منوعات

إلغاء خفض أسعار الكهرباء للمصانع يُنذر بموجة تضخم في مصر

وكالة أنباء حضرموت

تزداد مخاوف المصريين من ارتفاع التضخم، مع خطوة مجلس الوزراء المفاجئة بإلغاء قرار خفض أسعار الكهرباء للمصانع، وسيتم تطبيقه في بداية يوليو المقبل، ما يعيد ترتيب أولويات السياسة الاقتصادية في مصر ويزيد معاناة فئات ضعيفة.

وأنهى القرار خمس سنوات من الدعم الجزئي الموجه للقطاع الصناعي، بهدف تحفيز الإنتاج ودعم التنافسية، وكنتيجة لأزمة الغاز التي تطل برأسها من حين إلى آخر بسبب التوترات الإقليمية والحروب الدائرة في المنطقة.

وتبرر الحكومة هذا التحول بضرورة ضبط المالية العامة وترشيد الإنفاق، فالقرار يتزامن مع الإعلان عن خطة لترشيد استهلاك الكهرباء في مؤسسات الدولة، بما فيها الحي الحكومي بالعاصمة الإدارية الجديدة في شرق القاهرة.

ويشير ذلك الوضع إلى عمق الضغوط الداخلية التي تتعلق بميزان الطاقة، وأيضا الالتزامات المالية المتزايدة على خزينة الدولة.

وشمل التخفيض السابق الذي صدر في أبريل 2020 خصمًا قدره 10 قروش (الجنيه المصري = 100 قرش) لكل كيلوواط/ساعة من كلفة الكهرباء للمصانع، تتحمله الموازنة العامة دعمًا للقطاع الصناعي.

ومع تصاعد أعباء الدعم، وتقلبات أسعار الطاقة العالمية، بدا واضحًا أن الحكومة تعيد النظر في بنية الدعم، مع التركيز على استدامة مالية الدولة، ما دفعها إلى إلغاء التخفيض، رغم ما قد يترتب عليه من آثار سلبية على القطاع الصناعي.

ويعني القرار الجديد أن فاتورة الكهرباء ترتفع مباشرة على آلاف المصانع في مختلف القطاعات، بدءًا من الصناعات الثقيلة مثل الحديد والإسمنت، وصولًا إلى الأغذية والملابس والكيماويات، وتترجم الزيادة في مدخلات الإنتاج إلى رفع أسعار المنتجات.

ويرى خبراء أن المصانع التي كانت تعول على تثبيت أو تخفيض الكلفة لمواجهة تحديات التضخم والركود، ستجد نفسها مضطرة إلى إعادة هيكلة تسعير منتجاتها، برفع الأسعار على المستهلك النهائي، أو تقليص الإنتاج، أو تعليق خطوط الإنتاج ذات الهامش المنخفض.

وأكدوا أن السؤال الأهم الذي يُطرح الآن، هل يقود هذا القرار إلى موجة تضخم جديدة؟ المعطيات تشير إلى أن الجواب غالبًا سيكون نعم، فرفع كلفة الكهرباء على المصانع يعني تحفيزًا غير مباشر لزيادة أسعار السلع المصنعة، سواء تلك الموجهة للسوق المحلية أو للتصدير.

ويُضاف إلى ذلك أن التضخم لا يزال عند مستويات مرتفعة مقارنة بالمستهدف الرسمي للبنك المركزي، وساهمت مؤخرا عوامل مثل تعويم الجنيه وارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة في إبقاء معدلاته في نطاق خانق للمستهلكين، ومع القرار تزداد المخاوف من عودة ارتفاعه.

وأظهرت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن معدل التضخم السنوي في المدن قفز إلى 16.8 في المئة خلال مايو، ارتفاعاً من 13.9 في المئة في أبريل الماضي، وهذه القفزة فاقت توقعات المحللين.

ويأتي قرار خفض أسعار الكهرباء مع محاولة البنك المركزي الحفاظ على استقرار السياسة النقدية، وسط تحديات تتعلق بالسيولة وسعر الصرف وسحب الاستثمارات الأجنبية من أدوات الدين الحكومية.

وحال أدى القرار بالفعل إلى ارتفاع معدلات التضخم، فإن المركزي سيجد نفسه مضطرًا إلى رفع الفائدة مجددًا، في محاولة للسيطرة على الأسعار، إلا أن هذا المسار له عواقب، إذ يعني ارتفاع كلفة الاقتراض على القطاع الخاص، وبالتالي المزيد من الانكماش في الاستثمار.

كما أن الفجوة بين معدل الفائدة الحقيقي (بعد خصم التضخم) وسعر الفائدة الاسمي قد تتسع، ما يؤثر على جاذبية أدوات الدين السيادية.

