تقارير وحوارات

انشغال إيران بالحرب مع إسرائيل لا يضعف الحوثيين

وكالة أنباء حضرموت

على عكس ما كان متوقعا، لم يؤدِ الانشغال الإيراني بالحرب مع إسرائيل خلال يونيو الماضي إلى إضعاف جماعة الحوثي في اليمن، رغم اعتمادها الطويل على طهران عسكريا وماليا.

وأثبتت الجماعة التي سيطرت خلال السنوات الماضية على الشمال اليمني، قدرتها على الصمود بل والتوسّع في ظل بيئة إقليمية معقدة ودعم خارجي متذبذب.

وكانت الحرب الإسرائيلية – الإيرانية التي استمرت اثني عشر يوما وخلّفت أضرارا بالغة في البنية الدفاعية الإيرانية، مرشحة لترك فراغ في قدرات الحلفاء الإقليميين لطهران، وعلى رأسهم الحوثيون، غير أن الوقائع الميدانية تشير إلى العكس.

وتقول الباحثة إليونورا أرديماجني في تقرير على موقع معهد الشرق الأوسط إن الحوثيين قد راكموا من الموارد والتجارب ما يجعلهم أقل اعتمادا على الحليف الأكبر، وأكثر قدرة على التكيّف مع متغيرات الإقليم.

ومنذ أن بدأ وقف إطلاق النار المؤقت بينهم وبين الولايات المتحدة في السادس من مايو 2025، تمكّن الحوثيون من استغلال الهدنة لإعادة ترتيب صفوفهم، واستعادة بعض ما فقدوه من قدرات خلال الضربات الأميركية السابقة ضمن ما سُمي بـ”عملية راوف رايدر”.

الجماعة استفادت من التهريب الذي تتقنه شبكات حليفة في الصومال وجيبوتي ما يجعل خفوت الدعم الإيراني عاملا مقلصا للزخم وليس قاطعا له

وفي الواقع، كانت الهدنة فرصة إستراتيجية ثمينة بالنسبة للجماعة، ساهمت في ترميم بنيتها التحتية العسكرية والمدنية، بما في ذلك إعادة تشغيل الموانئ التي تضررت خلال الحملة الجوية الأميركية، وتهيئة المطارات والمرافق الحيوية لعودة الحركة التجارية والإمدادات.

ولم تقتصر المكاسب على الجوانب اللوجستية فحسب، بل امتدت أيضا إلى الجبهة المعنوية. فقد استثمر الحوثيون بشكل ذكي في أحداث غزة (أكتوبر 2023)، وما أعقبها من خطاب “المقاومة ضد الاستعمار والصهيونية” لتعزيز التعبئة الداخلية وتوسيع قاعدة المجندين في صفوفهم.

وتشير التقديرات إلى أن عدد المقاتلين الحوثيين ارتفع من نحو 220.000 عام 2022 إلى أكثر من 350.000 في منتصف 2024، وهو رقم يعكس ليس فقط تعبئة داخلية فعالة، بل أيضا قدرة على تحويل الأزمات إلى فرص تجنيد وتعبئة شعبية.

ومع اشتعال الحرب الإيرانية – الإسرائيلية، لم يكن هناك شك في أن الإمدادات العسكرية التي تقدمها طهران للحركة ستتأثر سلبا. فالهجمات الإسرائيلية استهدفت مراكز تصنيع وتخزين ونقل الصواريخ، وأجبرت إيران على تقليص وجود مستشاريها العسكريين في دول مثل سوريا واليمن. لكن على الأرض، لم تظهر مؤشرات واضحة على تراجع أداء الحوثيين. فبنية الجماعة اليوم لم تعد قائمة فقط على الدعم الخارجي، بل على تراكم قدرات محلية تشمل تصنيع طائرات مسيرة، وصيانة منظومات الصواريخ، وتأمين مسارات تهريب متنوعة عبر القرن الأفريقي والبحر الأحمر.

ويشير الباحث في الشأن الأمني إبراهيم جلال إلى أن جماعة الحوثي “تمكنت من بناء منظومة تسليحية هجينة قائمة على التحايل الفني والتصنيع المحلي، لا تجعلها رهينة كلية لطهران”.

ويرى جلال أن الجماعة استفادت خلال السنوات الأخيرة من فجوات الرقابة في البحر الأحمر، ومهارات التهريب التي تتقنها شبكات قبلية وحليفة في الصومال وجيبوتي، بما في ذلك جماعة الشباب، ما يجعل خفوت الدعم الإيراني عاملا مقلصا للزخم ولكنه ليس قاطعا له.

