منوعات
الذكاء الاصطناعي يفرض إيقاعه على لغة البشر.. تطور خطير في هوية الإنسان
كشفت دراسة حديثة من جامعة فلوريدا أن البشر بدأوا يستخدمون مفردات شائعة لدى نماذج الذكاء الاصطناعي بشكل متزايد. هذا التحول اللافت يشير إلى أن التأثير اللغوي لهذه النماذج لا يقتصر على تقليد البشر، بل بدأ يؤثر فيهم بالمقابل.
الدراسة التي جاءت بعنوان "عدم تطابق النماذج وتغير اللغة: آثار اللغة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي في الإنجليزية المنطوقة غير المعدة مسبقًا"، رصدت تغيرات في استخدام مفردات مثل delve (التعمق)، وintricate (معقد)، وunderscore (التأكيد على)، وهي كلمات ترتبط عادة بلغة النماذج اللغوية الكبيرة (LLMs) مثل ChatGPT.
وما يثير الاهتمام أن هذه الظاهرة لم تقتصر على الأوساط الأكاديمية؛ إذ لاحظت الدراسة أن مفردات "الآلة" بدأت تتسلل إلى الأحاديث اليومية، خصوصًا عند تناول مواضيع تقنية أو علمية.
وكتب الصحفي إريك هال شوارتز في تقرير على موقع TechRadar: "عندما يسعى الناس لإضفاء طابع رسمي أو مقنع على كلامهم، باتوا يستخدمون مصطلحات مثل underscore بدلاً من highlight، وdelve بدلاً من explore".
وأضاف أن هذا التأثير اللغوي يشبه ما يفعله الأطفال عندما يقلدون شخصية مفضلة لديهم — لكن هذه الشخصية أصبحت الآن برنامجًا لغويًا.
كما نشرت منصة HumanizeAI قائمة بالمصطلحات التي تكررها النماذج اللغوية، مثل:
game-changer (مُغير قواعد اللعبة)
pain points (نقاط الألم)
thought leaders (قادة الفكر)
إلى جانب تعبيرات تقنية مثل enhanced user experience (تحسين تجربة المستخدم) وroot cause analysis (تحليل السبب الجذري).
ورغم أن هذه العبارات دقيقة، إلا أنها قد تبدو جافة أو متكلفة عند استخدامها في السياقات الإنسانية، وفقًا للكاتب أنوب شودهاري. ويحذر من أن الإفراط في استعمال هذا النوع من اللغة قد يؤدي إلى فقدان الاتصال العاطفي مع الجمهور، حتى عندما يكون المحتوى صحيحًا وموثقًا.
وبحسب تقرير نشرته صحيفة فايننشال تايمز، فإن المسألة لا تتعلق بالمفردات فحسب، بل بنمط الصياغة العام. فمع تزايد اعتمادنا على النماذج اللغوية في كتابة الرسائل والبريد الإلكتروني والمحتوى الرقمي، بدأت الحدود بين اللغة البشرية وتلك المنتَجة آليًا تتلاشى.
كما يحذر الصحفي ريك كلايبول في مقال على موقع Public Citizen من أن اللغة المكتوبة أصبحت قناة التواصل الرئيسية في العصر الحديث، لكن هذا التحول سمح بانتشار نوع جديد من "الخداع اللغوي"، إذ لم يعد بالإمكان الجزم ما إذا كان الطرف الآخر في المحادثة إنسانًا أم نموذجًا اصطناعيًا. وقال كلايبول: "قبل ظهور مولدات النصوص، كان من الآمن افتراض أن من تكتب له إنسان. الآن، هذا الافتراض لم يعد قائمًا".
والسؤال الأبرز الآن لم يعد: هل يمكن للذكاء الاصطناعي تقليد البشر؟ بل: إلى أي مدى أصبح البشر يقلدون لغة الذكاء الاصطناعي؟
وفي تقرير نشره موقع The Conversation بعنوان "على الإنترنت، لا أحد يعرف أنك لست ذكاءً اصطناعيًا", حذر باحثون من أن النماذج اللغوية أصبحت قادرة على تقمص الأدوار والإقناع بشكل قد يفوق أداء البشر في بعض الحالات.
ويطرح التقرير تساؤلًا جوهريًا: هل تصبح اللغة الاصطناعية أكثر قدرة على الإقناع من نظيرتها البشرية؟ الجواب، بحسب الباحثين: نعم، وبشكل مقلق.
ومع تسارع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي، لم يعد تأثيرها مقتصرًا على الوظائف أو الصناعات، بل امتد إلى جوهر هويتنا اللغوية. الكلمات التي نستخدمها لم تعد فقط انعكاسًا لما نشعر أو نفكر به، بل أصبحت أيضًا انعكاسًا لتفاعلنا مع أنظمة غير بشرية.
وفي عالم باتت فيه الخوارزميات تشاركنا الحديث والكتابة، تبرز أهمية الانتباه إلى نوع اللغة التي نستخدمها — ليس فقط لما تعنيه، بل لما تمثّله أيضًا.