ثقافة وفنون

تقرير: نتفليكس.. ثورة رقمية تسهّل الحياة المعاصرة أم مصيدة تعج بالأضرار؟

وكالات

باتت شبكة ”نتفليكس“ منافساً قوياً للفضائيات، والخيار الأول لجيل الشباب لمتابعة ما يثير شغفهم من أفلام ومسلسلات ووثائقيات.

وأثرت عوامل عدة في تصدر منصة الترفيه الأمريكية، التي أسسها ريد هاستنغز ومارك راندولف عام 1997، اهتمامات المتابعين؛ ومنها سهولة الوصول إلى المحتوى، والأجور المنخفضة نسبيا، وقدرة المتابع على اختيار المادة، في حين كان الوصول إلى الاهتمام محكوما بمواعيد ثابتة في الفضائيات.

أمام هذه القفزة التقنية غير المسبوقة، يزداد الشغف لمتابعة ”نتفليكس“، ولكن التساؤلات المطروحة هنا: ”هل نعي مساوئ المتابعة السحابية؟ وهل تخلو من الزلل؟“.

فبينما يعتبر البعض المنصة ثورة رقمية تُسهّل الحياة المعاصرة، يرى فيها آخرون مصيدة تعج بالأضرار النفسية والاجتماعية والاقتصادية وحتى البيئية.

تبعات اجتماعية

قال الاستشاري الاجتماعي السوري المقيم في ألمانيا، مضر العلي، إن ”محتوى نتفليكس يناقش أحيانا مواضيع بالغة الحساسية على المجتمعات، وقد لا تناسب معاييرها الأخلاقية“.

وأضاف العلي لـ“إرم نيوز“: ”أحيانا يتجاوز العرض حدود الطبيعي وصولا إلى الترويج لبعض القيم والإيديولوجيات؛ وهو ما نشهده بشكل جلي في طرح قضية المثلية على سبيل المثال، إذ تروج نتفليكس لها بطرق تخلو من الذكاء أحيانا، وتحشرها بشكل جلف في بعض الأعمال“.

وأشار إلى أن ”مشكلات أخرى تبرز وقد تتسبب بأضرار اجتماعية؛ ومنها التشغيل التلقائي للحلقة المقبلة بعد انتهاء الحلقة الأولى، ما قد يؤدي إلى غرق المتابع في تتالي الحلقات بسبب عنصر التشويق، وقد يؤثر ذلك على ترابط المجتمع وإهمال كثير من الأولويات، في ظل ضياع ساعات ثمينة“.

وأوضح أنه ”في حين يوازن الناضجون بين أوقات العمل والتسلية وتطوير المواهب، مخصصين أوقات محددة وشبه ثابتة لمتابعة محتوى نتفليكس، يهدر كثير من الأطفال واليافعين معظم وقتهم أمام الشاشات الرقمية“.

وتابع أن ”الجيل الناشئ يغفل مواهبه ويبتعد عن تطوير شخصيته وقدراته من خلال المطالعة، وقد يؤثر ضياع الوقت على التحصيل العلمي، والتمكين المهني“.

وهنا، يبرز مرة أخرى الرأي الآخر الذي يُصنِّف التقنية على أنها سلاح ذو حدين، لما قد يقدمه الفن السابع -الذي يمثل ثلث محتوى نتفليكس- من ثقافة غزيرة تساهم في تعزيز الشخصية، فضلا عن كم هائل من المحتوى الهادف المتمثل في أفلام الإنميشن، والوثائقيات المثقلة بالرسائل الإنسانية.

ضرر نفسي

من جهتها، أشارت  الطبيبة النفسية الألمانية المتخصصة بالعلاج السلوكي، جينيفر بريفيه، إلى جملة مضار واضحة على المستوى النفسي على غرار المضار التي تسببها منصات التواصل الاجتماعي.

وأضاف بريفيه: ”إذ تتبع جميع المنصات طريقة عرض المحتوى ذاتها، وتظهر لك الاقتراحات وفقا لخوارزمية ذكاء اصطناعي تراعي توجهاتك واهتماماتك، ونتيجة لذلك يضيق إطار الخيارات لديك وتبقى حبيسا لدائرة قناعاتك وأفكارك“.

وتابعت: ”نتفليكس تتبع أسلوب التشويق لمتابعة الحلقة المقبلة، ما قد يتسبب في فقدانك السيطرة على ساعات يومك“.

وزادت: ”لن نبالغ ونصف ذلك بأنه (اضطراب نتفليكس) ولكن علميا بدأنا نشهد ما يسمى (اضطراب الإنترنت) وهو الإدمان على الشبكة العنكبوتية، ومن ضمنها نتفلكس“.

أرباح هائلة

وفي الوقت الذي يقلل فيه متابعون من قيمة رسم الاشتراك الشهري في نتفليكس، الذي لا يتجاوز بضع دولارات، تبرز دراسات تسلط الضوء على كم الأرباح الهائلة التي تحققها المنصة.

ومنذ العام 2019، تجاوز عدد مشتركي ”نتفليكس“ 125 مليونا، أهدوا للمنصة زيادة في نسبة الأرباح وصلت إلى 60 % بالمقارنة مع الربع الأول من العام 2018؛ وفقا لشبكة ”سي أن أن“ الإخبارية.

