اخبار الإقليم والعالم
هاجس الحفاظ على الثنائية الحزبية في كردستان العراق يطلق مسار تحييد أبرز المنافسين
أعلنت الشرطة في مدينة السليمانية بإقليم كردستان العراق إلقاء القبض على زعيم حراك الجيل الجديد، أبرز الأحزاب الكردية المعارضة في إقليم كردستان.
وقالت السلطات الأمنية في المدينة التي يهيمن عليها حزب الاتّحاد الوطني الكردستاني إنّ القبض على عبدالواحد تمّ بأمر قضائي واستنادا إلى حكم غيابي صادر ضدّه، لكن الحراك وأنصاره وجهات حقوقية اعتبروا العملية ذات خلفيات سياسية مرتبطة بالتنافس الحزبي الذي بدأ يشهد تصاعدا ملحوظا في فترة المسير نحو الانتخابات البرلمانية في العراق، لافتين إلى أن استخدام مؤسسة القضاء لتحييد الخصوم داخل الإقليم تمثّل امتدادا للممارسة ذاتها المتبعة من قبل الأحزاب الممسكة بزمام السلطة الاتّحادية العراقية، وهي ممارسة تنشط بشكل استثنائي بمناسبة الاستحقاقات الانتخابية الهامّة.
وسجّل حراك الجيل الجديد الذي ظهر إلى الوجود قبل سنوات بقيادة رجل الأعمال الشاب آنذاك صعودا لافتا على الساحة السياسية في إقليم كردستان والعراق وتمكّن من استقطاب أعداد هامة من الجمهور وخصوصا من الشباب الذين رأوا في الحراك كسرا لنمطية الحياة السياسية في الإقليم والقائمة على ثنائية الحزبين الكبيرين الديمقراطي الكردستاني والاتّحاد الوطني الكردستاني.
وقال مصدر قضائي لوكالة فرانس برس الأربعاء إنه حُكِمَ غيابيا على عبدالواحد بالسجن ستة أشهر لعدم حضوره جلسات محاكمة إثر شكوى بالتشهير تقدمت بها نائبة سابقة في البرلمان.
ومنذ دخوله عالم السياسية عمد عبدالواحد الذي اعتقل عدة مرات خلال السنوات الأخيرة وأصيب في محاولة اغتيال، إلى تشديد اللهجة في انتقاده الحزبين الرئيسيين في كردستان العراق وتشهيره بالفساد ودعواته لمحاربة البطالة والفقر في الإقليم.
وتمكن حراك الجيل الجديد من مضاعفة عدد نوابه والحصول على خمسة عشر مقعدا في برلمان الإقليم ليصبح ثالث أكبر قوة سياسية فيه.
ووصف الحراك في بيان اعتقال زعيمه بالعمل المافياوي، مذكّرا بأن عبدالواحد حذّر قبل أيام في مقطع فيديو بأنه “إذا لم تُحل مشكلة الرواتب هذا الأسبوع، فإن الجيل الجديد سيتخذ موقفا مهما الأسبوع المقبل.”
ويقصد بقضية الرواتب الخلافات الكبيرة القائمة بين حكومة إقليم كردستان والحكومة الاتحادية العراقية بشأن موارد اقتصادية ومسائل مالية أفضت إلى امتناع بغداد عن تحويل الأموال المخصصة لدفع رواتب موظفي الإقليم ما تسبب بأزمة اجتماعية حادّة هناك.
وتلقي حكومة الإقليم باللائمة على نظيرتها الاتحادية في تعقيد القضية لكن معارضين يقولون إن فسادا وتلاعبا بالموارد وعدم شفافية في إدارة الرواتب هي أصل المشكلة والعائق أمام حلّها.
ويسيطر على السلطة في الإقليم الحزبان الكرديان الرئيسيان، الاتحاد الوطني الكردستاني الذي تقوده عائلة الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني، والحزب الديمقراطي الكردستاني التابع لأسرة مسعود بارزاني.
وتواجه سلطات الإقليم بشكل متكرر انتقادات من مدافعين عن حقوق الإنسان معارضين للاعتقالات التعسفية والانتهاكات لحرية التجمع والهجمات على حرية الصحافة.
وكثيرا ما يُتّهم الحزبان الحاكمان في إقليم كردستان بالعمل على إقصاء باقي الأطراف السياسية بطرق، تقول تلك الأطراف، إنّها غير مشروعة وتتضمّن استخدام سلطة المال والسياسة وتوظيف الأجهزة الرسمية.
