اخبار الإقليم والعالم

إيران تلجأ إلى الباسيج تحسبا لانهيار الجبهة الداخلية

وكالة أنباء حضرموت

في اليوم العاشر من الحرب بين إيران وإسرائيل، والتي بدأت تتوسع بمشاركة عسكرية من الولايات المتحدة، أعلنت الحكومة الإيرانية الأحد عن تعزيز وجود قوات التعبئة الشعبية (الباسيج) التابعة للحرس الثوري داخل المدن، في خطوة تكشف عن مخاوف متزايدة من اضطرابات أو تمرد داخلي قد يتزامن مع الضربات العسكرية الخارجية.

وفي تصريح متلفز قالت المتحدثة باسم الحكومة فاطمة مهاجراني “في ظل الحاجة إلى تعزيز الأمن، خصوصًا في الليل، تمت زيادة عدد الدوريات في المدن،” مشيدة بـ”الباسيج وكل القوات الشعبية”.

واتخذت الحرب المستمرة، التي اندلعت بعد تصعيد حاد بين طهران وتل أبيب، منعطفًا أكثر خطورة مع دخول الولايات المتحدة على الخط عبر دعم عسكري واستخباراتي لإسرائيل، إضافة إلى ضربات محدودة استهدفت مواقع في إيران.

ومع تصاعد الضربات الجوية والضغوط الاقتصادية، بدأت تظهر مؤشرات توتر داخلي متزايد، خاصة في المدن الكبرى مثل طهران وشيراز وأصفهان.

ويرى محللون أن التعزيز الأمني المكثف لا يُفهم فقط في سياق الحرب، بل أيضا كإجراء وقائي ضد تمرد أو احتجاجات قد تندلع في أي لحظة نتيجة الغضب الشعبي من الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، وانهيار الثقة بالنظام في ظل فشل واضح في صد الهجمات الخارجية.

تاريخيّا استُخدمت قوات الباسيج كأداة لقمع التحركات الشعبية، خاصة خلال احتجاجات 2009 و2017 و2022

وتاريخيا استُخدمت قوات الباسيج كأداة لقمع التحركات الشعبية، لاسيما خلال الاحتجاجات. ولعبت أدوارًا قاتمة في تفكيك احتجاجات كبرى، بدءًا من “الحركة الخضراء” عام 2009، مرورًا بانتفاضات التعليم 2011 – 2012، واحتجاجات الوقود 2019 – 2020، وصولًا إلى حراك 2022 الذي اندلع بعد مقتل مهسا أميني في ظل تدخل الباسيج العنيف. وفي غالب الأوقات قاد توظيف هؤلاء العسكريين الشعبيين إلى عمليات ضرب جماعي واعتقالات وتعذيب، ما أدّى إلى تغليظ قبضة النظام وإجهاض موجات الغضب مبكرًا.

ويفسر انتشاره الكثيف الآن من قبل مراقبين كخط دفاع أول ضد عودة مشاهد العصيان المدني، خاصة إذا ترافقت الغارات الخارجية مع دعوات داخلية للعصيان أو انهيار جزئي في الخدمات العامة.

وقال مصدر مطّلع داخل طهران لوكالة الصحافة الفرنسية، طالباً عدم كشف هويته، “هناك تعليمات واضحة تقضي بتشديد المراقبة في الأحياء ذات الكثافة السكانية العالية، لاسيما في المناطق التي شهدت سابقًا تحركات مناهضة للنظام.”

وشلت الضربات الأخيرة التي استهدفت منشآت عسكرية ومراكز الاتصالات بعض الخدمات، ودفعت المواطنين للتساؤل عن قدرة الحكومة على حمايتهم.

ومع استمرار انقطاع الإنترنت بشكل متكرر، وتسجيل طوابير أمام محطات الوقود والمخابز، تتصاعد نبرة الغضب الشعبي، وإن كانت خافتة حتى الآن.

ويشير خبير الأمن بنى سابتي من معهد الدراسات الأمنية في إسرائيل إلى أن الداخل الإيراني يعاني من أزمة ثقة متزايدة بسبب الأزمات الاقتصادية والحرمان من الخدمات.

وقال سابتي “لا خبز، لا كهرباء. الوضع يتدهور بسرعة. الإضرابات تنتشر. بالتالي، فإن تعزيز الباسيج يشكل جزءًا من محاولة النظام لاحتواء أي انفجار داخلي قبل وقوعه.”