وأمام هذا الجدل، يرى خبراء أن ”نتفليكس“ ومثيلاتها من المنصات الرقمية كان لها دور في إزالة الحدود الثقافية، وإطلاع الأفراد على مختلف حضارات العالم، فضلا عن تعزيز مفهوم حقوق الملكية والنشر.

منافسة شرسة

وفي ظل ما تقدمه من ميزات، يبدو أن الشبكة بدأت تتحول تدريجيا إلى خيار بديل عن الفضائيات، وحتى الإخبارية منها، وهو ما نشهده في مجال الصحافة الاستقصائية، إذ تعمد المنصة إلى شراء حقوق نشر مواد صحفية استقصائية دسمة عن مختلف القضايا الإشكالية حول العالم.

وتوفر المنصة هذا المحتوى الحساس بسرعة فائقة، وتضعه في متناول جيل شره للمعلومة، في مختلف دول العالم، وبلغات عدة.

محتوى سياسي موجه

وتتلقى منصة ”نتفليكس“ انتقادات مباشرة بأنها تقدم عن قصد محتوًى سياسيا موجها، لتمرير خطابات إيديولوجية معينة من وجهة نظر غير محايدة.

وفي هذا الإطار، يرى مضر العلي أن ”نتفليكس تحاول معالجة بعض القضايا السياسية على غرار (الإسلاموفوبيا) -على سبيل المثال- بأسلوب سطحي بعيد عن التحليل العلمي القائم على دراسة البيانات النفسية والاجتماعية والأطر التاريخية والجغرافية للظاهرة، وتتبع مسبباتها ونتائجها“.

نبذ العنصرية

في المقابل، بدأنا نشهد في المحتوى الذي تقدمه نتفليكس توجها جديدا ينبذ العنصرية، فبات حضور الملونين وأصحاب الأصول الإفريقية واضحا في مسلسلاتها وأفلامها، حتى ضمن العائلة الواحدة، فكثيرا ما نتابع عملا عن أسرة مكونة من أب أسمر وأم بيضاء، أو العكس.

فضلا عن حضور أقليات من ذوي الاحتياجات الخاصة وأصحاب الأمراض المزمنة والمشكلات النفسية.

وترى جينيفر بريفيه أن ”التوجه الجديد يمثل شيئا جميلا، إذ يسلط المحتوى الضوء على قضايا الأقليات، الذين أصبح حضورهم قويا في المنصة أكثر من مثيلاتها من المنصات والشركات“.

وقالت: ”في الأحوال العادية اعتدنا على رؤية المثالية ومقاييس الجمال القريبة من الكمال، في حين تقدم الأعمال التي تنتجها نتفليكس أبطالا أقرب للواقع“.

أضرار بيئية

ومقابل تلك الميزات، لا يعطي معظمنا بالا لما تسببه متابعتنا للأفلام والمسلسلات على منصة نتفليكس من أضرار جسيمة على البيئة، إذ تتجاوز انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن التقنيات الرقمية، مثيلاتها الناتجة عن حركة الطيران بنسبة 2.5%؛ وفقا لـ“رويترز“.

وتفيد تقارير تقنية أن إقبالنا المتزايد على الإنترنت ومتابعة مقاطع الفيديو على الشبكة السحابية تتسبب بأضرار شديدة على المناخ وتنعكس على الاحترار العالمي، وبعبارة مبسطة فإن تشغيل أدوات التقنية الحديثة ما زال يعتمد بالدرجة الأولى على مشتقات الوقود الأحفوري.

وبالعودة للحديث عن منصة ”نتفليكس“ التي تتزايد شعبيتها يوما بعد آخر، فالدراسات تؤكد على أن مقاطع الفيديو تحتاج نقل كميات كبيرة جدا من البيانات، ما يؤدي إلى إنتاج كميات هائلة من الغازات الدفيئة في عام واحد، قد تعادل إنتاج دولة صناعية؛ وفقا لـ سي أن أن.

معضلة الرقابة

ومن أبرز مساوئ المنصة غياب الرقابة على المحتوى، الذي قد يكون عنيفا أو فاضحا وغير مناسب للأطفال واليافعين.

ويرفض تربويون هذا التوجه الليبراني غير المضبوط، لما قد يسببه المحتوى العنيف وغير الملتزم بمضار نفسية وعقلية وجسدية على الصغار، فضلا عن الانعكاسات الاجتماعية؛ ومن أبرزها التأثير على انخراط الطفل بمحيطه.

من جهة أخرى، يرى مثقفون أن ما سبق بات أمرا عاديا في عصرنا الراهن، وليس حكرا على نتفليكس وحدها، فما ينطبق على المنصة ينطبق على جميع مكتسبات التقنيات الحديثة، والمرتبطة منها بالشبكة العنكبوتية بشكل خاص.

ومن هنا تنبع أهمية زرع قيمة الرقابة الذاتية في اليافعين، من خلال أساليب التربية الحديثة، والانفتاح المنضبط في ظل تلاشي الحدود الثقافية والضخ الهائل للمعلومة.

هل بات لقب البريميرليغ في متناول ليفربول


المغربية فوزية أفضل فنانة دولية لعام 2024


صيني اشترى موزة بستة ملايين دولار نفّذ وعده بأكلها


طريق طويل ومكلف للتعافي أمام حزب الله