اخبار الإقليم والعالم
كيف أعاد نتنياهو تشكيل «كارثة سياسية» إلى «نصر» يبقيه في السلطة؟
بعد ستة أشهر من اندلاع الحرب في قطاع غزة، كان بنيامين نتنياهو يستعد لإنهائها عبر مفاوضات هدنة طويلة الأمد مع حركة حماس.
وبحسب تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز"، أرسل نتنياهو مبعوثًا خاصًا لإبلاغ الوسطاء المصريين بالموقف الإسرائيلي الجديد، وكان بحاجة للحصول على موافقة حكومته في اجتماع بوزارة الدفاع في تل أبيب. لكنه أبقى خطة الهدنة خارج جدول الأعمال الرسمي، بهدف طرحها على نحو مفاجئ ومنع الوزراء المعارضين من التنسيق ضدها.
مصير تشرشل يفزع نتنياهو.. هزيمة سياسية في الأفق؟
كان الاقتراح يقضي بوقف مؤقت لإطلاق النار لمدة لا تقل عن ستة أسابيع، مع فرصة للتفاوض على هدنة دائمة، وإطلاق سراح أكثر من 30 رهينة خلال الأسابيع التالية، بالإضافة إلى وقف العمليات العسكرية التي كانت تؤثر على نحو مليوني فلسطيني.
لكن هذا الخيار كان يحمل مخاطرة كبيرة لنتنياهو، إذ تعتمد حكومته على دعم وزراء اليمين المتطرف الذين يرفضون الانسحاب من غزة ويريدون احتلالها وإعادة بناء المستوطنات.
وكان أي وقف مبكر للحرب قد يؤدي إلى انهيار الائتلاف الحاكم وإجراء انتخابات مبكرة تشير الاستطلاعات إلى خسارة نتنياهو فيها. كما أن وجوده خارج السلطة كان سيضعفه سياسيًا وقضائيًا، خاصة مع محاكمته بتهم فساد منذ 2020.
وفي اجتماع حاسم، تدخل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، أحد أبرز المدافعين عن المستوطنات، معلنًا أن أي اتفاق هدنة سيؤدي إلى سقوط الحكومة. عندها اضطر نتنياهو للاختيار بين إنهاء الحرب وبقائه في السلطة، فاختار الأخير، وأقسم لسموتريتش أنه لا توجد خطة كهذه، وطلب من مستشاريه الأمنيين عدم عرضها.
فيما بعد، اعتُبرت الحرب التي استمرت 12 يومًا مع إيران في يونيو/ حزيران 2024 بمثابة انتصار سياسي لنتنياهو، الذي انخفضت شعبية إلى أدنى مستوى له في مسيرته بعد الفشل الأمني الكبير في أكتوبر/ تشرين الأول 2023. لكن الحرب في غزة، التي دمرت القطاع وأودت بحياة أكثر من 55000 شخص، لا تزال مستمرة، مع معاناة إنسانية هائلة وتشريد ملايين الفلسطينيين.
في البداية، حظيت إسرائيل بتعاطف عالمي بعد هجوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول، لكنه تحوّل إلى عزلة متزايدة مع اتهامات بمحكمة العدل الدولية بارتكاب إبادة جماعية. على الصعيد الداخلي، زادت الحرب من الانقسامات السياسية والاجتماعية، واشتدت الخلافات حول مصير نتنياهو.
وتوصل معدو التقرير إلى ثلاث استنتاجات رئيسية بناءً على مقابلات مع مسؤولين من إسرائيل والولايات المتحدة والعالم العربي، ومراجعة وثائق حكومية وتقييمات استخباراتية:
1 - قبل الحرب، ساعدت سياسات نتنياهو حماس على العمل بحرية نسبية، مما مكنها من التحضير سراً للهجوم.
2 - الإصلاحات القضائية التي قام بها نتنياهو أضعفت الجيش والمجتمع، وزادت الانقسامات الداخلية، وشجعت حماس على الهجوم.
3 - قرارات نتنياهو خلال الحرب تأثرت أكثر بالاعتبارات السياسية والشخصية منها بالأمنية.
على سبيل المثال، تجاهل توصيات الجيش بوقف القتال في أبريل/ نيسان ويوليو/ تموز 2024، وتمسك بخطط عسكرية غير ذات أولوية مثل دخول رفح، بهدف تعطيل الهدنة. وعندما تم التوصل إلى هدنة في يناير/ كانون الثاني 2025، خرقها في مارس للحفاظ على ائتلافه.
كانت النتائج كارثية أدت إلى مقتل مئات الفلسطينيين أسبوعيًا، وتوفي ثمانية رهائن على الأقل بسبب التأخير، وتأجلت صفقة التطبيع مع السعودية، وتعرضت صورة إسرائيل الدولية لضربة كبيرة، وطلب مدعٍ في المحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرة اعتقال بحق نتنياهو.
رغم ذلك، حقق نتنياهو مكاسب سياسية ضخمة، عزز بها سلطته أكثر من أي وقت مضى، ومنع إجراء تحقيق رسمي في إخفاقات أكتوبر/ تشرين الأول، واستهدف النائب العام الذي يقاضيه.
كما أتاح له استمرار الحرب فرصة شن هجوم على إيران، والأهم من ذلك، الحفاظ على بقائه في الحكم.
وقال أحد مستشاريه المقربين منه: "نتنياهو حقق عودة سياسية لم يتوقعها أحد، حتى أقرب حلفائه. قيادته خلال الحرب، وضربته الجريئة لإيران، أعادت تشكيل الخريطة السياسية، وهو الآن في موقع قوي للفوز بالانتخابات القادمة".