اخبار الإقليم والعالم
انفتاح تجاري عراقي على سوريا يكسر الجمود السياسي
يعكس إعلان السلطات السورية الخميس عن إعادة فتح معبر البوكمال الحدودي مع العراق للشاحنات والأشخاص بداية من يوم غد السبت تطورا اقتصاديا بمفاعيل سياسية، إذ يكسر القرار التجاري جمودا سياسيا بين دمشق وبغداد ويؤسس، حسب محللين، لتفاهمات أوسع.
وتأتي الخطوة في توقيت إقليمي بالغ الدقة، تتغير فيه موازين التحالفات وخرائط الانفتاح، وتندرج ضمن تحرّك عراقي مدروس يعيد تموضع بغداد إزاء الملف السوري، من بوابة الاقتصاد أولًا.
ورغم أنها تبدو في ظاهرها خطوة إجرائية لإعادة تنشيط حركة العبور والتبادل التجاري، فإن خلفيتها السياسية لا يمكن تجاهلها.
وتبرز أهمية المعبر في كونه منفذا بريا إستراتيجيا يربط العراق بالساحل السوري، ويوفر منفذا للصادرات العراقية باتجاه البحر المتوسط.
ويرى الدكتور فراس شابو، خبير العلوم المالية والمصرفية، أن “إعادة فتح المعابر الحدودية بين العراق وسوريا تُعد خطوة طبيعية بعد استعادة السيطرة على المناطق الحدودية، وستُسهم في تعزيز التبادل التجاري بين البلدين ورفع مستوى الاقتصاد في المناطق الحدودية”، وهو ما يعيد الحياة إلى محافظات مثل الأنبار ودير الزور، التي عانت من تهميش اقتصادي وأمني خلال السنوات الماضية.
خطوة المعبر الحدودي تندرج ضمن تحرك عراقي مدروس يعيد تموضع بغداد إزاء الملف السوري، من بوابة الاقتصاد أولا
ويعكس القرار– بحسب مراقبين – انفتاحا براغماتيا من الجانب العراقي، ينأى بنفسه عن سياسات العزل، ويعطي إشارة إلى أن بغداد مستعدة للعب دور جسر التهدئة والانفتاح، دون أن تكون جزءًا من محاور الصراع.
ويؤكد الدكتور مروان شحادة، أستاذ العلاقات الدولية، أن “فتح المعبر يُظهر رغبة عراقية في إعادة بناء العلاقات مع سوريا، ويُعد مؤشرًا على تحوّل في السياسة الإقليمية تجاه دمشق”، وهو ما ينسجم مع رغبة عراقية أوسع في إعادة تأهيل دورها كفاعل توازني بين الأطراف المتنافسة في المنطقة.
ولا يمكن عزل فتح المعبر عن التنسيق بين بغداد ودمشق في مواجهة التحديات الحدودية، وعلى رأسها عودة خلايا تنظيم داعش، والتهريب غير المشروع.
ويشير الخبير الأمني أحمد العلي إلى أن “التعاون الأمني بين العراق وسوريا سيكون أساسيا في مواجهة التحديات الأمنية المشتركة، خاصة في ظل وجود خلايا نائمة لتنظيم داعش على الحدود.” فنجاح الخطوة اقتصاديًا يمر بالضرورة عبر تثبيت الأمن على طول الخط الحدودي الذي شهد في السابق توترات عابرة للحدود.
وتأتي إعادة فتح معبر البوكمال في سياق دولي وإقليمي متشابك يعكس تحولات كبيرة. أولًا، يُعد المعبر حلقة مهمة ضمن جهود إعادة الإعمار في سوريا بعد سنوات من الحرب، حيث يعد ربط الاقتصاد السوري مع الدول المجاورة خطوة أساسية تسهم في إعادة دمج سوريا في الاقتصاد الإقليمي.
ومن جهة أخرى، يمر العراق بدوره بمرحلة إعادة توجيه سياسته الخارجية بعد سنوات من الانقسامات الداخلية والضغوط الإقليمية، حيث لا يعكس فتح المعبر فقط رغبة بغداد في تحسين العلاقات مع دمشق، بل هو أيضًا إشارة على عزم العراق لعب دور الوسيط الاقتصادي والسياسي بين المحاور المتصارعة في المنطقة، خصوصًا في ظل دوره الحيوي كجسر بين الشرق الأوسط والعالم.