ويحذر خبراء من أن استمرار الحرب سيضع النظام أمام مفترق طرق: إما تصعيد القمع الداخلي عبر أدوات مثل الباسيج، أو مواجهة موجة غضب قد تخرج عن السيطرة.

ويعكس تعزيز دوريات الباسيج في الشوارع قلقاً وجودياً لدى النظام الإيراني، ليس فقط من سقوط الصواريخ الإسرائيلية، بل من انهيار محتمل للجبهة الداخلية.

وبينما تُركّز القيادة على إدارة الصراع العسكري، تبدو مهووسة أكثر بالحفاظ على قبضتها على الشارع. وفي كلتا الجبهتين، يبدو أن إيران تستعدّ للأسوأ.

وترى الباحثة سانام فاكيلي من معهد تشاتام هاوس أن النظام الآن محاصر داخليًا ويعتمد على الباسيج كخط دفاع داخل المدن، مدركًا أنه لا يمتلك قيادة شعبية بديلة، بينما يخشى الضغوط الأميركية والإسرائيلية المتتالية.

وتضيف فاكيلي “نشاط المعارضة الداخلية ضعيف، ويرجع ذلك جزئياً إلى الخوف من قمع رجال الأمن، وتحذير النشطاء من أن اغتنام الغارات الخارجية كمبرر للاحتجاج قد يؤدي إلى قمع أمني أشد.”

مع استمرار انقطاع الإنترنت بشكل متكرر، وتسجيل طوابير أمام محطات الوقود والمخابز، تتصاعد نبرة الغضب الشعبي، وإن كانت خافتة حتى الآن

وتشكل قوات الباسيج ذراعًا شعبية للحرس الثوري تأسست عام 1979 لتعزيز القيم الثورية ومكافحة “العدو الداخلي”. ومنذ 2000 يواصل النظام توظيفها داخليًا لقمع الانتفاضات إذا تصاعدت، مستندًا إلى شبكات مجتمعية تمتد إلى المدارس والجامعات والأحياء.

وتغذَّى قوات الباسيج من فئات اجتماعية محددة، غالبًا من الطبقة المتوسطة الدنيا، وذلك من خلال حوافز اقتصادية ودينية واجتماعية، ما يعزز الولاء ويوسّع رقعة التدخل في الحياة اليومية. كما يتضمن عملها دورًا استخباريًا، حيث تتسلل بين المواطنين لجمع معلومات عن أي “نشاط معاد”، وتساعد على قمع المحتجين قبل أن يتبلوروا ككتلة منظمة.

وفي ظل الحرب الحالية وتصاعد الضغوط الاقتصادية وانقطاع الخدمات، يعتمد النظام على الباسيج لقطع الطريق أمام أي تماس بين أزمة خارجية ومطالب داخلية.

وتعكس التقارير الأخيرة حول تدمير مراكز أمن داخلي للباسيج بفعل الضربات الإسرائيلية خطورة المخطط الإسرائيلي بخفض قدرة النظام على قمع الشارع، ما يعزز قلق طهران من انهيار داخلي محتمل.

والباسيج ليست قوة عابرة، بل شبكة أمنية – سياسية – استعمارية ممتدة، تعمل كجهاز قمع سريع وفعّال وذكي. فالتركيبة التنظيمية للباسيج، المدعومة بمنطق “ثلاث مراحل للقمع”، تنطوي على فِرق تعالج التهديدات الهادئة والمتوسطة والعنيفة بطريقة عسكرية استخبارية متدرجة، ما يحوّله إلى درع فاعل ضد أي تحرك احتجاجي محتمل.

ويقول مراقبون إن تعزيزه الآن في المدن يشكل استجابة هيكلية ذات أبعاد إستراتيجية، لضمان عدم وصول أزمة خارجية إلى بوّابات الداخل، وهو ما يعكس عمق القلق وخوف النظام الراهن من انهيار الجبهة الداخلية.

السياحة الأردنية في مهب التوترات الجيوسياسية


العراق يحشد لاحتواء الأزمة في الشرق الأوسط خوفا من امتداد الصراع إلى ساحته


حرب إسرائيل وإيران: تعزز دحر محور المقاومة أم بعثه


الأمم المتحدة في عيدها الثمانين: أزمة وجود في عالم يبتعد عن التعددية