تقارير وحوارات
البديل الديمقراطي لنظام ولاية الفقيه
البديل الديمقراطي لنظام ولاية الفقيه
البديل الديمقراطي لنظام ولاية الفقيه
في 13 حزيران (يونيو) 2025، شهدت منطقة الشرق الأوسط تصعيداً خطيراً جديداً دفع التوترات إلى ذروتها. هذه اللحظة حاسمة، إذ يتجلى الدور المدمر للنظام الإيراني الذي اختار القمع الداخلي وتصدير الإرهاب كأداته الرئيسية للبقاء. دعم الميليشيات في سوريا ولبنان والعراق واليمن ونشاطات "فيالق القدس" تُضعف الاستقرار الإقليمي، بينما برنامج طهران النووي يهدد السلم الدولي.
نشير أوّلاً إلى تظاهرات برلين واستوكهولم التي شهدتها مدينتان أوروبيتان في 21 حزيران (يونيو)، حيث ظهر آلاف الإيرانيين الأحرار وأنصار المقاومة وهم يرفعون أعلام أسد الشمس وصور شهداء الانتفاضات، مرددين شعار "لا للملالي، لا للشاه – نعم للجمهورية والديمقراطية". لقد أكد المجتمع الإيراني خارج البلاد رفضه القاطع للنظام ورغبته في الخيار الثالث—خيار البديل الديمقراطي القائم على إرادة الشعب.
هذا التحرك الجماهيري في الشتات يتكامل مع حركة المقاومة داخل إيران. المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، بقيادة مريم رجوي، يقدم خطة النقاط العشر التي تمثل الأسس الديمقراطية لإيران المستقبل. هذه الخطة تتضمن فصل الدين عن الدولة، إلغاء السلاح النووي، احترام حقوق الإنسان وجميع القوميات، المساواة بين المرأة والرجل، وعدالة قانونية مستقلة، تعايش سلمي مع دول الجوار... وهذا هو جوهر "الحل الثالث" الذي يُصرّ عليه المجلس الوطني للمقاومة.
في العمق الإيراني، نرى انتشار وحدات الانتفاضة ووحدات شبابية مدنية تضطلع بمهمات مقاومة داخل المدن، مثل توزيع منشورات، رسم شعارات على الجدران، وتنظيم تحركات رمزية ضد النظام. بالرغم من القمع، نجحت هذه الوحدات في تحريك الشارع الإيراني وتحفيز القوة الشعبية. شعار "الموت لخامنئي" و"لا للملالي لا للشاه" يترجمان حالة الانفجار الفكري والعاطفي لدى المواطنين. إن الأزمة الاقتصادية الخانقة، مصاحبة لانهيار الخدمات، جعلت الغضب يتصاعد داخل المجتمع، وهو ما يدعم عملية تمدد المقاومة.
من منظور نظام قمعي يرفض الإصلاح بطبيعته، لم تعد العقوبات ولا الضغوط الدولية على البرنامج النووي كافية. فقد أثبتت التجربة أن هذا النظام لا يتراجع بسهولة، بل يزداد تطرفًا. المطلوب اليوم هو الاعتراف الرسمي بحق الشعب الإيراني في نضاله من أجل تغيير هذا النظام وإقامة جمهورية ديمقراطية تمثّل إرادته الحقيقية.
هنا تكمن قوة الحلّ الثالث: إنّه ليس خياراً أيديولوجياً أو عنيفاً، بل مشروعٌ وطنيّ يجسّد إرادة الشعب في نيل الحرية والسيادة. وهو في جوهره ترجمةٌ عمليّة لرفض الحرب كما لرفض المساومة، تلك التي أدّت في النهاية إلى إشعال الحروب وتوسيع رقعة القمع. ويقتضي هذا الحلّ الاعتراف بحقّ الشعب الإيراني، لا سيما الشباب ووحدات الانتفاضة، في الدفاع عن النفس في وجه نظام وحشي، وحقّهم المشروع في خوض معركة الحرّية ضدّ هذا النظام القمعي.
