اخبار الإقليم والعالم
بقانون «المساواة والأمن».. فرنسا تستعد لتطويق الإخوان
فرنسا تستعد لمحاربة تغلغل الإخوان في أراضيها عبر مشروع قانون يعبد الأرضية الإجرائية لتطويق جماعة باتت تهدد تماسكها وأمنها.
ويرى خبراء دستوريون فرنسيون أن مشروع قانون مكافحة "التغلغل الإخواني" الذي أطلقه الرئيس إيمانويل ماكرون يعدّ خطوة ضرورية للدفاع عن قيم الجمهورية وجمع شمل المواطنين، لكن نجاحه رهين الإرادة السياسية الفرنسية لدحر خطر الجماعة.
خبراء لـ«العين الاخبارية»: فرنسا تواجه توغل الإخوان بخطة أمنية صارمة
وفي أعقاب تقرير حكومي صدر نهاية مايو/أيار الماضي ألقت فيه لجنة برلمانية الضوء على وجود مظاهر "انفصالية وتغلغل" تنسبها إلى تيارات الإسلام السياسي، دعا ماكرون مؤخرا إلى اجتماع جديد لمجلس الدفاع والأمن القومي.
وخلال الاجتماع، أعلن نيته تقديم مشروع قانون يُوسع صلاحيات مواجهة هذه الظواهر، بتنفيذ إجراءات صارمة تشمل مراقبة وتجميد الأصول وفرض عقوبات إدارية سريعة على الجمعيات التي توصف بأنها "ذوات توجهات مجتمعية أو إخوانية"، مستهدفًا بشكل خاص "الإسلام السياسي بما في ذلك الإخوان.
وأشار ماكرون خلال مؤتمر صحفي بعد الاجتماع، إلى أنّ المشروع سيعرض على البرلمان قبل نهاية الصيف، وسيصبح نافذًا قبل نهاية العام.
وقال: "قررنا إنشاء إجراء جديد لتجميد الأموال والدعم المالي، وتوسيع صلاحية الحل الإداري لتشمل الأفراد والهيئات التي تجمع التبرعات على حد سواء"، مؤكدا أن مشروع القانون سيُعرض على البرلمان "قبل نهاية الصيف"، على أن يصبح نافذًا "قبل نهاية العام".
ورغم أن جلسة المجلس السابقة (عقدت في 20 مايو/أيار الماضي) شهدت انتقادات لأعضاء الحكومة بعد تسريب التقرير إلى الصحافة، إلا أن ماكرون عاد ليؤكد مساء الإثنين الماضي أن وزراء الداخلية برونو ريتايو والتعليم إليزابيث بورن والرياضة ماري بارساك عرضوا "مقترحات جديدة" لمكافحة هذه الظواهر.
مقاربة فعالة
إلا أن تحويل هذا التوجّه السياسي إلى نصٍّ قانوني متوازن يتطلّب مراعاة عددٍ من الاعتبارات الدستورية والقانونية لضمان الفاعلية والحماية من الطعن أمام القضاء أو المجلس الدستوري، وفق خبراء.
ويقول الدكتور دومينيك روسو، أستاذ القانون الدستوري في جامعة باريس 1 (بانتيون سوربون)، لـ"العين الإخبارية"، إن "توسيع آليات التجميد والحل الإداري بهذا الشكل يضعف مبدأ المساواة أمام القانون".
واعتبر أن ما تقدم "يفتح الباب أمام استهداف جمعيات أو مؤسسات دينية أو ثقافية بقرارات تنفيذية دون محاكمة عادلة”.
وأشار روسو إلى أن "أول تحد يواجه المشرع هو صياغة تعريفٍ دقيق لما يُقصد بالتغلغل الإخواني أو الانفصال الإسلامي حتى لا يتسع النصّ ليطال ممارسات دينية أو ثقافية بحتة مشروعة".
وتابع: "ولذلك يُفضل: تحديد الأهداف: على سبيل المثال، منع أي جمعية من تلقي تمويل خارجي يهدف صراحةً إلى نشر خطاب يناصر العمل السياسي بالإسلاموية أو الدعوة إلى إقامة حكم إسلامي على حساب الجمهورية العلمانية".
