اخبار الإقليم والعالم
تحركات عسكرية تركية بشمال العراق تسير عكس اتجاه السلام مع حزب العمال
يسير التقدم في عملية السلام بين تركيا وحزب العمّال الكردستاني بالتوازي مع مواصلة القوات التركية لنشاطها العسكري والاستخباراتي ضدّ مقاتلي الحزب في مواقع تمركزهم بشمال العراق، مثيرة التساؤلات بشأن مستقبل وجود تلك القوات على الأراضي العراقية في مرحلة ما بعد استكمال العملية السلمية.
وشهدت الأيام الأخيرة تصعيدا ملحوظا من قبل الجيش التركي لعملياته في محافظة دهوك التي يتخذ حزب العمال من بعض مناطقها ذات التضاريس الوعرة مواقع ومخابئ لمقاتليه وذلك بعد أقل من شهر على إقدام الحزب الذي أعلن في وقت سابق عن حلّ نفسه، على خطوة رمزية دالة على حسن نواياه بشأن السلام تمثلت في قيام عدد من مقاتليه بتسليم أسلحتهم وتدميرها على مرأى من الملأ في موقع بقضاء دوكان شمالي محافظة السليمانية.
ولم يسجّل منذ ذلك الحين أي نشاط عسكري هجومي من قبل مقاتلي الحزب ضدّ القوات التركية فيما رصدت مصادر محلية تحركات لهؤلاء المقاتلين تتعلق على ما يبدو بإخلاء مواقع واستعدادات للتكيف مع مقتضيات العملية السلمية التي بدأت.
ويقول متابعون للملف إنّ التحرّكات العسكرية التركية الحالية أمر اعتيادي في نطاق مواصلة الضغوط حتى تحقيق السلام بشكل كامل والتأكّد من عدم انتكاسه، دون أن ينهي ذلك قلق أوساط عراقية وشكوكها في النوايا التركية التي يقول البعض إنّها تتجاوز مجرّد إنهاء الصراع وحسمه ضد الحزب المسلّح إلى أهداف وطموحات أخرى تعمل أنقرة على تحقيقها في العراق وقد تقتضي الحفاظ على وجود عسكري دائم على أراضيه.
ودخلت تركيا كمنافس جدّي لإيران والولايات المتحدة على النفوذ داخل العراق، وهي تعلم أن لكلتا الدولتين وجودا عسكريا مباشرا بالنسبة إلى واشنطن، وبالوكالة عن طريق الميليشيات المرتبطة بالحرس الثوري، بالنسبة إلى طهران.
وتحتاج أنقرة في ضوء ذلك إلى وجود عسكري مماثل لتأمين مصالحها وحماية نفوذها، ويمكنها التذرّع في الإبقاء على قواعدها ونقاط تمركز قواتها على الأراضي العراقية بتأمين السلام الذي قد يتحقّق وضمان عدم عودة مقاتلي الحزب لاستخدام تلك الأراضي منطلقا للتمرّد عليها.
وبالإضافة إلى حماية النفوذ الناشئ تحتاج تركيا إلى وجودها العسكري في العراق لتراقب عن كثب تجربة الحكم الذاتي لإقليم كردستان العراق ومنع تدرجها باتجاه دولة مستقلة كان أكراد البلد قد عبّروا بوضوح عن طموحهم لإنشائها من خلال استفتاء على الاستقلال أجروه سنة 2017 وتعاونت أنقرة ذاتها مع كل من بغداد وطهران على إحباط تنفيذ مخرجاته على أرض الواقع.
وتطبق تركيا في الوقت الحالي سيناريو مشابها في سوريا حيث أرسلت قواتها إلى بعض مناطقها لمراقبة الأكراد المدعومين من قبل الولايات المتحدة وقمع أي خطوة استقلالية لهم عن الدولة السورية ولو في حدود حكم ذاتي في نطاق الدولة نفسها.
وخلال الأيام الماضية سجلت مصادر متعدّدة عودة ملحوظة للعمل العسكري التركي في مواقع تواجد عناصر حزب العمال الكردستاني بشمال العراق.
وقالت منظمة صناع السلام الأميركية، فرع كردستان العراق، إنّ الجيش التركي أطلق منذ نهاية شهر يوليو الماضي عملية عسكرية برية باستخدام قوّة قوامها مئتان وخمسون جنديا في قرى منطقة كوليب في قضاء باتيفا من محافظة دهوك.
وذكر العضو في المنظمة كامران عثمان أنّه جرى نشر الجنود بواسطة طائرات هليكوبتر على جبل سيارا ستوري حيث قامت تلك القوّة العسكرية بتأسيس قاعدة استخدمتها لاحقا منطلقا لتطويق القرية بأكملها ومنع الأهالي من مغادرتها.
وأضاف أنّ الجنود الأتراك تحركوا من قرية كاشان إلى قرية بانكي وعبروا نقطة تفتيش تابعة لقوات حرس الحدود العراقية ثم واصلوا دوريتهم في قرى شلين وشيلاني وبانكي وليفاني وأفلهي وبيربلا.
وسبق تلك الحملة قيام الجيش التركي بإغلاق جميع الطرق في قرية كاشاني وحقولها ومزارعها المحيطة ووجه تحذيرا للقرويين بعدم مغادرة منازلهم.
تركيا ارسل قواتها لمراقبة الأكراد المدعومين من قبل الولايات المتحدة وقمع أي خطوة استقلالية لهم عن الدولة السورية ولو في حدود حكم ذاتي في نطاق الدولة نفسها
وأوضحت المنظمة أن الهدف من العملية العسكرية التركية منع القرويين من العودة إلى قراهم تمهيدا لتنفيذ مشروع إنشاء منطقة أمنية عازلة في القرى التي تقع ضمن حدود إدارة زاخو.
وأثار التحرك العسكري التركي الذي يأتي على طرف نقيض من جهود التهدئة ومسار السلام انتقادات للجانب التركي كما للجانب العراقي المتهم محليا بالتفريط في سيادة البلد والتساهل مع أنقرة وعدم الحرص في دفعها لسحب قواتها وإزالة قواعدها من الأراضي العراقية.
وقال المحلل السياسي عباس الجبوري إنّ التهديدات التركية تجاوزت حدودها وإنّ وجود أكثر من اثنتين وعشرين قاعدة تركية وآلاف الجنود على أراضي العراق وقيام تلك القوات بعمليات تهجير للسكان وهدم لأكثر من خمسين قرية في دهوك، تمثل جميعها خروقا صارخة للسيادة العراقية وخطرا على أمن العراق والمنطقة.
وأضاف متحدثا لوسائل إعلام محلية أن العملية العسكرية الأخيرة في دهوك تتعارض صراحة مع دعوة السوداني إلى خروج القوات التركية، معتبرا أن “أنقرة لا تزال تتمسك بحلمها العثماني في التوسع داخل الأراضي العراقية.”
ومن جانبه قال الصحافي حسن نبيل لموقع روج نيوز الإخباري إن خطوة حل حزب العمال الكردستاني تفرض على بغداد اتخاذ موقف واضح تجاه مبادرة السلام، حاثّا الحكومة العراقية على إبرام اتفاق ملزم مع تركيا لسحب قواتها من العراق.