اخبار الإقليم والعالم
شيوخ الطائفة الدرزية في السويداء يتّحدون ضد دمشق
انضم شيخا عقل الموحدين الدروز، يوسف الجربوع وحمود الحناوي، إلى الشيخ حكمت الهجري، في تبني موقف متشدد حيال السلطة الانتقالية السورية، الأمر الذي من شأنه أن يعقد ما يروج عن مساع أميركية وعربية لإجراء مفاوضات بين دمشق والسويداء.
ويعد الجربوع والحناوي والهجري، المشايخ الرئيسية لطائفة الموحدين الدروز في محافظة السويداء جنوبي سوريا.
وتبنى الجربوع والحناوي مواقف معتدلة تجاه دمشق خلال أحداث العنف التي شهدتها المحافظة في منتصف يوليو، والتي أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 1013 شخصا.
وحرص الشيخان على الإبقاء على باب التواصل مفتوحا مع السلطة الانتقالية للتوصل إلى تهدئة ومعالجة كافة الإشكاليات، على خلاف الشيخ الهجري، الذي اتسمت مواقفه بالصدامية.
ويرى مراقبون أن عدة دوافع ساهمت في تغيير الشيخين الجربوع والحناوي لمواقفهما، لعل في مقدمتها تأييد أغلبية الدروز في المحافظة لمواقف الهجري، فضلا عن أن تعاطي دمشق مع جهود نزع فتيل التوتر مع الدروز والسعي لبناء جسور الثقة كان دون المطلوب حتى الآن، وهو ما تجلى في استمرار تدهور الوضع الإنساني داخل السويداء.
وقال الحناوي في تسجيل صوتي نشر السبت إنه “لا عهد ولا ميثاق” بين السويداء والحكومة في دمشق.
وأضاف الحناوي، البالغ من العمر 82 عاما، “ابتلينا بسلطة لا عهد لها، باعت الوطن وطعنت بأهله قبل أن تطعن حدوده، وكانت سيفا مسلولا على رقاب الأبرياء بأفكار متطرفة تستبيح الدماء”.
واتهم السلطات بمحاصرة السويداء في “الدواء والمحروقات والبنية التحتية”، معتبرا أنّ “المعركة قضية وجود ومصير”، وداعيا إلى تدخل عاجل لرفع ما أسماه بـ”الحصار” ومحاسبة المسؤولين عن “الجرائم الوحشية”.
وأطل الجربوع بدوره ببيان متزامن، وجه من خلاله انتقادات لاذعة لدمشق، وقال الجربوع “إننا نقف اليوم لنرى بوضوح ما خلّفه هذا العدوان الذي حضر بحجة بسط سيطرة الدولة ولكنه أعطى غطاءً وحمايةً لجيش من التتر عاثوا في الأرض فسادًا، وقتلوا المدنيين العزّل دون وجه حق”.
ووصف الجربوع هذه الأعمال بـ”الوحشية الطائفية” التي ترقى إلى “محاولة تطهير عرقي ممنهج”، معتبرا إياها “خيانة حقيقية للشعب السوري أجمع تُسقط شرعية هذه العُصبة في حُكم الدولة”.
وحمّل الدول التي دعمت هذه “العُصبة” (الحكومة السورية) المسؤولية، داعيا إياها إلى اتخاذ موقف مغاير، مقدما الشكر لشيخ عقل الطائفة الدرزية في إسرائيل موفق طريف.
ولا تستبعد أوساط سياسية في دمشق أن تكون أطراف خارجية قد أوعزت للشيخين بتعديل مواقفهما وتبني مواقف متشددة، في سياق الضغط على الحكومة السورية.
وتلفت تلك الأوساط إلى أن حديث الشيخين تزامن مع حراك لتوحيد موقف الأقليات في سوريا، والذي توج بمؤتمر عقد في الحسكة الأسبوع الماضي برعاية قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وبحضور درزي ومسيحي وعلوي لافت، على غرار مشاركة الشيخ حكمت الهجري.