في ظل انقسام وتآكل الجبهة اليمنية المعارضة، ستظل الجماعة قوة أمر واقع، قادرة على الصمود، والمناورة، بل وربما التوسع

ويذهب البعض، مثل الخبير الإيراني في الحركات المسلحة أفشون أوستوفار، إلى أن إيران لم تنسحب من دعم الحوثيين بل أعادت توزيع التكاليف السياسية والعسكرية بما يسمح لها بالاستمرار في المشروع دون الانجرار لمواجهة مفتوحة مع الغرب. فالدعم اللوجستي ربما انخفض، لكن الدعم السياسي والتقني مستمر بطرق غير مباشرة، وبما يضمن للإيرانيين عدم فقدان موطئ القدم الإستراتيجي في شمال غرب اليمن.

وهذا الاستقرار النسبي في صفوف الحوثيين قابله تدهور ملموس في أداء معسكر خصومهم. فالحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، والمجلس الرئاسي، يعانيان من ضغوط متراكمة، أبرزها شح الموارد.

وتسبب الحصار الحوثي المفروض على تصدير النفط من الموانئ الجنوبية بخسارة عائدات تفوق 7.5 مليار دولار منذ عام 2022، وهو ما يمثل أكثر من 80 في المئة من إيرادات الحكومة.

وأدت هذه الأزمة إلى عجز عن دفع الرواتب، وتدهور الخدمات العامة، وتصاعد مظاهرات واحتجاجات في مناطق مثل عدن وتعز والمكلا.

وتكمن المفارقة في أن التهدئة الأميركية مع الحوثيين – رغم أنها خدمت الجماعة ميدانيا – لم تستغل من قبل خصومهم الذين بدا أنهم غارقون في صراعاتهم الداخلية أكثر من استعدادهم لاستغلال أي نقطة ضعف في صفوف الحوثيين.

ويلاحظ الخبير العسكري في شؤون الخليج نيكولاس هيراس أن “الحوثيين لا يعتمدون على قوة نارية فحسب، بل أيضا على ضعف خصومهم وتشتتهم”، مضيفا أن “انعدام جبهة موحدة جنوبية، وانكفاء الشركاء الخارجيين مثل واشنطن، سمح للجماعة بإعادة بناء موقعها دون أن تدفع ثمنا فوريا للتهدئة”.

ولا يبدو أن هناك في الأفق تحالفا موحدا قادرا على استثمار أي تراجع مؤقت في الدعم الإيراني.

وفي غياب دعم جوي أميركي، تبدو فرص شن هجوم بري ناجح على الحوثيين ضئيلة. فحتى وإن انخفضت وتيرة التهريب الإيراني، فإن الحوثيين استطاعوا تأمين شبكات بديلة، وتعزيز تحالفات مع فصائل عراقية ولبنانية، بل يسعون في بعض الأحيان إلى فتح قنوات غير مباشرة مع الصين وروسيا لتأمين الدعم عبر وسطاء أفارقة وآسيويين.

وعليه، فإن خفوت الدعم الإيراني، بقدر ما هو عامل ضغط، لا يشكل تهديدا وجوديا للجماعة. بل قد يصبح عنصرا محفّزا على المزيد من الاعتماد على الذات، وتوسيع مظلة الدعم غير الرسمي. كما أنه، في سياق الانقسام العميق الذي يضرب معسكر خصوم الحوثيين، لا يُحدث فارقا فعليا في موازين القوى. فالتفكك الداخلي والضعف المؤسسي في عدن، والتنافس على النفوذ، يُضعف فرص خلق إستراتيجية مضادة ناجعة.

وتُظهر التجربة أن الجماعات المسلحة، عندما تصل إلى درجة معينة من النضج والتموضع في السياق المحلي والإقليمي، لا يمكن إضعافها فقط من خلال تقليص دعم خارجي. فالحوثيون اليوم، أكثر من أي وقت مضى، جماعة محلية ذات أجندة إقليمية، لا ترتبط عضويا بإيران، لكنها تستفيد من علاقات إستراتيجية معها. هم لاعب مستقل داخل “محور المقاومة”، ولهذا فإن فقدان أحد أذرع الدعم، ولو بشكل مؤقت، لن يكون كافيا لإحداث خلخلة حقيقية في بنيتهم.

والنتيجة العامة التي تُستخلص من تطورات الأشهر الأخيرة أن التحولات الإقليمية، بما فيها الحرب الإسرائيلية – الإيرانية، لم تنعكس ضعفا على الحوثيين، بل على العكس، فقد عززت موقعهم ضمن منظومة الفواعل الإقليمية. وفي ظل انقسام وتآكل الجبهة اليمنية المعارضة، ستظل الجماعة قوة أمر واقع، قادرة على الصمود، والمناورة، بل وربما التوسع، حتى وإن أصبح الدعم الإيراني محدودا أو انتقائيا.

إسرائيل تفكك خلية موالية لإيران بجنوب سوريا


ضربات سياسية تصيب الحكومة المصرية بسبب القوانين ولا تسقطها


الكويت تشدد تشريعات مكافحة غسيل الأموال للسيطرة على فوضى العمل الخيري


الدبيبة يدق طبول الحرب ويسعى لإقناع الأتراك بدعم هجومه على معيتيقة