إنّ مساومة النظام تعني ببساطة استمرار عدم الاستقرار وزيادة الكوارث الإقليمية. أما الحرب أو التدخل العسكري المباشر، فقد أثبتت التجارب أنها لا تؤدي إلى إسقاط النظام. في المقابل، يبرز الحل الثالث باعتباره الخيار الواقعي والممكن؛ طريقاً للخروج من أربعة عقود ونصف من الاستبداد، نحو تأسيس دولة مدنية، قائمة على إرادة الشعب الإيراني نفسه.
ما يُضفي المصداقية والفعالية على هذا الحل ليس فقط العلاقة العضوية والتاريخية بين المقاومة والشعب الإيراني، بل أيضاً الدعم الواسع على المستوى الدولي. فقد أعلن أكثر من 4000 نائب وبرلماني في أكثر من 50 بلداً دعمهم الصريح لخطة النقاط العشر التي طرحتها السيدة مريم رجوي كرؤية شاملة لإيران المستقبل. كما أن التظاهرات الحاشدة في برلين واستوكهولم، في 21 حزيران (يونيو) 2025، أظهرت امتداد التأييد الشعبي لهذا الحل، وعمق رغبة الإيرانيين في التغيير، ورفضهم الحازم لكلٍ من الدكتاتورية الدينية وحلم إعادة النظام الملكي البائد.
مكمن قوة هذا الخيار هو في قدرته على تمكين الشعب الإيراني من إدارة عملية التغيير بنفسه، دون وصاية خارجية. فالضربات العسكرية، بالرغم من أنها كشفت هشاشة الدفاعات الإيرانية، كما حصل في فوردو ونطنز وأصفهان، إلا أنها غير كافية لإسقاط النظام. التغيير الحقيقي يتطلب انتفاضة شاملة ومقاومة منظمة يقودها الشعب الإيراني بجميع فئاته وطوائفه، لا سيما الطبقات الفقيرة والمتوسطة، التي كانت دائماً في طليعة المظاهرات والانتفاضات.
وكما قال نائب الرئيس الأميركي السابق مايك بنس: "أكبر كذبة روّج لها هذا النظام هي أنه لا بديل له. لكن الحقيقة أن المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية هو البديل الشرعي، المنظم، والمدعوم من الشعب". هذه الشهادة تعكس جوهر ما ينبغي أن يكون موقف المجتمع الدولي: الاعتراف بالمجلس الوطني للمقاومة كممثل شرعي لتطلعات الشعب الإيراني، ومنحه الغطاء السياسي والدبلوماسي الضروري، وفي الوقت ذاته، تأكيد حق الشعب الإيراني في المقاومة والدفاع عن نفسه ضد نظام دموي ومتوحش.
إنَّ تلاقي المقاومة في الداخل، عبر وحدات المقاومة الشجاعة، مع التضامن الواسع في الخارج من قبل الجاليات الإيرانية والشباب في المهجر، يشكلان معاً القاعدة الحقيقية لإعادة بناء إيران الجديدة. دستور هذه الجمهورية القادمة، كما طرحته رجوي في مشروعها الديمقراطي، لا يُفرض من الخارج، بل ينبثق من إرادة الشعب نفسه ومن نضاله المتواصل من أجل الحرية والعدالة.
بهذا الطريق، يتحقق ما سُلب من الشعب الإيراني على مدى 45 عاماً: وطنٌ حر، غير نووي، قائم على المساواة، ويحترم التعدد، ويحمل رسالة السلام إلى المنطقة والعالم.
أخيراً، من المهم أن يدرك العالم أن التحوّل الديمقراطي في إيران سيكون هدية للشرق الأوسط بأسره. نظام مدني مستقل ومحترم للحقوق والجوار، لا يمكن إلا أن يحسن العلاقات الإقليمية، ويضع حدًا للإرهاب المدعوم من الدولة، ويعيد الأمل لملايين تحت القمع. ولا يمكن تحقيق ذلك إلا عبر دعم الحكومة المستقبلية التي يمثلها الشعب نفسه.
في ظل هذه المعطيات، تظل تظاهرات برلين واستوكهولم رمزًا حيًا لوحدة الشعب الإيراني حول الحل الثالث. فهذه الخطوة تعني اختيار الحرية، والكرامة، والمستقبل المسالم. الطريق بدأ، وعلى العالم أن يدرك أن الخيار الآن هو دعم إرادة الشعب الإيراني لا إرادة النظام، والحل ينطلق من الداخل باتجاه الجمهورية الديمقراطية.