وعلى مدى السنوات الأخيرة ركز عبدالواحد جهوده في منافسة حزبي بارزاني وطالباني على الاستثمار في الأزمات السياسية والاجتماعية التي كثيرا ما دفعت خلال السنوات الأخيرة بأعداد أهالي إقليم كردستان إلى الشارع في تظاهرات احتجاجية غاضبة.
وسبق أن كلفه نقده اللاذع واتهاماته للحزبين بالفشل في إدارة شؤون الإقليم وبالفساد ونهب المالي العام ملاحقات قضائية حيث سبق أن تم اعتقاله من قبل سلطات السليمانية بتهم تحريض السكان على التظاهر وإثارة الشغب.
وتكمن قوة حراك الجديد في حضوره الإعلامي من خلال سلسلة من الفضائيات ذات الخطّ التحريري المغري لفئات واسعة من الشباب الممتعض من خطاب الحزبين ومن طول مكوثهما في السلطة.
حراك الجيل الجديد سجّل لافتا على الساحة السياسية في إقليم كردستان والعراق وتمكّن من استقطاب أعداد هامة من الجمهور وخصوصا من الشباب
ونشرت سروة عبدالواحد القيادية في حراك الجيل الجديد وشقيقه زعيمه عبر حسابها في منصة إكس بيانا للحراك مما ورد فيه “نحن بدل أن نخاف من هذا العمل الجبان (توقيف عبدالواحد) ندينه ونصفه بالعار، ونقول للاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي الكردستاني: لا شاسوار عبدالواحد ولا الجيل الجديد يمكن إخضاعهما. ونحن رفاق شاسوار مستمرون على طريق العدالة والحق. وفي الوقت نفسه، نحن على تواصل مباشر مع المجتمع الدولي وكافة القنصليات لتعريفها بمدى قمعية وظلم هذا النظام.”
ومن جهته وصف عضو مجلس النواب العراقي عن الجيل الجديد ريبوار أورحمن توقيف عبدالواحد بالخطوة السياسية، متهما الاتحاد الوطني الكردستاني بالوقوف وراء العملية.
وقال خلال مؤتمر صحفي إن “اعتقال رئيس الحراك لم يكن إجراء قانونيا، بل جرى بعملية تفتقر للمعايير القانونية،” مؤكدا أنّ الأحزاب في إقليم كردستان تخشى من تنامي قوة الجيل الجديد كمنافس انتخابي وتسعى من خلال هذه الخطوة للضغط على جمهوره قبيل الانتخابات المقبلة.
واعتبر “سبب توقيف عبدالواحد مرتبطا بفيديو نشره حول ملف الاتفاق بين بغداد وأربيل بشأن تصدير النفط وتسليم الإيرادات المحلية وصرف رواتب الموظفين في الإقليم.”
وجاء ذلك بينما قررت محكمة السليمانية، الأربعاء، تمديد توقيف رئيس حراك الجيل الجديد حتى الرابع والعشرين من شهر أغسطس الجاري، فيما حددت تاريخ الحادي والعشرين من الشهر نفسه موعدا لانعقاد أولى جلسات محاكمته.
وفيما نُسبت المبادرة بملاحقة عبدالواحد قضائيا للاتحاد الوطني باعتباره الأكثر خشية على مكانته السياسية من منافسة حراك الجيل الجديد، عبّر الحزب الديمقراطي الكردستاني من جهته عن توافقه مع العملية كونه معني أيضا بتحجيم المنافسين والحفاظ على احتكار الحكم في إقليم كردستان في الثنائي الحزبي خصوصا وأن الحزب الديمقراطي نفسه ممسك بأبرز مواقع السلطة من رئاسة الإقليم إلى رئاسة حكومته فيما يأتي غريمه ومنافسه التقليدي الاتحاد الوطني في المرتبة الثانية من حيث المكانة في مواقع السلطة.
وعلى هذه الخلفية وصف عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني ريبين سلام اعتقال رئيس حراك الجيل الجديد بأنّه متناغم مع الديمقراطية معتبرا أنّ رئاسته لحزب معارض لا تمنعه من المساءلة القانونية.
وقال متحدثا لوسائل إعلام محلية إن “المجتمع الدولي لن يتدخل بقضية عبدالواحد كونها قضية محلية وقضائية بحتة لا علاقة لها بالاستهداف السياسي كما يحاولون الترويج.”
وأضاف: “هذه العائلة (عائلة عبدالواحد) غارقة بملفات الفساد وعليها العشرات من الدعاوى وشقيقه نزار متهم هو الآخر وعليه ملفات فساد في بغداد تتعلق بالاحتيال على المواطنين والتعاقد على مشاريع وهمية لا وجود لها.”