تقارير وحوارات
تغيرات المناخ تعصف بما تبقى من أساسيات الأمن الغذائي في اليمن
تتظافر التغيرات المناخية مع طول حالة عدم الاستقرار لتعميق الأزمة الاقتصادية والإنسانية القائمة في اليمن، خصوصا وأن تلك التغيّرات تضرب النشاط الزراعي الحيوي الذي ظلّ يغالب الحرب ومفاعيلها ليمثّل العصب الحيوي لما بقي من الاقتصاد اليمني شبه المنهار والمصدر الرئيسي للحدّ الأدنى من الأمن الغذائي المتراجع بشدّة، ومصدر الرزق لشرائح واسعة من السكّان الذين يعانون ارتفاعا حادّا في نسبة البطالة في صفوفهم.
وحذّرت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) من موجة حر شديدة وانخفاض في كميات الأمطار في اليمن خلال الشهر الجاري، مشيرة إلى أن هذه الظروف المناخية تؤثر سلبا على الزراعة والثروة الحيوانية في البلاد.
لا يستثني التغير المناخي من تأثيراته السلبية الثروة الحيوانية الثمينة لدى شرائح واسعة من سكّان الأرياف والبوادي
وتحوّلت التغيرات المناخية وما يصاحبها من ظاهرة الاحترار إلى حقيقة واقعة في المنطقة التي يقع اليمن ضمنها والمعروفة أصلا بحرارة طقسها وقلّة تساقطاتها المطرية.
وسجّلت بلدان في منطقة الجزيرة العربية في شهر مايو الماضي درجات حرارة لم تعرفها من قبل خلال الشهر ذاته. لكن قدرة تلك البلدان على مواجهة الظاهرة والتوقي من تبعاتها تختلف جذريا عن قدرة اليمن البلد الفقير الذي يعاني حربا قائمة بين جماعة الحوثي والسلطات المعترف بها دوليا ومتواصلة بشكل متقطّع منذ أكثر من عشر سنوات، وأثرت عميقا في اقتصاده وانعكست على الأوضاع الاجتماعية لسكانه والذين باتوا مهددين في أمنهم الغذائي وفقا لتقارير دولية.
وعلى الرغم من أن اليمن مصنّف ضمن قائمة البلدان الفقيرة مائيا إلاّ أنّ سكانه طوّروا على مدى الأزمة أساليب زراعية ملائمة لطقس وتضاريس بلدهم مكنّتهم من مواجهة افتقار البلد إلى الموارد الأخرى لكنّها أصبحت اليوم مهدّدة بالتغيرات المناخية الحادّة.
وذكرت المنظمة في تقرير لها أن المحافظات الشرقية والمناطق السهلية في اليمن ستشهد ارتفاعا كبيرا في درجات الحرارة يتجاوز المعدلات الموسمية، حيث قد تصل إلى خمس وأربعين درجة مئوية في حضرموت والمهرة، بينما تتراوح بين أربعين واثنتين وأربعين درجة في مأرب والجوف وشبوة، وكذلك على السواحل الجنوبية والغربية.
وأوضحت أن هذه الدرجات تفوق المعدلات المعتادة بمقدار درجتين إلى ثلاث درجات مئوية، ما يعزز فقدان رطوبة التربة، خصوصا في المناطق الزراعية التي تعتمد على الأمطار.
تحذرات من تعرض المحاصيل البعلية سريعة النضج، كالدخن والذرة الرفيعة، للإجهاد المائي في مراحل نموها الأساسية
وأشارت الفاو أيضا إلى أن الهطولات المطرية ستظل ضعيفة في معظم أنحاء البلاد، مع فرص ضئيلة لأمطار خفيفة ومتناثرة على بعض المرتفعات الجنوبية، في حين ستبقى المرتفعات الوسطى والغربية دون المعدل السنوي، ما ينذر بعجز في الرطوبة الضرورية لنمو المحاصيل.
وحذرت المنظمة من تعرض المحاصيل البعلية سريعة النضج، كالدخن والذرة الرفيعة، للإجهاد المائي في مراحل نموها الأساسية، كما نبهت إلى أن المحاصيل المروية قد تتأثر أيضا ما لم تُعتمد إجراءات فعالة لإدارة المياه. وأضاف التقرير أن استمرار الجفاف ودرجات الحرارة المرتفعة قد يؤدي إلى تفشي الآفات الزراعية مثل الجراد والذباب الأبيض، ما يُشكل تهديدا إضافيا للإنتاج الزراعي.
ولا يستثني التغير المناخي من تأثيراته السلبية الثروة الحيوانية الثمينة لدى شرائح واسعة من سكّان الأرياف والبوادي، حيث حذرت المنظمة الأممية من محدودية تجدد المراعي في المناطق الجافة وشبه الجافة ما سيدفع القطعان إلى الهجرة نحو المناطق المرتفعة. وأكدت أن الإجهاد الحراري يشكل تهديدا مباشرا للماشية وقد يؤدي إلى تراجع الإنتاج وارتفاع معدلات الأمراض والنفوق، ما لم تُتخذ تدابير وقائية عاجلة.
ودعت المنظمة إلى تبني إجراءات فورية للتكيف مع هذه الظروف، مثل تأجيل الزراعة في المناطق المتأثرة بنقص الرطوبة، وتوفير الظل ومصادر المياه المؤقتة للماشية، واستخدام تقنيات كالتغطية العضوية أو شبكات التظليل للحد من فقدان رطوبة التربة، مشددة على أهمية تعزيز أنظمة الرصد المجتمعي وتعميم نشرات مناخية منتظمة للمزارعين والرعاة، لمساعدتهم على اتخاذ قرارات زراعية مدروسة.