تقارير وحوارات
صرخة بروكسل ضد تدخلات الملالي: سوريا ضحية استراتيجية إنقاذ النظام
صرخة بروكسل ضد تدخلات الملالي: سوريا ضحية استراتيجية إنقاذ النظام
صرخة بروكسل ضد تدخلات الملالي: سوريا ضحية استراتيجية إنقاذ النظام
مهدي عقبائي
مهدي عقبائي كاتب إيراني - عضو المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية
(Mehdi oghbai)
من طهران، وفي قلب صلاة الجمعة في التاسع والعشرين من أغسطس 2025، خرج إمام جمعة خامنئي، حاجي علي أكبري، ليلقي بتهديد سافر وواضح تجاه "الحكومة السورية الجديدة". بعبارات لا تخلو من الصلف والغطرسة، أعلن أكبري سقوط هذه الحكومة، متوعداً: "إن شاء الله، قوات المقاومة وشباب سوريا سيأتون في المستقبل القريب أو البعيد بعون الله تعالى، وسيحررون سوريا أيضاً".
هذه التصريحات ليست مجرد زلة لسان، بل هي كاشفة بوضوح عن العقلية المتجذرة لنظام ولاية الفقيه في طهران، وعن مخططه الدائم لزعزعة الاستقرار وإثارة الفوضى في سوريا والمنطقة بأسرها. إنها تؤكد ما قلناه مراراً وتكراراً في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية: أن هذا النظام لن يتوقف عن التدخل في شؤون جيرانه ما دام على سدة الحكم.
لقد سمعنا قبل هذا مراراً وتكراراً على لسان قادة النظام ومسؤوليه، تأكيدهم بأن "لو لم نقاتل في سوريا والعراق ولبنان، لكان علينا أن نقاتل في طهران وأصفهان وسائر مدن إيران". وقد أكد المرشد الأعلى، علي خامنئي نفسه، هذا التوجه بشكل قاطع في لقائه مع عائلة "همداني" بتاريخ 12 أكتوبر 2015، حيث صرح قائلاً: «لو لم نتصدَّ في العراق وسوريا لكنا قد تصدّينا في طهران وفارس وخراسان وأصفهان». هذه العبارة، بحد ذاتها، تلخص الفلسفة الدموية التي يقوم عليها هذا النظام: تصدير الأزمة خارج الحدود لدرء خطر السقوط الداخلي. سوريا، للأسف الشديد، كانت ولا تزال إحدى أبرز ضحايا هذه الاستراتيجية المريضة.
لقد تغلغل نظام الملالي في سوريا تحت غطاء زائف من "الدفاع عن الحرم" أو "محاربة الإرهاب"، لكن هدفه الحقيقي كان حماية حليفه الديكتاتور بشار الأسد، وتثبيت أقدامه في ممر استراتيجي يمتد من طهران إلى بيروت. على مدى سنوات، أنفق النظام الإيراني عشرات المليارات من الدولارات - أموال الشعب الإيراني المنهوب - لدعم نظام الأسد، مما أدى إلى مقتل وتشريد الملايين من أبناء الشعب السوري الأبي، وتدمير حضارتهم وبنيتهم التحتية.
ممثل خامنئي في خطبته أشاد بالميليشيات التابعة للنظام في المنطقة، قائلاً: «لدينا في المنطقة جبهة المقاومة ووحدة الساحات، من اليمن القوي والشجاع إلى حزب الله البطل، إلى حماس والجهاد، وصولاً إلى الحشد الشعبي المجاهد، وجميعهم توحّدوا حول هذا الهدف». وأضاف أنّ خامنئي أوصى بتعزيز وحدة هذه الميليشيات، مؤكداً: «علينا أن نحافظ على هذا الاتحاد المقدّس»."
