اخبار الإقليم والعالم

بعثة الناتو في العراق: نموذج ناجح للانخراط الأمني منخفض التكلفة قد يمتد إلى لبنان وسوريا

وكالة أنباء حضرموت

 تُعد بعثة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في العراق نموذجا بارزا للانخراط الأمني منخفض التكلفة، حيث تركز على بناء القدرات المؤسسية وتعزيز سيادة القانون، مما يسهم في استقرار الدول الهشة دون الحاجة إلى تدخلات عسكرية واسعة النطاق.

ويرى محللون عسكريون أن هذا النموذج يمكن تطبيقه في دول أخرى مثل لبنان وسوريا، تواجه تحديات أمنية مشابهة.

وتحول مفهوم الأمن الدولي لينظر إلى بناء مؤسسات قوية ومستدامة على أنه السبيل الأكثر فاعلية لضمان السلام والأمن.

وتجسد تجربة الناتو في العراق نموذجا عمليا لاستجابة الدول الشريكة التي تسعى لتعزيز قدرتها على حماية سيادتها وأمن مواطنيها في بيئات معقدة ومتقلبة.

ويؤكد اللواء المتقاعد سامي الحسن، الخبير الأمني، أن نموذج الناتو في العراق يمثل تحولا نوعيا في طريقة التعامل مع الأزمات الأمنية، حيث يركز على بناء القدرات المحلية بدلا من الاعتماد على التدخلات العسكرية الخارجية، وهذا ما يعزز الاستقرار طويل الأمد ويقلل من فرص تصعيد النزاعات.

ومن جهتها، تشير الدكتورة ريم مصطفى، خبيرة شؤون الشرق الأوسط، إلى أن تجربة الناتو في العراق تقدم درسا مهما للدول التي تعاني من هشاشة المؤسسات الأمنية، مؤكدة أن الاستثمار في بناء القدرات وتطوير آليات المساءلة والشفافية هو السبيل الأفضل لمواجهة التهديدات الأمنية المستمرة، خصوصا في بيئات معقدة مثل لبنان وسوريا.

بعثة الناتو في العراق تأسست في أكتوبر 2018 استجابة لطلب الحكومة العراقية، بهدف تقديم المشورة وبناء القدرات للقوات الأمنية العراقية

وتأسست بعثة الناتو في العراق في أكتوبر 2018 استجابة لطلب الحكومة العراقية، بهدف تقديم المشورة وبناء القدرات للقوات الأمنية العراقية، وتُنفذ أنشطتها بالتنسيق مع الحكومة العراقية وضمن إطار احترام سيادتها.

وتتركز جهود البعثة على تعزيز المؤسسات الأمنية المحلية، بما في ذلك وزارات الدفاع والداخلية، والشرطة الاتحادية، ومؤسسات التعليم العسكري.

ويأتي ذلك في ظل خلفية تاريخية عانى فيها العراق لعقود من صراعات داخلية وتدخلات خارجية أثرت على مؤسساته الأمنية وأضعفتها، ما جعل دعم بناء القدرات أمرا ملحا لتعزيز قدرة الدولة على فرض القانون والحفاظ على النظام.

وفي عام 2023، وافق الناتو على توسيع مهامه لتشمل تقديم المشورة لوزارة الداخلية وقيادة الشرطة الاتحادية، مع التركيز على تعزيز سيادة القانون، والاستخدام المسؤول للقوة، والأخلاقيات، ومكافحة الفساد، وحماية المدنيين في النزاعات المسلحة، وذلك انسجامًا مع أجندة الناتو حول المرأة والسلام والأمن.

ويرى الخبير الإستراتيجي نادر الخطيب أن التحديات السياسية واللوجستية التي واجهت بعثة الناتو في العراق تعكس حقيقة أن النجاح في مثل هذه العمليات يتطلب مرونة عالية وفهما عميقا للخصوصيات الوطنية، وهو ما يستلزم تعاونا وثيقا مع الحكومة المحلية والشركاء الدوليين لضمان تحقيق الأهداف المرجوة.

ويعكس النهج الذي اعتمده الناتو في العراق تحولا عالميا نحو دعم الاستقرار عبر بناء القدرات الأمنية بشكل مستدام، وهو نهج يمكن تكييفه مع سياقات متعددة حول العالم، شريطة احترام السيادة الوطنية والتركيز على الشمولية والتعاون الدولي.

تجربة الناتو في العراق تجسد نموذجا عمليا لاستجابة الدول الشريكة التي تسعى لتعزيز قدرتها على حماية سيادتها وأمن مواطنيها في بيئات معقدة ومتقلبة

وتهدف بعثة الناتو في العراق إلى دعم بناء قوات أمنية فعالة ومستدامة، قادرة على مواجهة التحديات الأمنية، لاسيما تهديدات تنظيم داعش، من خلال تقديم التدريب وبناء القدرات في مجالات القيادة والسيطرة، واللوجستيات، والاستخبارات، والتخطيط العملياتي.

