اخبار الإقليم والعالم
«خبر اختطاف» يشعل التوتر في غرب أفريقيا
قاد بريق الذهب -على ما يبدو- خمسة عناصر من شرطة الحدود في كوت ديفوار إلى اقتراب محفوف بالمخاطر من حدود بوركينا فاسو.
وفي ظروف مختلفة، ما كان لحادث مماثل أن يثير التوتر، لكن عملية تفتيش موقع تنقيب غير قانوني عن الذهب، قام بها الأسبوع الماضي عناصر من الدرك الإيفواري، تسببت في اختطافهم داخل بوركينا فاسو.
ويقول الدكتور أرنود كوامي، أستاذ العلاقات الإقليمية في جامعة أبيدجان، لـ"العين الإخبارية": "إن ما حدث هو أكثر من مجرد سوء تفاهم حدودي، إنه يعكس انعدام الثقة العميق بين البلدين"، موضحًا أن استخدام مليشيات غير نظامية في العمليات الأمنية يُربك المشهد ويؤدي إلى انتهاكات غير محسوبة.
الحدث الذي كشفت عنه منصة "إل إس إي أفريكا" سلّط الضوء مجددًا على هشاشة العلاقة بين دولتين تشتركان في حدود تمتد لأكثر من 600 كيلومتر، ولكن تفرّق بينهما مواقف سياسية متباينة وشكوك أمنية متبادلة.
وأشار كوامي إلى أنه "إذا لم يتم إطلاق سراح الدركيين قريبًا، فقد نرى تصعيدًا دبلوماسيًا أو حتى إعادة انتشار عسكري من جانب كوت ديفوار".
بدوره، قال الباحث السياسي ماحامان سيدي با، المتخصص في قضايا الأمن في غرب أفريقيا، لـ"العين الإخبارية"، إن "هذه الحادثة تُسلّط الضوء على هشاشة الحدود وغياب آليات تنسيق فعّالة بين أجهزة أمن البلدين، كما تُعيد فتح ملف خطير: هل تتحول المليشيات غير النظامية إلى سلطة موازية تتصرف خارج الرقابة؟".
وأشار إلى أنه "إذا لم تُضبط هذه الجماعات، فسنشهد مزيدًا من الحوادث المماثلة على حدود بوركينا مع كل من كوت ديفوار ومالي والنيجر".
هل نحن أمام تصعيد وشيك؟
ورأى سيدي با أن الحادثة تأتي في سياق إقليمي متوتر، إذ تصاعدت في الأشهر الماضية حوادث الاشتباك والتوقيف المتبادل بين قوات الدول الحدودية في الساحل.
وأضاف أنه "إذا لم تُحلّ القضية سريعًا، فهناك سيناريوهات محتملة منها: تصعيد دبلوماسي محتمل عبر استدعاء سفراء أو تقديم شكوى رسمية إقليمية، وتدهور التعاون الحدودي، ما قد يفسح المجال أمام المهربين والجماعات المتطرفة، وانتقال الخلاف إلى الرأي العام المحلي في كوت ديفوار، خاصة إذا تم تصوير الحادثة على أنها 'إهانة للسيادة الوطنية'."
كما اعتبر أن "حادثة اختطاف عناصر الدرك الإيفواري على يد متطوعين بوركينيين ليست حدثًا معزولًا، بل هي نتاج تراكمات سياسية وأمنية بين بلدين يشتركان في حدود طويلة لكن يفترقان في الرؤية الجيوسياسية"، مشيرًا إلى أنه "إذا لم يتم احتواء هذا التوتر سريعًا، فقد تتدهور العلاقات أكثر، بما يُهدد أمن واستقرار المنطقة برمتها".
ما الذي نعرفه حتى الآن عن الحادث؟
وتم اعتراض خمسة عناصر من الدرك الوطني الإيفواري في بلدة كلامون، التابعة لإقليم دوروبو، شمال شرق ساحل العاج. أما عن منفذي العملية، فهم أفراد من "متطوعي الدفاع عن الوطن" (VDP)، وهم مليشيات شبه عسكرية تابعة للجيش البوركيني، تم تشكيلها لمكافحة الجماعات الإرهابية، لكنها باتت تلعب دورًا مقلقًا على الحدود.
وبحسب رواية كوت ديفوار، وقعت الحادثة داخل الأراضي الإيفوارية، أما مصادر حكومية بوركينية فتُلمّح إلى أن عناصر الدرك ربما عبروا إلى الأراضي البوركينية.
والجنود لا يزالون محتجزين في العاصمة واغادوغو، رغم تواصل السلطات الإيفوارية رسميًا مع بوركينا فاسو للمطالبة بإطلاق سراحهم.
ولم تكن هذه الحادثة الأولى؛ ففي سبتمبر/أيلول 2023، اعتُقل عنصران من الدرك الإيفواري في الأراضي البوركينية وظلّا محتجزين لأكثر من عام، قبل أن يتم الإفراج عنهما لاحقًا.
حدود مشتعلة وثقة معدومة
وتشهد العلاقة بين أبيدجان وواغادوغو توترًا متزايدًا منذ صعود إبراهيم تراوري، القائد العسكري الشاب الذي وصل إلى السلطة بانقلاب في 2022، وابتعد عن باريس، على عكس الرئيس الإيفواري الحسن واتارا الذي ما زال يحتفظ بعلاقات وثيقة مع فرنسا.
وانضمت بوركينا فاسو إلى تحالف دول الساحل (AES) مع مالي والنيجر، الذي يرفض النفوذ الفرنسي، فيما تصر كوت ديفوار على دعم الحكومات المدنية وتحافظ على شراكتها الاستراتيجية مع باريس.
أزمة اللاجئين
وتستضيف كوت ديفوار أكثر من 80 ألف لاجئ بوركيني هاربين من العنف الإرهابي أو الانتهاكات التي تمارسها المليشيات المحلية. هذه الاستضافة كانت دومًا نقطة توتر ضمنيًا، إذ ترى واغادوغو في بعضهم "معارضة مقنّعة".