اخبار الإقليم والعالم

ميليشيا فلسطينية تقاتل إلى جانب إسرائيل ضد حماس

وكالة أنباء حضرموت

تعيد إسرائيل اليوم، عبر سياسات ميدانية غير معلنة رسميا ولكن مكشوفة بالتسريبات والتصريحات، إحياء نموذج طالما ارتبط بفصل مظلم من التاريخ الإقليمي: تجربة “جيش لحد”.

وإذا كانت هذه التجربة، التي أُطلقت في جنوب لبنان في سبعينات القرن الماضي، قد أسست لمعادلة قتال بالوكالة ضد المقاومة اللبنانية عبر ميليشيا محلية مدعومة إسرائيليا، فإن المشهد الراهن في غزة يعيد إنتاج السيناريو ذاته، مع تغيّرات في الجغرافيا واللاعبين، دون أن يطرأ تحوّل جوهري على الفكر.

وكشف وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق أفيغدور ليبرمان، بشكل صريح، أن الحكومة الإسرائيلية – وبتوجيه مباشر من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو – قامت مؤخرا بتسليم أسلحة لجماعات “إجرامية” داخل قطاع غزة، دون علم المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية (الكابينت)، ودون أي آلية للمراقبة أو التتبع.

ولم يكتف ليبرمان بكشف القرار، بل أطلق تحذيرا لافتا حين وصف تلك الجماعات بأنها “لا تختلف عن داعش”، مشيرا إلى استحالة ضمان عدم استخدام تلك الأسلحة لاحقا ضد إسرائيل نفسها.

المفارقة الكبرى أن نتنياهو لم يسارع إلى نفي هذه المعلومات، بل على العكس، أكد صحتها، وذهب إلى أبعد من ذلك في الدفاع عن جوهر هذه السياسة، معتبرا أنها “تساهم في إنقاذ حياة جنود الجيش الإسرائيلي”، بل وصف تجنيد الميليشيات لمحاربة حماس من الداخل بأنه “أمر جيد”. وبدا واضحا أن نتنياهو لا يرى في هذه الخطوة مخاطرة، بل خيارا أمنيا مشروعا في سياق المعركة المستمرة في غزة.

سياسة التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل قد تهيّئ مناخا عامّا لتمرير تحركات مشابهة حتى في غزة

وتُجمع تقارير الصحف العبرية، ومصادر أمنية مطلعة، على أن هذه الميليشيات التي يجري دعمها إسرائيليا تتكون في الغالب من عناصر انشقوا عن حركة حماس، أو من أفراد ينتمون إلى عائلات محلية معروفة بعدائها التقليدي للحركة.

وتتركز أنشطتهم في منطقة رفح، جنوب قطاع غزة، حيث تخوض إسرائيل واحدة من أعنف مراحل عملياتها العسكرية، وتُكلّف هذه الجماعات بمهام ميدانية تشمل جمع معلومات استخباراتية، وتقديم دعم لوجستي، وأحيانا تنفيذ عمليات قتالية ضد مقاتلي حماس.

ويرى محللون أن إسرائيل تحاول أن تخلق “نواة محلّية” تعمل لصالحها على الأرض، وهو تكتيك لا يخلو من سوابق تاريخية. ففي جنوب لبنان، تأسست في منتصف السبعينات ما عُرف لاحقا بـ”جيش لحد”، المكوّن من عناصر منشقة عن الجيش اللبناني وسكان القرى الجنوبية، بدعم وتوجيه مباشر من تل أبيب.

وخاض هذا الجيش معارك إسرائيل بالوكالة ضد منظمة التحرير الفلسطينية، ثم ضد حركة أمل، والحزب الشيوعي اللبناني، وبعد الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، ضد حزب الله.

ومع الوقت، تحوّل “جيش لحد” إلى رمز للعمالة والتبعية في الوجدان الشعبي اللبناني، وانتهى بانهيار مدو مع الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب عام 2000، تاركا خلفه إرثا من الدم والانقسام الداخلي.

واليوم، تبدو غزة أمام نموذج مشابه، تفرض فيه تل أبيب أدوات إعادة هندسة للمشهد الداخلي، عبر دعم قوى محلية هامشية، لا تملك تمثيلا شعبيا ولا شرعية سياسية، لتكون في خدمة أهدافها.

لكن هذا الخيار، كما يؤكد محللون إسرائيليون، يحمل في طياته مخاطر إستراتيجية تتجاوز المدى القريب. ففي حال قررت إسرائيل الانسحاب من رفح أو أجزاء من القطاع، فإن هذه الجماعات – التي لا تتبع تسلسلا قياديا واضحا – قد تتحول إلى عبء أمني، أو إلى قوة منفلتة قد تشتبك مع كل الأطراف، بما فيها إسرائيل ذاتها.

وعبّر رئيس المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد عن هذه الهواجس بوضوح حين وصف القرار بأنه “مقامرة إستراتيجية غير محسوبة”، واتهم نتنياهو بتسليح جماعات قريبة من الفكر الجهادي الداعشي، دون خطة إستراتيجية، محذرا من أن هذه السياسة قد تنقلب على إسرائيل نفسها.