وقال عضو جمعية مستثمري الإسكندرية عبدالمجيد حسن إن “القطاع الصناعي لم يتعافَ بعد من آثار سنوات من الأزمات المتراكمة، أزمة جائحة كورونا، ثم أزمة الحرب الروسية – الأوكرانية، ثم أزمة نقص الدولار، وجاء إلغاء تخفيض الكهرباء ليزيد الأزمة.”

وأوضح لـ”العرب” أن بعض الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة، مثل الألومنيوم والحديد والإسمنت والسيراميك، تعتمد على الطاقة كمكون أساسي في تسعير المنتج، وأي زيادة في الكهرباء تعني فقدانًا لمزايا تنافسية على المستوى المحلي والدولي.

وأشار إلى أنه في الوقت الذي تطالب فيه الدولة برفع مساهمة الصناعة في الناتج المحلي الإجمالي، فإن رفع التكاليف الأساسية يُضعف هذا التوجه، ويقلل من فرص جذب المستثمرين الجدد، لاسيما في ظل المنافسة الإقليمية الشرسة.

ويحذر خبراء من التأثير على الصادرات نتيجة القرار، لأن زيادة الكلفة ستؤثر على أسعار السلع الموجهة للخارج، ما يقلل من قدرتها على المنافسة في الأسواق الخارجية، وقد تلجأ بعض الشركات إلى تقليل الجودة لتخفيض التكاليف، ما يهدد السمعة التجارية للمنتج المصري.

ويعد قطاع التصدير إحدى ركائز زيادة العملات الأجنبية، وأي تراجع في جاذبيته أو حصته في الأسواق يؤثر على ميزان المدفوعات ويزيد الضغط على الجنيه.

كما أن الأسواق التجارية ستكون أول من يشعر بآثار هذا القرار، فالمصانع ستنقل جزءًا من أعباء الزيادة إلى التجار، وهؤلاء بدورهم سيرفعون الأسعار على المستهلكين.

وقد تضطر قطاعات مثل المطاحن والمخابز والصناعات الغذائية إلى تقليص الإنتاج أو رفع الأسعار ما يُحدث قلقا اجتماعيا وضغطا على الأسر متوسطة ومحدودة الدخل.

ولفت الخبير الاقتصادي المصري خالد الشافعي إلى أن الحكومة تراهن على تقليص الدعم باعتباره ضرورة لتقليص عجز الموازنة، لكن ينبغي وجود خطط موازية لدعم الصناعة بطرق أخرى مثل الإعفاءات الضريبية أو دعم التصدير أو التسهيلات التمويلية.

وقال لـ”العرب” إن “المعلن من جانب الحكومة حتى الآن هو وجود تسهيلات ضريبية، لكن لم تصدر الحكومة حزما أخرى، ما يطرح علامات استفهام حول مدى التكامل بين السياسات المالية والاقتصادية، وغياب الرؤية الشاملة لمساعدة القطاع في مواجهة هذه الصدمة.”

وشدد على أن التحدي الأكبر أمام الحكومة هو التوازن، فالقرار قد يكون مفهومًا من زاوية إدارة الموارد المالية، لكن من دون تدابير حماية للقطاع الصناعي يحمل آثارا اقتصادية واجتماعية قاسية.

وأضاف أن الضرورة تقتضي “إيجاد توازن بين استدامة الموازنة وبين تعزيز الإنتاج، وحماية القوة الشرائية للمواطنين.”

ويطالب محللون بإطلاق حزمة تحفيزية للصناعات المتضررة، وفتح حوار جاد بين الدولة والمصنّعين للبحث عن حلول وسطى، مثل تسعير تفضيلي للصناعات التصديرية أو منح تخفيضات في حال تحقيق نسب تشغيل معينة.

ولتفادي موجة تضخم جديدة، وتأمين استمرار الإنتاج المحلي، هناك ضرورة لاتخاذ مجموعة من الإجراءات منها، بجانب الإعفاءات الضريبية، تحسين كفاءة استخدام الطاقة في المصانع عبر دعم تقنيات الطاقة المتجددة أو كفاءة التشغيل.

وكذلك تحفيز الصادرات بتعويض جزئي عن زيادة الكهرباء لتفادي تراجع الحصص التصديرية، ومراقبة السوق المحلية لمنع المبالغة في رفع الأسعار وظهور ممارسات احتكارية.

"لا أرض أخرى".. علامة على حياة مجتمع لم يستسلم أبدا


العراق أكثر استقرارا مما كان عليه منذ عقود، لكنه لا يزال يواجه تحديات هائلة


الخلافات على مربعات الغاز تهدد باحتكاكات عسكرية في شرق المتوسط


المغرب يكسر عزلة الساحل الأفريقي بمبادرة الولوج إلى الأطلسي