وتأتي هذه الخطوة في وقت تسعى فيه دمشق وبغداد لتوسيع نطاق التبادل التجاري ليشمل قطاعات إستراتيجية مثل الطاقة والزراعة والصناعة، ما يفتح الباب أمام مشاريع مشتركة قد ترفع مستوى التنمية في المناطق الحدودية والمهمشة، التي عانت لسنوات من تداعيات الحرب وانعدام البنية التحتية.
وبالإضافة إلى ذلك، يمثل المعبر جزءًا من شبكة أوسع من المعابر الحدودية التي يطمح الطرفان إلى تفعيلها تدريجيًا، وهو ما يشير إلى رغبة في بناء منظومة لوجستية متكاملة تعزز من الروابط الاقتصادية والاجتماعية بين البلدين، وتخفض تكاليف النقل وتسهّل حركة البضائع، ما يصب في مصلحة إعادة الاستقرار والتنمية.
ويعكس فتح معبر البوكمال أيضًا تطورًا في فهم طبيعة التعاون بين الدول المجاورة لسوريا، حيث أصبحت المصالح الاقتصادية المشتركة بوابة لإعادة بناء العلاقات رغم الخلافات السياسية السابقة، ما قد يشكل نموذجًا يُحتذى به في محاولات أخرى لإعادة دمج سوريا في المحيط العربي والإقليمي.
توافق طال انتظاره
وفي السياق الأمني، لا يمكن تجاهل التحديات التي تواجهها المنطقة، فعودة خلايا داعش وخطر الجماعات المسلحة العابرة للحدود يتطلبان تعزيز التنسيق الاستخباراتي والميداني، وهو ما يمكن أن يكون أحد المحركات الحقيقية وراء هذه الخطوة، حيث يمثل الأمن ركيزة أساسية لإنجاح أي مشروع اقتصادي أو سياسي مستقبلي.
ويمثل فتح المعبر خطوة أمنية إستراتيجية بالغة الأهمية، لا تقل أهمية عن الأبعاد الاقتصادية والسياسية المصاحبة له. فالتعاون الأمني المشترك بين البلدين بات ضرورة ملحة، خاصة في ظل التحديات التي تواجهها الحدود المشتركة، والتي طالما كانت مسرحًا لتهديدات إرهابية وتهريب الأسلحة والمخدرات.
وتوفر إعادة تفعيل حركة العبور عبر المعبر منصة أساسية لتعزيز التنسيق الاستخباراتي بين دمشق وبغداد، مما يساهم في كشف ورصد تحركات خلايا تنظيم داعش وغيرها من الجماعات المسلحة التي لا تزال تنشط في المناطق الحدودية. وهذا التنسيق يسمح باتخاذ إجراءات أمنية فعّالة تستهدف القضاء على هذه التهديدات قبل أن تتفاقم وتنتقل إلى مناطق أخرى.
ويخلق فتح المعبر بيئة أمنية مستقرة من خلال تعزيز الرقابة على الحدود، حيث تتيح زيادة حركة المسافرين والشاحنات إجراء عمليات تفتيش دقيقة ومنظمة، مما يقلل من عمليات التهريب غير المشروع الذي لطالما زاد من تعقيد المشهد الأمني. كما يسهّل المعبر إنشاء آليات مشتركة لمراقبة الحدود تشمل تبادل المعلومات وتنسيق الدوريات الأمنية، الأمر الذي يدعم بناء الثقة بين الجانبين.
ويشر الخبير الأمني أحمد العلي إلى أن “نجاح الخطوة اقتصاديًا يمر بالضرورة عبر تثبيت الأمن على طول الخط الحدودي الذي شهد في السابق توترات عابرة للحدود”، مؤكدًا أن التعاون الأمني سيشكل حجر الزاوية في مواجهة أي مخاطر محتملة، خاصة في ظل بقاء خلايا نائمة لتنظيم داعش تهدد استقرار المنطقة.
وفي ضوء هذه التطورات، يعزز فتح معبر البوكمال من قدرة العراق وسوريا على فرض سيطرتهما على الحدود بشكل كامل، وهو ما ينعكس إيجابيًا على استقرار البلدين والمنطقة ككل، ويعطي إشارة واضحة إلى جدية البلدين في محاربة الإرهاب والتطرف، مما يخلق مناخًا أكثر أمانًا للمدنيين ويشجع على استمرار عمليات إعادة الإعمار والتنمية.