وقد أثار ذلك المؤتمر غضب الحكومة السورية، التي علقت جولة مفاوضات مع الأكراد، وتتجه لتبني ذات الموقف حيال التفاوض مع الدروز في السويداء، لاسيما بعد الموقف الأخير للشيخين الحناوي والجربوع.
ونقلت الوكالة العربية السورية للأنباء (سانا) السبت عن مصدر حكومي قوله إن “الحكومة السورية تدين بشدة استضافة شخصيات انفصالية ومتورطة في أعمال عدائية”.
ولفت المصدر إلى أن “مؤتمر الحسكة شكل ضربة لجهود التفاوض الجارية، وأن الحكومة لن تشارك في أي اجتماعات مقررة في باريس”، في إشارة إلى المفاوضات المرتقبة بين قسد ودمشق، استكمالا للاتفاق الذي تم التوصل إليه في وقت سابق من العام الجاري.
وفي العاشر من مارس الماضي، وقع الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد قسد فرهاد عبدي شاهين، اتفاقا ينص على وقف إطلاق النار في جميع أنحاء الأراضي السورية مع الاعتراف بالمجتمع الكردي كجزء لا يتجزأ من الدولة وضمان حقوقه المواطنية والدستورية.
وينظر إلى الاتفاق على أنه المنطلق للتوصل إلى توافق شامل بين الأكراد ودمشق، وهو ما يبدو مستبعدا حاليا في ظل فجوة الثقة بين الجانبين، والتباينات حول النظام المستقبلي لسوريا وأيضا طريقة اندماج مؤسسات الإدارة الذاتية في الدولة.
وتقول الأوساط السياسية إن الأكراد يحاولون اليوم الضغط على دمشق لتنفيذ مطالبهم من خلال بناء تحالف للأقليات، مستفيدين في ذلك من التعاطي الحكومي الذي لم يتعامل بذكاء مع هواجس هذه الفئات، وهو ما ترجم في السويداء.
وبالتزامن مع البيانين الصادرين عن الحناوي والجربوع طالب الشيخ حكمت الهجري في بيان مصور، عصر السبت، بفتح تحقيق دولي مستقل في “الجرائم المرتكبة في السويداء”، وإحالة المتورطين إلى المحكمة الجنائية الدولية، وإرسال بعثات مراقبة لحماية المدنيين، و”وقف كل أشكال الدعم السياسي والعسكري للفصائل الإرهابية المحيطة بالمحافظة”.
أطراف خارجية تعمل على إذكاء نار الفتنة بين دمشق والأقليات، وما المواقف الأخيرة إلا انعكاس لتلك التدخلات
واتهم الهجري القوات الحكومية وقوات العشائر بارتكاب “إبادة ممنهجة تشمل ذبح أطفال، وإعدام شيوخ، وحرق منازل، وخطف مدنيين، وفرض حصار خانق”، مؤكدا أن “التجويع يشكل جريمة حرب وفق اتفاقيات جنيف ونظام روما الأساسي”.
كما وجّه الهجـري الشكر للدول التي دعمت السويداء، ومـن بينها إسرائيل والولايات المتحدة ودول الخليج والإدارة الذاتية لشمال وشرق الفرات، معبّرا عن امتنانه لـ“دولة إسرائيل حكومة وشعبا لتدخلها الإنساني”، داعيا في ختام بيانه أبناء المحافظة إلى “وحدة الصف ونبذ الفتنة”.
وتقول الأوساط إن المواقف الصادرة عن شيوخ الدروز وتحركات قيادة قسد، تندرج في سياق محاولة محاصرة السلطة الانتقالية التي تجد نفسها أمام خيارات صعبة لفرض سيادتها.
وتلفت تلك الأوساط إلى أن هناك حاجة اليوم إلى وقف الخطابات المستفزة في سوريا من كلا الأطراف، وإقامة حوار وطني ينتج عنه عقد اجتماعي، وغير ذلك فإن الوضع يتجه للتصعيد، خصوصا وأن هناك أطرافا خارجية تعمل على إذكاء نار الفتنة بين دمشق والأقليات، وما المواقف الأخيرة إلا انعكاس لتلك التدخلات.