تقارير وحوارات
محافظة حضرموت
الوقود كورقة ضغط سياسي.. انتقالي حضرموت يطالب بإنهاء حصار مخيم الهضبة
صورة أرشيفية لمبنى المؤسسة العامة للكهرباء في ساحل حضرموت
ملخص تنفيذي
تعيش مناطق ساحل حضرموت أزمة كهرباء خانقة نتيجة قطع إمدادات الوقود المخصصة للمحطات من قبل مجاميع مسلحة يقودها الشيخ عمرو بن حبريش، زعيم ما يُسمى "مخيم الهضبة". هذا التصعيد دفع المجلس الانتقالي الجنوبي إلى رفع بلاغ رسمي للنائب العام قاهر مصطفى، واعتبار ما يجري "جريمة مكتملة الأركان" تمس حياة وأمن المواطنين.
المجلس الانتقالي يطالب برفع الحصار فوراً، وضمان وصول الوقود، وفتح تحقيق شامل لمحاسبة المتورطين. في المقابل، ينفي حلف قبائل حضرموت بقيادة بن حبريش الاتهامات، ويحمّل السلطة المحلية مسؤولية التقصير في إدارة ملف الوقود.
الأزمة تجاوزت بعدها الخدمي لتتحول إلى صراع سياسي بين الانتقالي وبن حبريش، إذ يُتهم الأخير باستخدام الوقود كورقة ضغط سياسية لتعزيز نفوذه في مناطق الامتياز النفطي، فيما يرى الانتقالي أن هذه الممارسات تخدم خصوم الحكومة الشرعية، وعلى رأسهم الحوثيون والإخوان.
إن استمرار الانقطاعات اليومية التي تتجاوز 19 ساعة فاقم معاناة المواطنين، ورفع من معدلات الوفيات جراء الظروف المناخية القاسية، وأدى إلى احتجاجات واسعة في المكلا ومناطق الساحل. الأزمة مرشحة للتصاعد ما لم يُتخذ إجراء قضائي عاجل وحل سياسي يضمن حياد الخدمات الأساسية عن التجاذبات والصراعات.
المقدمة
تتعرض مناطق ساحل حضرموت في اليمن لانقطاعات كهربائية متكررة وخطيرة، إذ تؤكد تقارير المجلس الانتقالي الجنوبي أن أزمة الكهرباء «تتفاقم يوماً بعد آخر إثر قطع عناصر مسلحة يتزعّمها عمرو بن حبريش إمدادات الوقود المخصصة لها». وقد دفع هذا الوضع المأساوي المجلس الانتقالي إلى رفع الموضوع إلى مكتب النائب العام اليمني قاهر مصطفى، طالباً «توفير غطاء قضائي وقانوني» لمحاكمة من يمارسون هذا الحصار ضد المدنيين. ويرتبط الحصار في نظر الانتقالي بتوسع بن حبريش النفوذ السياسي في المحافظة واستخدامه الوقود كسلاح ضغط، ما أثار غضب السكان وخلف احتجاجات شعبية.
يتهم المجلس الانتقالي قيادة ما يُسمى «مخيم الهضبة»، بقيادة الشيخ عمرو بن حبريش، بفرض «حصار خانق» على سكان الساحل عبر منع مرور كميات الوقود اللازمة لتشغيل محطات الكهرباء و«التهديد بعدم السماح بزيادة أي إمدادات». وقد ذكرت جهات محلية متطابقة أن هذه الإجراءات تسببت في أزمة إنسانية خانقة بسبب الانقطاعات المستمرة للكهرباء، لا سيما مع الظروف المناخية القاسية وارتفاع درجات الحرارة في الصيف. وتقول مصادر في السلطة المحلية إن القطع الإجباري للكهرباء تجاوز الـ19 ساعة يومياً في بعض الأيام، في حين تؤكد تقارير أن النقص الحاد في الديزل يُلقي بظلاله على شحن مياه الشرب والصحة العامة في المحافظة.
الدور السياسي لحاتم بن حبريش وحلف القبائل
يعتبر الشيخ عمرو بن حبريش، رئيس مؤتمر حضرموت الجامع ورئيس حلف قبائل حضرموت، أحد أبرز القادة المحليين في الساحل، وقد شغل أيضاً منصب نائب محافظ حضرموت. واستفاد بن حبريش من ثقل قبيلته الهمّوم في بناء شبكة نفوذ كبيرة، حيث أسس “المؤتمر الشامل لحضرموت” وتُعد فصائل مسلحته جزءاً من التحالف القبلي بإشرافه. وتشير التحليلات إلى أن بن حبريش سعى خلال العامين الماضيين إلى السيطرة على سلاسل إمداد النفط الخام والوقود في المحافظة، مستخدماً مطالب الخدمات العامة (كالكهرباء والماء) كورقة ضغط سياسية. ففي مرات عدة أنشأ حواجز عسكرية في حقول النفط ومنع شاحنات المحروقات من الوصول إلى محطات التوليد، بحجة تحقيق «شفافية» في التوزيع أو حماية مصالح حضرموت المحليّة. ورغم أن أنصاره يرون في ذلك سعيًا لاستقلال الموارد وتعزيز الحكم المحلي، إلا أن كثيرين ربطوا هذه الممارسات بمعاناة الأهالي نفسها، إذ «تُستخدم الوقود كورقة مقايضة» لخدمة مصالح بنحبريش السياسية بحسب مراقبين.