وبينما يركّز البعض على الجانب الأخلاقي أو السياسي، يرى آخرون أن الخطر الأكبر يكمن في الانعكاسات الأمنية طويلة المدى، حيث تتحوّل الأسلحة المُهرّبة إلى أدوات لحرب أهلية كامنة، لا يمكن السيطرة على مساراتها.

وعلى الصعيد الفلسطيني، تبدو هذه السياسة بمثابة تهديد مباشر للنسيج الداخلي في غزة، إذ إن تسليح مجموعات محلية – سواء كانت منشقة أو مهمّشة – في بيئة محطمة أساسا، يعيش سكانها تحت وطأة الحصار والحرب، لا يمكن إلا أن يساهم في زيادة مستويات التفكك، وإدخال القطاع في مرحلة جديدة من الصراع الداخلي، تحت عنوان “الاقتتال بالوكالة”، الذي يصعب إنهاؤه حتى بعد انتهاء الحرب الرسمية.

وبينما تراهن إسرائيل على أن هذه الجماعات ستُسهم في إنهاك حماس أو اختراق بنيتها الأمنية، فإنها في الواقع تُقحم غزة في معادلة تفخيخ ذاتي، وتعيد تكرار أخطاء تاريخية، سبق أن جرّبتها في لبنان، حيث أثبتت الوقائع أن القوى المحلية المسلحة لا تبقى حليفة للأبد، وأن من يُستخدم كأداة، غالبًا ما يتحوّل لاحقا إلى فاعل لا يمكن ضبطه.

لمن الولاء

هكذا تتقاطع الحرب العسكرية مع معركة التفكيك الداخلي، وتدخل غزة مرحلة جديدة من التعقيد السياسي والأمني، تقف فيها إسرائيل على الحافة: بين استثمار خطر في ميليشيات موالية، ومخاوف مشروعة من أن يكون “جيش لحد الغزّاوي” الذي تنسجه اليوم، هو العدو الجديد الذي ستواجهه غدا.

ورغم أن المعلومات المسربة حتى الآن تركز على الدور الإسرائيلي المباشر في تسليح مجموعات محلية في غزة، فإن تساؤلات حادة بدأت تُطرح في الأوساط الفلسطينية حول ما إذا كان لهذا التحرك بعد أعمق يصل إلى معرفة مسبقة أو دعم لهذه الميليشيات من قبل السلطة الفلسطينية في رام الله.

ويربط بعض المراقبين هذه الشكوك بسياسة قديمة تنتهجها القيادة الفلسطينية في الضفة الغربية، تقوم على “كسر احتكار حماس للميدان الغزّي”، حتى ولو كان ذلك عبر أدوات غير مباشرة.

ورغم عدم وجود تصريحات رسمية من السلطة الفلسطينية حتى اللحظة، إلا أن غياب الإدانة الصريحة أو الموقف الواضح من هذا التسليح الممنهج أثار الشكوك.

ويرى منتقدو السلطة أن صمتها قد يُفهم كنوع من التواطؤ الصامت أو الحساب السياسي البارد، خاصة في ظل ما يشاع منذ سنوات عن رغبة السلطة في العودة إلى غزة عبر “معادلات توازن” لا تمرّ فقط بالمصالحة، بل عبر إنهاك حماس أو إضعافها بأي وسيلة.

ويشير آخرون إلى أن سياسة التنسيق الأمني التي ظلت قائمة بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية ونظيرتها الإسرائيلية، وإن كانت محصورة في الضفة الغربية، قد تهيّئ مناخا عامّا لتمرير تحركات مشابهة حتى في غزة، خاصة إذا اعتُبرت هذه الميليشيات خصما مشتركا لحماس من منظور بعض الجهات في السلطة.

كما تتعزز هذه الشكوك بفعل التركيبة الاجتماعية لبعض الميليشيات المزعومة، إذ إن بعضها ينتمي إلى عائلات كانت تاريخيا أقرب إلى حركة فتح أو محسوبة على السلطة في ما قبل الانقسام. وهو ما يطرح تساؤلات صعبة: هل باتت بعض الشبكات القديمة تعود اليوم في صورة وكلاء ميدانيين، لكن هذه المرة برعاية إسرائيلية لا فلسطينية؟

وفي المقابل، تحذّر أصوات فلسطينية مستقلة من خطورة هذه المقاربة، معتبرةً أن أي دعم فلسطيني ضمني أو علني لمثل هذه الميليشيات يعادل الانتحار السياسي والأخلاقي للسلطة، ويمثل خيانة واضحة للثوابت الوطنية. فإسرائيل، في النهاية، لا تسعى إلى تمكين أي طرف فلسطيني، بل إلى تفكيك الجميع واستخدام بعضهم ضد بعض كأدوات مؤقتة.

إسرائيل تستعد لاعتراض سفينة المساعدات مادلين المتجهة إلى غزة


مخيم الركبان يطوي فصلا مؤلما للنازحين في سوريا بعد غلق أبوابه


ترامب يعيد رسم معايير الهجرة: حظر للدول وسياسات إقصاء


مواجهة ليبية-سودانية على الحدود تنذر بتصعيد غير مسبوق