اخبار الإقليم والعالم
انزعاج في مصر من حملة لتحميلها مسؤولية الأزمة الإنسانية في غزة
ناشد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي نظيره الأميركي دونالد ترامب بذل كل الجهود لإنهاء الحرب في قطاع غزة، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إليه، وذلك بالتزامن مع حملة متعددة الجهات أرادت تحميل القاهرة مسؤولية تعطيل دخول المساعدات بدلا من إسرائيل التي فرضت حصارا محكما على غزة، وأغلقت كل المعابر وهدّمت البنية التحتية لمعبر رفح من الناحية الفلسطينية، ما أعاق دخول المساعدات من مصر.
ويعتبر مراقبون أن خطاب السيسي الموجه إلى ترامب لحل هذه الأزمة المستعصية يحمل رسالة تحذير من أن استمرار الوضع الإنساني الصعب وتمادي إسرائيل في توتير الوضع يمكن أن يؤثرا على صورة الجميع بما في ذلك الولايات المتحدة ومصالحها في المنطقة، ولا يقف تأثيرهما على القاهرة فقط.
ويشعر المصريون بالحرج في ظل حملة موجهة إعلاميا وسياسيا توحي بأن بلادهم تغلق معبر رفح وتمنع مرور المساعدات إلى قطاع غزة وتساهم في المأساة الإنسانية، فيما تقول القاهرة إن المعبر مفتوح من الجانب المصري، وإن من يعرقل مرور المساعدات هو إسرائيل وليس مصر، التي لا ترغب بالانجرار إلى معارك هامشية لا تخدم مصالحها تحت أي ظرف.
يحيى كدواني: الرئيس السيسي أراد التأكيد على ثوابت الموقف المصري، والتي لا تتغير حيال القضية الفلسطينية
وعبّر خطاب السيسي عن انزعاج كبير من استهداف بلاده، ومخاوف من ارتدادات الوضع الإنساني السيء في غزة، وما يمكن أن تحيكه إسرائيل للقطاع من سيناريوهات بشأن التهجير، بعد قيامها بالسماح بدخول المساعدات فجأة وبلا تفاوض مع حماس.
وتخشى مصر أن تجد نفسها مضطرة إلى الخيار بين صد سكان غزة ومنعهم بالقوة من عبور حدودها، وبين السماح لهم بالعبور والبقاء في منطقة سيناء، وفي الحالتين ستكون هناك تداعيات سياسية وأمنية مكلفة على مصر.
وقال السيسي في كلمة بثها التلفزيون المصري “أوجه نداء عاما إلى كل دول العالم، إلى دول الاتحاد الأوروبي، إلى الولايات المتحدة، إلى أشقائنا في المنطقة العربية، إننا نبذل أقصى جهد هذه الفترة الصعبة لإيقاف الحرب وإدخال المساعدات وإنهاء هذه الأزمة.”
وبدأت العشرات من شاحنات المساعدات الإنسانية في التحرك نحو غزة من مصر، الأحد، بعد أشهر من توقفها، حيث تزايدت فيها الضغوط الدولية والتحذيرات من المنظمات الإنسانية بسبب انتشار المجاعة في القطاع نتيجة للحصار الإسرائيلي.
وقال عضو لجنة الدفاع والأمن القومي في البرلمان المصري اللواء يحيى كدواني إن كلمة الرئيس السيسي “رد واضح وصريح على الافتراءات التي يتم ربطها بالدولة المصرية، من خلال قوى معارضة (في إشارة إلى جماعة الإخوان) هدفها البحث عن مصالحها الشخصية على حساب المصلحة الوطنية العليا للبلاد.”
وأشار في تصريح لـ”العرب” إلى أن الرئيس السيسي أراد التأكيد على ثوابت الموقف المصري، والتي لا تتغير حيال القضية الفلسطينية، وبينها رسالة أيضا بأنه في حال تعرض الأمن القومي لأيّ تهديد يوجد جيش كبير وقوي وشعب متماسك ووحدة وطنية داخلية قادرة على صد أيّ اعتداءات خارجية، وأن كلماته كانت معبرة عن موقف جميع المصريين، باستثناء فئة قليلة تعادي الدولة.
ولفت كدواني إلى صعوبة أن يزايد أحد على الموقف المصري من القضية الفلسطينية، حيث كانت ترفض دوما مبدأ التهجير القسري، وساهمت في تخفيف معاناة الفلسطينيين خلال فترات تاريخية عديدة، وقدمت نحو 80 في المئة من المساعدات التي جرى إدخالها إلى القطاع منذ اندلاع الحرب عليه، متوقعا أن تتحسن الأوضاع الإنسانية في غزة، حال كان هناك موقف أميركي صارم وداعم لوقف الحرب.
سعيد عكاشة: النظام المصري يتحرك بشكل دبلوماسي ولا ينجرف إلى لغة التحريض
وشدد على أن إشارة الرئيس المصري إلى نظيره الأميركي بشكل شخصي تنطوي على إدراك أنه يستطيع وقفها بكلمة واحدة يوجهها إلى اليمين المتطرف، وإلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وفي ظل توافق دولي على ضرورة إنهاء الحرب وإحلال السلام على أساس حل الدولتين، منوّها إلى أن ثمة تصريحات للرئيس ترامب مؤخرا انطوت على إشارة بعدم رغبة الولايات المتحدة إقامة الدولة الفلسطينية.
وعبّرت دوائر مراقبة في مصر عن هواجسها من خطاب ألقاه رئيس حركة حماس في غزة خليل الحيّة، تتسق فحواه مع أجندة الإخوان السلبية حيال الدولة المصرية.
وأكد الخبير في الشؤون الإسرائيلية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية سعيد عكاشة أن تصريحات الحيّة تماشت مع خطة إخوانية تستهدف النظام المصري، حيث يرى التنظيم الدولي للإخوان أن ثمة فرصة تاريخية لتحريك الشارع، وعدم تفاعل الرأي العام مع هذه الدعوة لا يمنع وجود ضغوط تستجوب التعامل معها بصرامة.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن النظام المصري يتحرك بشكل دبلوماسي ولا ينجرف إلى لغة التحريض التي استخدمها خليل الحيّة في خطابه، وأن تصريحات الرئيس السيسي جاءت “موزونة ويغيب عنها التورط في تصريحات عدائية.”
وكشف سعيد عكاشة أن خطاب السيسي كان مهمّا، لأنه جاء في وقت تشن فيه إسرائيل حملة ممنهجة لشيطنة دور مصر، واتهامها بالوقوف إلى جانب حركة حماس.
وبدد حديث الرئيس المصري الشكوك حول إمكانية اتخاذ موقف يقضي بالانسحاب من ملف التفاوض أو الدخول في صدام مع حركة حماس، وبرهن أن القضية الفلسطينية جزء مهم للأمن القومي المصري، يقتضي توضيح ما تقوم به الدولة من جهود لوقف الحرب وإدخال المساعدات.