحول هذا الأمل إلى موجة ترحيب عالمية واسعة، شملت الأمم المتحدة وقادتها، وزعماء أوروبا والعالم العربي، وصولاً إلى أبعد العواصم الآسيوية، في تأييد لهذه الفرصة لإنهاء الحرب المدمرة وتخفيف معاناة شعب غزة.
لقد رأى العالم في هذه المبادرة فرصة حقيقية لوقف الحرب المدمرة وإنهاء المعاناة الهائلة لشعب غزة. وصف الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، التطور بأنه فرصة يجب اغتنامها لإنهاء الصراع المأساوي. واعتبره الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون “فرصة حقيقية لتقدم حاسم نحو السلام”، بينما وصفه رئيس وزراء بريطانيا كير ستارمر بأنه “خطوة مهمة إلى الأمام”. حتى المستشار الألماني فريدريش ميرتس، وصف المبادرة بأنها “أفضل فرصة للسلام بعد عامين من الحرب”. الجميع اتفق على ضرورة إنهاء معاناة المدنيين والمضي قدماً نحو حل الدولتين.
وفي خضم هذه الجوقة الدولية الداعية للسلام، خرج صوت نشاز وحيد، يغرد خارج السرب ويعلن رفضه القاطع لأي أمل في السلام. كان هذا الصوت هو صوت نظام ولاية الفقيه في إيران، الطرف الوحيد الذي أبدى معارضته الصريحة لعملية السلام، مطالباً باستمرار الحرب، واستمرار محنة الرهائن، وتعميق جراح الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي.
ولم يكن هذا الموقف مفاجئاً، بل كان تعبيراً نابعاً من جوهر استراتيجية النظام. فقبل إعلان حماس، كانت افتتاحية صحيفة خامنئي قد وصفت خطة ترامب بأنها “خطة لإنقاذ نتنياهو من مستنقع غزة”، متعهدة بأن “غزة لن تستسلم، لا بالقوة ولا بالخداع”. وذهب أحمد خاتمي، إمام جمعة خامنئي في طهران، إلى أبعد من ذلك، واصفاً الخطة بأنها “شيطانية” ومتنبئاً بأن “الفلسطينيين لن يقبلوها”. أما صادق لاريجاني، رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام، فقد هدد بأن “الشباب المسلم سيضرب أفواه هؤلاء الديكتاتوريين”.
إن رفض خامنئي للسلام ليس موقفاً سياسياً عابراً، بل هو حلقة جديدة في سلسلة طويلة من الخيانة للقضية الفلسطينية. فكما أكد زعيم المقاومة الإيرانية، مسعود رجوي، قبل عامين، فإن “كل من يريد السلام في الشرق الأوسط يجب أن يستهدف ‘رأس الأفعى’، أي النظام الديني الحاكم في طهران”. إن شعارات النظام الرنانة، من “يوم القدس” إلى “القدس عبر كربلاء”، لم تكن سوى خنجر مسموم وغدر بقضية فلسطين، استخدمها النظام كغطاء لمشروعه التوسعي وطموحاته المزعزعة لاستقرار المنطقة.
إن النفاق متجذر في سياسة هذا النظام. فقبل رفضه لخطة السلام الحالية، وجه خامنئي طعنة أخرى للشعب الفلسطيني برفضه الاعتراف الدولي بدولتهم. ففي 12 سبتمبر، عندما صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة من 142 دولة لصالح “إعلان نيويورك” الذي يدعم حل الدولتين والاعتراف بدولة فلسطين، امتنع نظام الملالي عن التصويت. في تلك اللحظة الحاسمة، التي وقفت فيها الدول العربية والإسلامية والعالم بأسره إلى جانب فلسطين، اختار خامنئي أن يتخلى عنها.
إن رفض نظام الملالي للسلام اليوم هو الدليل القاطع على أنه لا يهتم بمعاناة أطفال ونساء غزة، بل يتاجر بقضيتهم لتحقيق أهدافه الخبيثة. إن استمرار الحرب هو الضمان الوحيد لبقاء “رأس الأفعى”، أما السلام فهو الخطر الوجودي الذي يهدد عرشه القائم على الكراهية وتصدير الأزمات.