ثقافة وفنون
انفتاح يحمس الفنانين المصريين
السعودية في انغلاقها وانفتاحها تثير جدلا مجتمعيا في مصر
تشير توجهات المملكة العربية السعودية نحو الانفتاح والاهتمام بالترفيه إلى أن هذا التغير لا يهم فقط مواطنيها، فقد أدى تتابع المهرجانات الفنية إلى انقسام في مصر، فهناك من اعتبر ذلك خطوة مهمة، وثمة من رآه استعراضا لدور رأس المال، واعتقد آخرون بأنه يخصم من رصيد الفن المصري الذي ساد الساحة العربية فترة طويلة.
مازال الحفل الذي أقامته السعودية لتكريم صناع الترفيه في مجال الفن والرياضة بعنوان “Joy Awards” برعاية المستشار تركي آل الشيخ رئيس هيئة الترفيه، يثير جدلا في القاهرة مع إشادة بعض الفنانين المصريين بالحفل وتثمين دور الرياض في دعم الفن والترفيه، وخلو قائمة الفائزين من أسماء مصرية لامعة.
وجهت انتقادات للفنان محمد صبحي ردا على إشادته العابرة بتقدم الفن في السعودية وإشارته إلى تراجعه في مصر، ولم تفلح محاولته عبر أحد البرامج التلفزيونية لدحض ما ذهبت إليه بعض التفسيرات، وبدا الفنان كأنه “ينافق” السعودية على حساب بلده مصر ويتخلى عن صورة نمطية للمثقف رسمها له الجمهور.
ازدادت الأزمة حدة مع التركيز على عبارة قالها الفنان حسن الرداد خلال حضوره الحفل الأخير “Joy Awards” في الرياض بشأن رغبته في الإقامة الدائمة بالسعودية لأنها “بلد الفن”، وأوحت العبارة بما يشبه الاعتراض على الأحوال في مصر.
اشتعلت التجاذبات بين شريحة واسعة من الجمهور على مواقع التواصل الاجتماعي حول مكانة السعودية الجديدة في عالم الفن، وتعامل معها البعض بحساسية مفرطة، كأن المقصود بالانفتاح والترفيه وتطوير الفن نقطة خلاف جديدة بين القاهرة والرياض.
ليست هذه المرة الأولى التي يظهر فيها انقسام بشأن صورة السعودية في المجتمع المصري، فقد اعتبرت خلال فترة المد الوهابي في حقبتي السبعينات والثمانينات من القرن الماضي مسؤولة عن ارتفاع نسبة التطرف وأحد أسباب تغول السلفيين في طول البلاد وعرضها، والذين كانت تربطهم علاقات مادية ومعنوية قوية بجهات سعودية.
يوحي الجدل الحالي حول التطور الحاصل بالسعودية في المجال الفني بأن انفتاحها سوف تكون له انعكاسات سلبية كبيرة على مصر، ما يشير إلى وجود هوة في حالتي الانغلاق والانفتاح في المملكة، وأن مصر سبيكة مجتمعية غير متماسكة ويمكنها أن تتعرض بسهولة لهزات من الخارج، وهو استنتاج يحتاج إلى تصويب وإعادة نظر.
الواضح أن الرياض تمضي في انفتاحها لأسباب خاصة بنظام الحكم فيها، ولا علاقة لذلك بمناطحة القاهرة أو سحب البساط الفني من تحت قدميها، فالاستعانة بفنانين من مصر دليل على حجم تأثير هذا البلد في المنطقة، حيث لا توجد هذه الوفرة في المملكة.
لذلك فتصوير المشهد على أن المهرجانات الفنية تصب في خانة تضخيم بلد والتقليل من آخر تشبيه غير صائب تماما، لأن الانفتاح لا يقتصر على السعودية، فالعالم كله يمارس هذا الدور، ومن المهم أن تكون هناك قدرة على الانفاق، الأمر الذي تتوافر مقوماته لدى الرياض أكثر من القاهرة، ما يساعدها على دعوة كبار نجوم العالم.
يقول مراقبون إن المشكلة تكمن في تنامي شعور البعض من المصريين بالتضخم المعنوي من دون اتباع العوامل اللازمة لتأكيده عمليا، اعتمادا على ميراث طويل من الرصيد الفني جرى تقديمه بنجاح في عقود سابقة، وهو ما وضع مصر في مرتبة متقدمة، وكان وقتها التأثير الفني لنجومها ورموزها طاغيا في المنطقة العربية.
ويضيف المراقبون أن تصميم هؤلاء على البقاء في مربع الماضي وأسرى نظرة “شوفينية” ضد أي دولة عربية تريد إحداث نقلة نوعية فنية، يضر بصورة مصر قبل غيرها، والتي تحتاج إلى أن يكون حاضرها تجسيدا لماضيها الناصع، من خلال مراعاة التغيرات التي تحدث في دول عربية مختلفة بلا حساسية مجتمعية.
وتتصرف السعودية لتعزيز دورها في مجال الترفيه عموما وفقا لخطة محددة، تريد منها توصيل رسائل تؤكد أن الدولة حريصة على استمرار تحولاتها المدنية، وأن المجتمع على استعداد لتقبل ذلك والتجاوب معه حتى لو استعانت بفنانين من خارجها.
قالت مصادر مصرية لـ”العرب” إن الانفتاح الفني في السعودية يمكن أن يكون حافزا لاستفاقة فنية في القاهرة تركز على المضمون، ودافعا لاستغلال الجهات المعنية للمواهب، فالسباق يمكن أن يشهد الفترة المقبلة منافسين كثرا.
وأكدت المصادر ذاتها أن القوة الناعمة المصرية ما لم تستغل بصورة جيدة في الداخل سوف تجذبها إغراءات الخارج، ولن تكون قاصرة على السعودية التي تعترف بأهمية الفن المصري ورغبتها في الاستفادة من تجربته، ولا يعني هذا أن تخضع له طوال الوقت.