إن الثناء الذي كال به ممثل خامنئي على الميليشيات التابعة للنظام في المنطقة وتأكيده على "وحدة الساحات" وضرورة "الحفاظ على هذا الاتحاد المقدس"، ليس سوى إقرار صريح بأن هذه الميليشيات هي أدوات النظام لفرض هيمنته الإقليمية وإثارة القلاقل. إنها شبكة إرهابية عابرة للحدود، تديرها طهران، وتغذيها بأموال الإيرانيين ودماء أبناء المنطقة.
لقد بات من الواضح أن تدخلات النظام الإيراني في سوريا ليست مجرد سياسة عابرة، بل هي ركيزة أساسية لاستمراره. فكلما تزايدت الضغوط الداخلية عليه، وكلما ارتفعت حدة التناقضات والصراعات بين أجنحته المختلفة - كما حذر إمام جمعة خامنئي نفسه في خطبته - لجأ إلى إذكاء نيران الصراعات الخارجية. هذا هو شريان الحياة الذي يعتمد عليه لحرف الأنظار عن أزماته المستفحلة، وعن خطر الانتفاضة الشعبية المتزايد في الداخل.
واليوم، في ظل تصاعد حدة هذه الأزمات الداخلية، وتزايد الضغوط الدولية على النظام، أصبحت هذه الاستراتيجية أكثر وضوحاً. ففي 6 سبتمبر الجاري، من المقرر أن تشهد العاصمة البلجيكية بروكسل تظاهرة حاشدة للمعارضة الإيرانية، ينظمها أنصار منظمة مجاهدي خلق والمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، وذلك للتنديد بانتهاكات النظام ودعواته المتكررة للتصعيد الإقليمي، وللمطالبة بمحاسبته على جرائمه ووقف تدخلاته کما هو تقام بمناسبة الذكرى الستين لتأسيس منظمة مجاهدي خلق الإيرانية. هذه التظاهرات، التي تحظى باهتمام دولي، هي دليل آخر على أن النظام يستشعر الخطر من كل اتجاه، ويسعى جاهداً لإيجاد أي وسيلة لتحويل الأنظار عن التحديات الجوهرية التي يواجهها داخلياً وخارجياً.
اليوم، بينما يغرق نظام الملالي في بحر من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية غير المسبوقة، ومع تزايد حدة السخط الشعبي وارتفاع وتيرة الاحتجاجات الداخلية، يعود قادته مجدداً للتفكير في مخططاتهم التخريبية في سوريا. يبدو أنهم يعتقدون أن إثارة الفتنة وإسقاط أي حكومة سورية لا تتماشى مع مصالحهم، يمكن أن يمنحهم متنفساً إضافياً. وهذا ما أكدته التقارير الأخيرة عن اعتقال قوى الأمن الداخلي السوري لعناصر من قوات الحرس التابعة للنظام الإيراني في البوكمال، مما يثبت استمرار هذه التدخلات الخفية والعلنية.
إن رسالة الشعب الإيراني إلى الشعب السوري الصامد، وإلى كل أحرار المنطقة، واضحة لا لبس فيها: لن يتخلى نظام ولاية الفقيه عن تدخلاته الخارجية حتى آخر لحظة من بقائه. إن إشعال الحروب في المنطقة هو وسيلته الأساسية للبقاء، وإذا عجز عن التدخل الخارجي، فسيواجه تصاعد مقاومة الشعب الإيراني في الداخل، مما سيفتح الطريق أمام سقوطه الحتمي على يد شعبه ومقاومته المنظمة. إن الخلاص لسوريا، وللعراق، ولبنان، واليمن، بل للمنطقة بأسرها، يكمن في إنهاء حكم ولاية الفقيه في طهران.
إن ما يجري في سوريا ليس بمعزل عما يجري في إيران. إنها معركة واحدة ضد الاستبداد والاحتلال. وعندما ينتصر الشعب الإيراني، ستشرق شمس الحرية والسيادة على سوريا وعلى كل المنطقة."سوف يعبّر شعب إيران في السادس من سبتمبر بصوتٍ عالٍ عن رفضه لنظام الملالي و سیاساته.