منوعات
معركة صامتة تهز النظام المالي العالمي.. هل انتصر الذهب على الدولار؟
تتصاعد في الأوساط المالية تساؤلات جوهرية حول ما إذا كانت البنوك المركزية حول العالم باتت تمتلك ذهبا أكثر من سندات الخزانة الأمريكية.
وقد أثار تحليل نشرته صحيفة فايننشال تايمز البريطانية جدلا واسعا، بعدما اعتبر البعض أن ما يحدث يشكل لحظة فاصلة بعد عقود من هيمنة الدولار على النظام المالي العالمي.
وزاد من الضجة انتشار رسم بياني على نطاق واسع، حتى أن خبراء بارزين مثل الاقتصادي محمد العريان أعادوا نشره، ما أضفى عليه قدرا من المصداقية، ولو بشكل مؤقت.
غير أن التدقيق في الأرقام يكشف أن الصورة ليست بهذه البساطة. فوفقا لبيانات صندوق النقد الدولي، لا يزال الدولار يهيمن على نحو 58% من احتياطيات العملات الأجنبية الرسمية، إلا أن هذه النسبة لا تفصل بين أنواع الأصول المختلفة، مثل سندات الخزانة والذهب.
أما بيانات وزارة الخزانة الأمريكية فتُظهر أن البنوك المركزية الأجنبية تمتلك حوالي 3.9 تريليون دولار من سندات الخزانة، بينما ارتفعت قيمة الذهب في حوزتها إلى ما يقارب 4.2 تريليون دولار مؤخرا، مدفوعة بارتفاع الأسعار.
لكن هذه الأرقام وحدها لا تكفي لإعلان تفوّق الذهب على السندات. فالفارق الطفيف في القيمة يعود بدرجة كبيرة إلى ارتفاع سعر المعدن النفيس بأكثر من 10% منذ يونيو/حزيران، وهو ارتفاع تغذيه جزئيا مشتريات البنوك المركزية نفسها.
أي أن ما نشهده هو تضخّم في القيمة السوقية للذهب، وليس بالضرورة تحوّلًا جذريًا في استراتيجيات الاحتياط النقدي.
ويزداد المشهد تعقيدًا بسبب ضبابية البيانات. فالتقارير الأمريكية مثل TIC لا تكشف دائمًا عن المالكين الحقيقيين للأصول، نظرًا لاستخدام وسطاء ماليين، كما أن تقارير صندوق النقد الدولي تعتمد على إفصاحات طوعية قد تختلف في دقتها من دولة إلى أخرى.
يضاف إلى ذلك ما يُعرف بـ"احتياطيات الظل" لدى بعض الدول مثل الصين، وهي أصول ضخمة محتفظ بها خارج الحسابات الرسمية، وتُستخدم أحيانًا لشراء سندات أمريكية عبر كيانات تابعة للدولة.
ورغم وجود اتجاه واضح نحو تنويع الأصول وتقليص الاعتماد على الدولار — وهو مسار تغذّيه اعتبارات جيوسياسية، مثل استخدام العقوبات المالية والقلق من تقلب السياسات الأمريكية - فإن هذا التحول لا يزال تدريجيًا، وبعيدًا عن أن يكون ثورة مالية مفاجئة.
واختُتم التحليل بالتأكيد على أن الذهب يكتسب أهمية متزايدة بالفعل، لكنه لم يُزح سندات الخزانة بعد من موقعها المركزي في محافظ البنوك المركزية. فالهيمنة الأمريكية لا تزال قائمة، لكن قواعد اللعبة بدأت تتغير - ببطء وحذر، لا بانفجار.