من جانبها، تصر السلطات المحلية التابعة للمجلس الانتقالي على تحميل بن حبريش المسؤولية الكاملة لأزمة الكهرباء. وفي بيان صحفي للقيادة المحلية بالمجلس بالوادي وكذا منشور على مواقع تابعة للمجلس، أعلن الانتقالي أن «تقرير لجنة المحروقات» التي اجتمعت في مطلع سبتمبر كشف «حقائق خطيرة» تشير إلى ضلوع بن حبريش وقيادة مخيم الهضبة في الحصار، مثل رفضه زيادة أي شحنات إضافية من الديزل وتوجيه كمية (130,000 لتر) أعلنت عن تخصيصها لمحطات الكهرباء إلى تاجر خاص. وبعد هذه الاتهامات قدّم الانتقالي بلاغًا عاجلاً للنائب العام حول «فرض عمرو بن حبريش حصاراً خانقاً من خلال منع مرور الكميات اللازمة لتشغيل محطات الكهرباء»، ووصف ما يجري بأنه «جريمة مكتملة الأركان تمس الأمن والاستقرار، وتنتهك حق المواطنين في الخدمة الأساسية للكهرباء». وحذّر المجلس من أن استمرار الأزمة يمكن أن يؤدي إلى تدهور كامل للخدمات في المحافظة.
على الجانب الآخر، نقلت مصادر إعلامية موالية لحلف القبائل أن قيادات هذا الحلف نفت أية مسؤولية عن أزمة الوقود، ورمت باللائمة على تعطل إجراءات السلطة المحلية (المنتخبة من قِبَل الانتقالي) في استكمال معالجة أزمة الوقود. ففي بيان توضيحي صدر عن حلف قبائل حضرموت في يونيو الماضي، أكدت أن تقاعس السلطة المحلية المدعومة إماراتياً عن إصدار التراخيص اللازمة وتعثر التنسيق مع مؤسسة الكهرباء هو السبب في تأخر وصول الديزل، مُحمّلةً مؤسسة الكهرباء الصمت وعدم الإفصاح عن الحقيقة للمواطنين. ورغم التصريحات المتبادلة والاتهامات المتبادلة، ظل انعدام الكهرباء يفاقم استياء السكان ويثير جدلاً بين الفاعلين السياسيين في المحافظة.
مطالبات التحقيق والإجراءات القضائية
في ضوء هذه التطورات، طالب المجلس الانتقالي النائب العام بالتدخل القضائي العاجل لرفع الحصار وضمان وصول الوقود لمحطات الكهرباء دون عرقلة، وفتح تحقيق شامل في الانتهاكات وتقديم مرتكبيها للعدالة. وجاء في البلاغ الموجّه أن على النيابة العامة أن تتخذ الإجراءات اللازمة بحماية أمن واستقرار المحافظة، وأن «تعاقب كافة الأفراد والجهات المتورطة في هذه الممارسات غير الإنسانية التي استغلت حاجات المواطنين لتحقيق مصالح شخصية». ويمكن اختصار مطالب الانتقالي في التالي:
رفع الحصار وضمان الإمدادات: التدخل الفوري والعاجل لإنهاء المنع ومرور وقود الديزل إلى محطات الكهرباء بلا عوائق.
تحقيق شامل وتقديم المتورطين للمحاكمة: فتح تحقيق فوري في إنفاذ حصار الوقود الذي وثقته اللجنة المجتمعية، ومحاسبة كل من ورد اسمه بتحمل مسؤولياته القانونية.
إدانة المسؤولين وتنفيذ العقوبات: إدانة جميع الأفراد والجهات المتورطة، ومساءلة كل من استغل الأزمة لخدمة أهدافه الخاصة.
إجراءات لمنع التكرار: إلزام الجهات الحكومية بسنّ إجراءات قانونية وضمانات عملية لمنع عودة مثل هذه الأزمات التي تستهدف حياة المواطنين واستقرار المحافظة.
وقد أعطى المجلس الانتقالي هذه المطالب بُعداً رسمياً عبر مخاطبة القضاء، كما حثّ على متابعة تنفيذ نتائج التحقيق عبر القنوات القانونية. وفي أعقاب البلاغ وجه النائب العام اليمني قاهر مصطفى إجراء التحقيق لدى نيابة الأموال العامة بحضرموت في بلاغ الانتقالي حول منع مرور الوقود. ويأتي ذلك أيضاً في ظل حملات متواصلة لضغط الرأي العام، بما في ذلك بلاغات أخرى محلية بخصوص تهديدات وتضييق على صحفيين وحقوقيين كشفوا أبعاد الأزمة، ما يؤكد تصاعد التوتر السياسي حول قضية الكهرباء.