وأوضح أنه من بين التحديات الربط بالأفعال، لافتا إلى أن مراقبة وتعطيل أي نشاط يثبت تورّطَه في تحريض على الكراهية، أو دعوات للتشكيك بشرعية المؤسسات الجمهورية، وليس مجرد انتماء فكريّ لمجموعة أو توجّه إسلامي عام.
أدوات الرقابة وتجميد الأصول
وبحسب روسو، فإن "القانون المقترح يرمي إلى توسيع سلطة وزير الداخلية في تجميد الأصول المالية: حيث يوجد به نصّ واضح على إمكانية طلب قاضٍ لتجميد حسابات الجمعيات أو المتبرعين الذين يثبت ارتباطهم بجهات تنحية أو إرهابية".
من جانبها، قالت الدكتورة ماريان شوفاليه، أستاذة القانون الدستوري بجامعة باريس 2 – بانتيون، لـ"العين الإخبارية"، إن "هذا المشروع يعد رد فعل مستحقًا على ما رصدته الأجهزة بخصوص خطر تمويل الخطاب الانفصالي".
وأوضحت أن "إقرار صلاحيات استثنائية للحل الإداري وتجميد الأصول دون حكم قضائي نهائي يفتح مجالاً واسعًا للتجاوزات ويشكل اضطرابًا لقاعدة فصل السلطات".
وتابعت أن "مبدأ المساواة أمام القانون وضمانات الطعن يقتضيان أن تكون لكل جمعية الحق في الدفاع عن نفسها في مواجهة قرار إداري سريع التأثير، مع توفير إشراف قضائي فوري يخوّل المحاكم تقييم مدى انطباق الأدلة على المعايير القانونية لتعريف ‘التغلغل الإخواني".
ووفق الخبيرة ذاتها، فإن إنشاء لجنة إشراف مستقلة يمثل خطوة إيجابية لتعزيز الشفافية، شريطة أن تُمنح هذه اللجنة صلاحيات حقيقية في مراجعة القرارات الإدارية وتقديم توصيات ملزمة للوزير.
وأوضحت أنه بناء على ذلك، "ينبغي تحديد معايير تقييمية صارمة لقرارات التجميد والحلّ، والربط الصارم بين الأفعال الممنوعة والمنع المستهدف، حتى لا يتحول القانون إلى أداة إسكات جمعيات مدنية سلمية تحت مطية مكافحة الإرهاب".
ضمانات دستورية وإجرائية
وشددت شوفاليه على أن "أي توسع في إجراءات التجميد والحل الإداري يجب أن تصاحبَه ضمانات قضائية واضحة لحماية حقّ الجمعيات المطيعة للقانون في الاستئناف والمساواة أمام القانون".
ورأت الخبيرة الدستورية الفرنسية أن قواعد اللائحة الأوروبية وحماية الحقوق الأساسية تفرض متطلبات الإثبات، أي ألا يقلّ مستوى الدليل عن "الأدلة القطعية" أو "الظن المعقول" الذي يبرر التجميد الفوري للأصول، مصحوبًا بإعلام الهيئة المشرفة وبتبليغٍ للمعنيين فورًا.
ولفتت إلى أنه نظرًا لطبيعة الظاهرة، يجب: إحكام التنسيق بين وزارة الداخلية (التي تصدر قرارات التجميد والحل) والمخابرات الداخلية والمخابرات الخارجية، لضمان استمرارية تتبع تمويل الجمعيات وصدّ أي تمويل سرّي.
كما أكدت ضرورة إشراك النيابة العامة في كل إجراء، لتسخير قدرات التحقيق وتقديم أدلة أمام المحاكم في المنازعات القضائية الناشئة عن القرار الإداري.
وقالت إنه "لضمان المبدأ التوقيفي وليس الجزائي وحده، يمكن أن تكون العقوبة الأولى: توجيه إنذار رسمي ومراجعة الالتزامات الداخلية للجمعية (تقديم ميزانيات مفصّلة، منع وصول أشخاص أو جهات مشتبه فيها)".
أما العقوبة الثانية فتشمل، حسب الخبيرة الفرنسية، التجميد المؤقت للأصول أو تعليق منح تراخيص النشاط (لمدة محدودة، لا تتجاوز ثلاثة أشهر)، فيما العقوبة الثالثة تكمن في الحلّ النهائي، بعد استنفاد آليات الاستئناف، مصحوبًا بمنع إعادة التأسيس تحت اسم مختلف.