تقارير وحوارات
عملة حوثية جديدة تعقد مشهد الاقتصاد اليمني المنهار
يزداد الوضع المصرفي في اليمن تعقيدا، مع إعلان جماعة الحوثي إصدار ورقة نقدية جديدة، للمرة الثانية منذ سيطرتها على العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014، ورفض الحكومة المعترف بها دوليا للإجراء الذي اعتبرته “فعلا تدميريا وعبثيا.”
ويكشف هذا التطور أبعادا اقتصادية وسياسية خطيرة تفاقم معاناة اليمنيين، في بلد يعاني من أزمة إنسانية هي “الأسوأ” في تاريخه الحديث، بحسب الأمم المتحدة.
والسبت، أعلنت الحوثيون اللذين يسيطرون على صنعاء وعدد من المحافظات اليمنية، إصدار عملة معدنية جديدة فئة 50 ريالا (تعادل 20 سنتا تقريبا)، وفق بيان للبنك المركزي اليمني التابع للجماعة.
وسبق للحوثيين أن أعلنوا عن صك عملة معدنية من فئة مئة ريال في أبريل 2024، وقوبلت تلك الخطوة باستنكار الحكومة الشرعية، والبعثات الأوروبية في اليمن.
والحكومة اليمنية الشرعية في بيان، الإجراء الحوثي، واعتبرته “استمراراً للحرب الاقتصادية التي تمارسها الميليشيات على الشعب اليمني، ونسفًا للاتفاق السابق بين الطرفين الذي تم توقيعه في 23 يوليو 2024، برعاية إقليمية ودولية.”
وقبل نحو عام، أعلن المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، اتفاق الفرقاء اليمنيين على “عدة تدابير لخفض التصعيد في ما يتعلق بالقطاع المصرفي، عقب إجراءات متبادلة بين الطرفين حينها.”
وحينها أعلن الحوثيون عن صك عملة معدنية فئة مئة ريال لأول مرة، فيما رد البنك المركزي التابع للحكومة الشرعية بوقف تراخيص 6 من أكبر بنوك البلاد تقع مراكزها الرئيسية في صنعاء.
وحينها، استنكرت بعثات الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وفرنسا لدى اليمن، قرار الحوثي وحذرت من أن “القرارات أحادية الجانب ستؤدي إلى تعميق انقسام الاقتصاد اليمني، ولا تخدم سلام ورخاء اليمنيين.”
واعتبرت جماعة الحوثي إعلانها صك عملة معدنية جديدة، “إجراء مدروسا ومسؤولا، لتكون بديلاً للأوراق النقدية التالفة من نفس الفئة.”
ووفق بيان للبنك المركزي بصنعاء، أوضحت الجماعة أن ذلك “يأتي في إطار إيجاد حلول لمشكلة الأوراق النقدية التالفة، وتعزيز جودة النقد الوطني المتداول.”
وادعت أن تلك الإجراءات “لن يترتب عليها أي زيادة في الكتلة النقدية أو أي تأثير على أسعار الصرف.”
لكن الحكومة الشرعية نددت بالإجراءات الحوثية، وأكدت في بيان للبنك المركزي بالعاصمة المؤقتة عدن، أن هذا الفعل “عمل عبثي تدميري يستهدف حياة اليمنيين ويفاقم الوضع الاقتصادي الكارثي في البلد.”
وأشارت الحكومة إن “هذا الفعل التصعيدي الخطير من قبل ميليشيات الحوثي يُطيح بإعلان 23 يوليو 2024 الصادر عن المبعوث الدولي، والذي تم برعاية إقليمية ودولية.”
ونص الاتفاق الذي رعته الأمم المتحدة على “إلغاء القرارات والإجراءات ضد البنوك من الجانبين، والتوقف مستقبلا عن أي قرارات أو إجراءات مماثلة.”
واعتبر الخبير الاقتصادي اليمني ماجد الداعري، أن الإجراء الحوثي “انقلاب وتحدٍ للحكومة الشرعية والمجتمع الإقليمي والدولي.”
وقال إن “طباعة عملة جديدة تُعد أخطر مرحلة تصعيدية في الملف الاقتصادي، وتُنهي كل التفاهمات السابقة والجهود الأممية المتعلقة بتطبيع الأوضاع الاقتصادية وإنهاء الأزمة المتعلقة بالقطاع المصرفي وتوحيد العملة.”