أبعاد إنسانية وسياسية للأزمة
لا تقتصر أهمية أزمة كهرباء حضرموت على انعدام التيار فحسب، بل تمتد تأثيراتها إلى معاناة إنسانية عميقة وتقسيمات سياسية متفاقمة. فقد شهدت أسواق المحافظة ارتفاعاً في أسعار المشتقات النفطية والمياه أثناء الانقطاعات الطويلة، كما أدّى انعدام الكهرباء إلى حرمان المرضى من أدوية التبريد الطبي وزيادة معدل الوفيات المسجل في الصيف الحالي. وفي الواقع، يؤكد تقرير لمركز «SARI Global» أن أبين وحضرموت تعرضتا لأشد انقطاعات نتيجة نقص واردات الوقود وفساد الميزانيات، ما زاد التوترات الشعبية.
على الصعيد السياسي، تبرز الأزمة نقطة تلاقي عدة ملفات كبرى في صراع شرق اليمن. فمع استمرار الحرب الأهلية منذ 2014، يحظى الساحل الجنوبي بحضور كثيف للانتقالي الجنوبي الذي تقوده الإمارات ويطالب بالانفصال، ويخوض إلى جانبه اللواء الثاني عسكرياً معركة ضد الحوثيين. وفي المقابل، يحاول زعماء قبليّون مثل بن حبريش (الذي يُعد نائباً لحاكم حضرموت وغالباً ما يُشار إليه بارتباطه بتنظيم الإصلاح الإسلامي) ترسيخ قواعد نفوذ مستقلة، أحياناً بتعطيل سياسات الحكومة المحلية. لذا يتهم أنصار الحكومة الشرعية كلا الطرفين بالمسؤولية: فيرى بعض الناشطين أن بن حبريش «يقدم خدمات مجانية لأعداء الحكومة الشرعية» عبر استغلال أزمة الوقود كورقة مفاوضات، يساعد بها الحوثيين والإخوان المسلمين على إعادة فرض وجودهما في المناطق الساحلية. في مقابل ذلك، ينتقد قادة القبائل والانتقالي ما يرونه محاولات فساد أو فشل من الجهات الرسمية في إدارة الملف، ويحمّلون الحكومة المحلية والهيئات النفطية المسؤولية عن التدهور الحاصل.
وتُجمع التوقعات على أن استمرار هذا النمط من التصعيد قد يؤدي إلى مزيد من الانشقاقات المحلية وتصعيد المواجهات، ما دام الوقود وقود الكهرباء ظاهراً على أنه «ورقة ضغط» لمصالح سياسية أضيق من حاجات المواطنين. فكما يرى تحليل مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، فقد «استمر الشلل السياسي في حضرموت ليتحول أزمة الكهرباء إلى محور مواجهة مفتوحة بين القوى المحلية». وفي ظل هذه الخلفية، يؤكد المجلس الانتقالي الجنوبي أن المحافظة لن تقبل استمرار الممارسات الراهنة، مشدداً على ضرورة عمل القضاء بسرعة إنصاف المتضررين وإعادة الكهرباء إلى الجداول الطبيعية، ضماناً لأمن المواطنين واستقرار الأوضاع في حضرموت الساحلية.
مصادر
- أزمة كهرباء حضرموت.. عبث «بن حبريش» على طاولة النائب العام لليمن
- https://al-ain.com/article/hadramaut-electricity-crisis-bin-habrish-yemen
- Hadramawt on Edge: Public Outcry Exposes Governance Crisis - Sana'a Center For Strategic Studies
- الانتقالي يتهم حلف القبائل بفرض حصار على وقود الكهرباء في حضرموت - يمن ايكو
- انتقالي حضرموت يتهم عمرو بن حبريش بفرض حصار ومنع وقود الكهرباء ويرفع بلاغًا للنائب العام - يافع نيوز
- انتقالي حضرموت يتهم عمرو بن حبريش بفرض حصار ومنع وقود الكهرباء ويرفع بلاغًا للنائب العام - يافع نيوز
- Political Escalation in Hadramout Amid Accusations Against Bin Habrish Alliance
- Political Escalation in Hadramout Amid Accusations Against Bin Habrish Alliance
- Protests in an eastern Yemen province intensify over prolonged power outages | AP News
- Hadramawt on Edge: Public Outcry Exposes Governance Crisis - Sana'a Center For Strategic Studies
- أزمة كهرباء حضرموت.. عبث «بن حبريش» على طاولة النائب العام لليمن
- انتقالي حضرموت يتهم عمرو بن حبريش بفرض حصار ومنع وقود الكهرباء ويرفع بلاغًا للنائب العام - يافع نيوز
- أزمة كهرباء حضرموت.. عبث «بن حبريش» على طاولة النائب العام لليمن
- الانتقالي يتهم حلف القبائل بفرض حصار على وقود الكهرباء في حضرموت - يمن ايكو