كما تساهم البعثة في الإصلاح المؤسسي عبر مساعدة المؤسسات الأمنية على تطوير إستراتيجيات وسياسات فعالة، وتعزيز الشفافية والمساءلة، بالإضافة إلى دعم تعزيز سيادة القانون من خلال تقديم المشورة في مجالات حقوق الإنسان، ومكافحة الفساد، وحماية المدنيين.

وتعتمد البعثة أيضا على التنسيق مع الشركاء الدوليين مثل التحالف الدولي ضد داعش، والاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة، لضمان تكامل الجهود وتعظيم الفائدة.

ويعكس هذا التنسيق متعدد الأطراف إدراكا بأن التحديات الأمنية في العصر الحديث معقدة ومتداخلة، وتتطلب حلولا شاملة تتجاوز البعد العسكري لتشمل أبعادا سياسية واجتماعية واقتصادية، مما يعزز فرص نجاح هذه المبادرات وتحقيق نتائج مستدامة.

ورغم هذه النجاحات، واجهت بعثة الناتو تحديات عدة، أبرزها التهديدات الأمنية الناتجة عن ميليشيات مسلحة، خاصة بعد مقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني في يناير 2020، الأمر الذي أدى إلى تجميد مؤقت للبعثة. كما برزت تحديات سياسية نتيجة لتباين المواقف داخل العراق تجاه وجود القوات الأجنبية، ما أثر على فعالية البعثة، إلى جانب الصعوبات اللوجستية المرتبطة بظروف العمل الصعبة، مثل التضاريس المعقدة والبيئة الأمنية غير المستقرة، مما استلزم تخطيطا دقيقا ومرونة في التنفيذ.

ونظرا للنجاح النسبي لبعثة الناتو في العراق، يُطرح السؤال حول إمكانية تعميم هذا النموذج في دول أخرى تواجه تحديات أمنية مشابهة مثل لبنان وسوريا.

ويمتلك لبنان مؤسسات أمنية ذات خبرة مثل الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي، إلا أن الانقسامات السياسية ووجود جماعات مسلحة غير نظامية مثل حزب الله تشكل تحديات كبيرة.

ويمكن لبعثة الناتو أن تلعب دورا مهما في تعزيز قدرات هذه المؤسسات من خلال تقديم التدريب والمشورة في مجالات مكافحة الإرهاب، وحماية الحدود، وتعزيز سيادة القانون.

وأما في سوريا، التي تعاني من مخلفات صراع طويل وتدمير واسع للبنية التحتية وضعف المؤسسات الأمنية، فهناك فرص للمساهمة في إعادة بناء المؤسسات الأمنية عبر تقديم الدعم التدريبي والمشورة، مع التركيز على تعزيز سيادة القانون ومكافحة الفساد.

وتأتي هذه المبادرة في سياق إقليمي معقد، حيث تتداخل الأزمات السياسية والاقتصادية مع التوترات الأمنية الناتجة عن وجود جماعات مسلحة متعددة، كما هو الحال في لبنان، وتفرض العملية الانتقالية في سوريا تحديات كبيرة لإعادة بناء الدولة ومؤسساتها الأمنية.

وبناءً على ذلك، تشكل تجربة الناتو في العراق مرجعا هاما يمكن الاستفادة منه في تصميم برامج دعم مخصصة تلائم ظروف كل دولة.

ويعكس هذا النهج تحولا في السياسة الأمنية لحلف الناتو الذي بدأ يولي اهتماما متزايدا لدعم الاستقرار عبر بناء القدرات وتعزيز الحوكمة الأمنية، بالتعاون مع مؤسسات دولية مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، في محاولة لمواجهة التحديات الأمنية المعقدة عبر حلول شاملة تتجاوز البعد العسكري.

ومن تجربة بعثة الناتو في العراق، يمكن استخلاص عدة دروس مهمة، من بينها ضرورة التنسيق الكامل مع الحكومة المحلية لضمان قبول البعثة ونجاحها، والتركيز على بناء القدرات المؤسسية بدلا من التدخل العسكري المباشر، مع أهمية التكيف والمرونة في مواجهة التغيرات السياسية والأمنية المحلية.

كما يشكل التعاون مع الشركاء الدوليين، مثل الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، عاملا أساسيا لتعزيز تنسيق الجهود وتحقيق الأهداف المشتركة بكفاءة واستدامة.

ويقدم هذا النموذج فرصة لإعادة التفكير في كيفية تقديم الدعم الدولي بحيث يكون بناء القدرات المؤسسية ركيزة أساسية لعملية الاستقرار والتنمية، مع احترام سيادة الدول وخصوصياتها الوطنية، مما يعزز فرص التعاون البنّاء والشراكات الفعالة في المستقبل.

أطباء غزة المنهكون من التعب والجوع يسابقون الزمن لإنقاذ المرضى والمصابين


ما بعد الاعتراف: تحديات قيام دولة فلسطينية هائلة


البرهان يضغط على التشكيلات المسلحة لإخلاء الخرطوم قبل تولي حكومة إدريس مهامها


«درون القاعدة» تقتل جنديا بهجوم في أبين اليمنية