وتابع الداعري في تصريحاته لوكالة لأناضول “الحوثيون أثبتوا أنهم الطرف الأقوى والمتحكم بالملف الاقتصادي، بينما الحكومة لا تملك أي خيارات للرد.”
وأوضح أن مشكلة الحكومة تكمن في “تنازلها عن أقوى قرارات معاقبة البنوك الواقعة تحت سيطرة الحوثيين.”
وأشار أنه كان بإمكان الحكومة “استثمار ذلك في القطاع النقدي أو المصرفي لكنها رضخت للضغوط الأممية والاقليمية وتراجعت عن قراراتها، وأصبحت بذلك مجردة من أي مخالب تتعلق بالملف الاقتصادي.”
ويعاني اليمن أزمة مالية كبيرة زاد من تأثيرها توقف تصدير النفط منذ عام 2022، نتيجة تداعيات الصراع بين الحكومة والحوثيين الذي بدأ عقب سيطرة الأخيرة على صنعاء وعدة محافظات نهاية 2014.
ويرى الخبير الاقتصادي رشيد الحداد، أن الخطوة التي أقدمت عليها جماعة الحوثي “طبيعية وهامة وتعالج أزمة السيولة المالية في العاصمة صنعاء وباقي المحافظات الخاضعة لسيطرتها.”
وأضاف في حديث للأناضول “هذه الخطوة ليس لها أي أثر تضخمي على صرف العملة في أماكن سيطرة الحوثيين، وتندرج في إطار المعالجات لأزمة السيولة التي يعاني منها السوق المحلي.”
وأوضح الحداد أن الحوثيين “يسيطرون على السوق اليمنية (70 في المئة)، الأمر الذي يحتم عليهم وضع حلول ومعالجات في ظل وجود كميات كبيرة من العملة التي طُبعت قبل العام 2014، وباتت حاليا في حكم التالف.”
وأشار إلى أن الجماعة “ستمضي في تلك المعالجات رغم القيود الأميركية المفروضة عليها وتصنيفها جماعة إرهابية.”
وشهدت العملة اليمنية تراجعا جديدا في قيمتها، ما يزيد من متاعب الناس الذين يرزحون تحت وطأة الفقر وغلاء الأسعار، في وقتٍ تغيب فيه السياسات الفاعلة والرقابة المالية في بلد تمزقه الحرب منذ عشر سنوات.
وسجل الريال تراجعا مع بداية يوليو الجاري ليصل إلى 2760 ريالا مقابل الدولار الأميركي، في أدنى مستوى له منذ اندلاع الحرب الأهلية في عام 2015.
وحذر خبراء من تداعيات استمرار تراجع قيمة الريال، الذي سيؤثر على المخزون السلعي وارتفاع تكاليف النقل والتأمين وإمدادات الغذاء ويزيد من معاناة اليمنيين.
وإعلان الحوثيين عن طباعة عملة جديدة، سواء كانت معدنية أو ورقية، يُعد “تحديا مباشرا للحكومة الشرعية باعتبارها الجهة المعترف بها دوليا لإدارة السياسة النقدية في اليمن،” بحسب أستاذ الاقتصاد بجامعة عدن عارف السقاف.
وقال إن “طباعة عملة جديدة تُعمق الانقسام النقدي الحاصل في البلاد، وتُفرز واقعا اقتصاديا مزدوجا يزيد من معاناة المواطنين ويعقد حركة التجارة بين المحافظات.”
وتابع “هذا الإعلان يمثل رسالة سياسية واقتصادية للمجتمع الإقليمي والدولي بأن جماعة الحوثي تفرض أمرا واقعا وتسعى لإدارة اقتصاد موازٍ خارج الشرعية، ما قد ينعكس على فرص التسوية السياسية ويثير قلقا حول وحدة النظام المالي اليمني.”
وأوضح السقاف أن “النتيجة المحتملة من هذا الإصدار النقدي هي المزيد من فقدان الثقة بالعملة الوطنية، وازدياد الاعتماد على العملات الأجنبية، وتوسع دائرة الركود والانقسام في اقتصاد البلاد.”