اخبار الإقليم والعالم
«ثورة صامتة».. أثرياء أمريكيا يغيرون خريطة استثمارات صناديق الائتمان
قال تقرير نشرته صحيفة فايننشال تايمز البريطانية إن صناديق الائتمان الخاصة تشهد تحولا لافتا في تركيبة المستثمرين، مع تدفق غير مسبوق لرؤوس أموال المستثمرين الأمريكيين من الأثرياء، يقابله فتور ملحوظ في مساهمات المؤسسات الاستثمارية الكبرى.
يأتي هذا وسط بيئة مالية غير مستقرة ومعدلات فائدة متذبذبة حيث يبحث المستثمرين الأفراد عن بدائل تحقق عوائد أعلى من الأسواق العامة.
ونقل التقرير عن بيانات بنك الاستثمار RA Stanger، ضخ الأفراد في الولايات المتحدة نحو 48 مليار دولار في صناديق الائتمان الخاصة خلال النصف الأول من عام 2025، وهو رقم يفوق إجمالي تدفقات العام الماضي، ويتجه لتجاوز الرقم القياسي المسجل في 2024 البالغ 83.4 مليار دولار.
محو 49 مليار دولار ديونا طبية من تقارير الائتمان الأمريكية.. ما السبب؟
توسّع متسارع
والاهتمام لا يقتصر على السوق الأمريكية، إذ تشير بيانات شركة الاستشارات Novantigo إلى أن الأصول المُدارة في صناديق الدين الخاصة المستمرة بأوروبا، أو ما يُعرف بـ"الصناديق دائمة الحياة"، تضاعفت ليصل إلى 24 مليار يورو بحلول نهاية يونيو/حزيران 2025، ارتفاعًا من مستويات أقل بكثير قبل عامين.
ويأتي هذا التوسع في وقت تعيد فيه شركات الاستثمار الكبرى النظر في استراتيجياتها. فبحسب وكالة Moody’s للتصنيف الائتماني، أصبحت شريحة المستثمرين الأفراد "أحد أبرز محركات النمو الجديدة" في قطاع الاستثمارات البديلة.
وكان هذا التوجه قد شهد دفعًا كبيرًا خلال الإدارة الأولى للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي أصدر في 2020 أمرًا تنفيذيًا يسمح بإدراج استثمارات الملكية الخاصة والائتمان البديل ضمن خطط التقاعد 401(k)، وهو ما فتح الباب أمام تدفقات ضخمة من صناديق التقاعد الفردية إلى هذا النوع من الأصول.
وقال براد مارشال، رئيس قسم الائتمان الخاص في "بلاكستون"، إن النمو في هذا القطاع مدفوع بـ"سوق غير مشبعة إلى حد كبير"، مضيفًا أن الأسواق الخاصة تمنح المستثمرين "علاوة عائدات" مقارنة بالأسواق العامة.
تراجع الصناديق التقليدية
في المقابل، تواجه الصناديق التقليدية، المعروفة بـ"صناديق السحب التدريجي"، تباطؤًا ملحوظًا في جمع الأموال منذ ذروة 2021، وسط تباطؤ في نشاط صفقات الاستحواذ الممولة بالديون (LBOs).
وعلى النقيض، تسجّل "الصناديق المستمرة" – وهي صناديق مرنة من حيث إعادة الشراء ولا تملك تاريخ انتهاء محدد – تدفقات ثابتة من الأفراد، ما يجعلها أكثر قدرة على الصمود في وجه تقلبات السوق. ووفقًا لـStanger، أثبتت هذه الصناديق قدرتها على الحفاظ على جاذبيتها حتى في ظل اضطرابات السوق الأخيرة.
وقال جون سويني، مدير حلول الثروة في "بروكفيلد"، أن المستثمرين الأفراد باتوا ينظرون إلى هذه الصناديق كملاذ آمن نسبيًا في فترات الغموض الاقتصادي، وأضاف: "الناس لا يهربون من البدائل، بل يرون فيها استقرارًا في الأوقات المضطربة".
بلاكستون تهيمنتد
ورغم التغيرات، لا تزال "بلاكستون" تحتفظ بموقع الصدارة من حيث جمع الأموال. فقد اجتذب صندوقها BCRED نحو 6.5 مليار دولار منذ بداية العام، و11.7 مليار دولار على مدار 12 شهرًا، ما رفع أصوله إلى 73 مليار دولار في يونيو/حزيران. لكن المنافسة باتت أكثر حدة، مع دخول لاعبين مثل "أبولو" التي جمعت 6.4 مليار دولار، و"بلو أوول" بـ 7 مليارات، و"أريس" بـ 5 مليارات دولار لصندوقها Ares Strategic Income.
المفاجأة الأكبر جاءت من شركة "كليف ووتر"، التي تمكنت من جمع 11 مليار دولار في عام واحد فقط، لترتفع أصول صندوقها إلى أكثر من 30 مليار دولار، وتقترب من منافسة بلاكستون مباشرة.
وبحسب Stanger، تراجعت الحصة السوقية لبلاكستون في صناديق BDC غير المتداولة من 90% عام 2021 إلى 28% فقط حاليًا، في ظل اتجاه مديري الثروات لتنويع عروضهم.
وقال راج دهاندا، الرئيس العالمي لإدارة الثروات في "أريس": "شعر الكثيرون بأن هيمنة بلاكستون كانت مفرطة... وكان من الضروري تقديم خيارات أوسع للعملاء".
ورغم النمو، يحذر خبراء الصناعة من احتمال تأثر العوائد بسبب المنافسة المحتدمة. وقال جوشوا إيسترلي، أحد التنفيذيين في "سيكث ستريت"، إن بيئة الاستثمار أصبحت أكثر تعقيدًا نتيجة اختلال توازن العرض والطلب على رأس المال. وأضاف: "المنافسة مرتفعة، ومن الصعب بشكل متزايد تحقيق عوائد استثنائية في هذا المناخ".
وفي ظل التغييرات الهيكلية في السوق، يبدو أن صناديق الائتمان الخاصة باتت وجهة رئيسية لرؤوس أموال المستثمرين الأفراد، في وقت تتراجع فيه شهية المؤسسات التقليدية. لكن استمرار هذا الزخم سيعتمد على قدرة مديري الأصول على التكيّف مع تحديات العوائد والمنافسة المتزايدة.