اخبار الإقليم والعالم
نزع سلاح الفصائل الفلسطينية في لبنان يمهد لنزع سلاح حزب الله
في سياق التحولات السياسية والأمنية التي يشهدها لبنان، يعتبر نزع سلاح الفصائل الفلسطينية في مخيمات اللاجئين خطوة إستراتيجية تمهد الطريق لنزع سلاح حزب الله، ما يعزز سيطرة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها ويعيد بناء مؤسساتها الأمنية والسياسية.
وحذر المجلس الأعلى للدفاع في بيروت الأسبوع الماضي حماس والفصائل الفلسطينية المسلحة الأخرى من ممارسة أيّ أنشطة في لبنان قد تعرّض أمن البلاد للخطر.
وجاء هذا التحذير عقب اجتماع قرر فيه أعضاء المجلس والرئيس جوزيف عون السعي لنزع السلاح بالكامل داخل مخيمات اللاجئين الفلسطينيين.
وبعد محادثات جرت بين عون ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في بيروت، أصدر الزعيمان بيانا مشتركا أعلنا فيه إنهاء “الأسلحة خارج سيطرة الدولة اللبنانية” وتعهدا بألا تعود المخيمات الفلسطينية المحلية “ملاذات آمنة للجماعات المتطرفة.”
ورغم أن اتفاق وقف إطلاق النار الذي أنهى الحرب الأخيرة بين إسرائيل وحزب الله في نوفمبر نص على نزع سلاح جميع الجماعات المسلحة، إلا أن الحكومة اللبنانية ركزت في الغالب على التعامل مع أسلحة حزب الله بين نهر الليطاني والحدود الجنوبية، وذلك حتى شهر أبريل، عندما أطلقت خلايا حماس في لبنان وابلاً من الصواريخ باتجاه إسرائيل، ما أدى إلى تزايد الضغط الدولي للتعامل مع الأسلحة الفلسطينية.
واتفق الجانبان اللبناني والفلسطيني الجمعة على البدء بسحب السلاح من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين منتصف يونيو، بناء على اتفاق مع الرئيس عباس الذي يجري زيارة رسمية إلى لبنان.
وقال المصدر لفرانس برس طالبا عدم كشف هويته إنه تمّ “الاتفاق على بدء خطة تنفيذية لسحب السلاح من المخيمات، تبدأ منتصف يونيو في مخيمات بيروت وتليها المخيمات الأخرى.”
وجاء هذا الاتفاق خلال الاجتماع الأوّل للجنة مشتركة لمتابعة أوضاع مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، أعلن الطرفان عن تشكيلها الأربعاء، وحضره رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام.
مشكلة عابرة للأجيال
حتى لو نجح الرئيس الفلسطيني في إقناع المنتسبين لفتح، تظل حماس الفصيل الأكثر خطورة ولن تتبع أوامره
يشكل نزع سلاح الفصائل المختلفة في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين الستة عشر في لبنان مهمة معقدة بالنسبة إلى القوات المحدودة المتاحة حاليا للحكومة. فوفقاً لاتفاق القاهرة الذي وقعته بيروت في نوفمبر 1969 مع ياسر عرفات تحت الرعاية المصرية، انتقلت الولاية القضائية على المخيمات من الأجهزة الأمنية اللبنانية إلى وحدات “الكفاح المسلح” التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، وهي نوع من الأجهزة الشرطية آنذاك. ومنذ ذلك الحين، لم تدخل القوات اللبنانية إلى المخيمات.
ويسكن في هذه المخيمات اليوم حوالي 200 ألف شخص، من بينهم بضعة آلاف من أعضاء فصائل مسلحة متعددة ذات انتماءات سياسية متنوعة، وبشكل أساسي في المخيمات الأكبر والأكثر كثافة سكانية قرب صيدا وصور وطرابلس، إضافة إلى مخيمات في منطقة بيروت وسهل البقاع.
وتعمل هذه الفصائل في معظمها كوحدات محلية مستقلة، وإن كان بعضها يحظى بدعم من حزب الله وفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.
وتبرز حماس بشكل خاص في المخيمات، حيث تضم 1500 مقاتل مسلح يتعاونون بشكل وثيق مع أعضاء حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية وفرع الإخوان المسلمين المحلي “الجماعة الإسلامية”، التي أسست تشكيلها المسلح الخاص المعروف باسم “قوات الفجر”.
وأما الفصائل المسلحة الأخرى – مثل فتح الانتفاضة والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة – فقد اعتمدت على نظام بشار الأسد في سوريا كراع لها لسنوات ولعبت دوراً ثانوياً في هجمات حزب الله على إسرائيل خلال الحرب الأخيرة.
المجلس الأعلى للدفاع في بيروت حذر حماس والفصائل الفلسطينية المسلحة الأخرى من ممارسة أيّ أنشطة في لبنان قد تعرّض أمن البلاد للخطر
وفي ديسمبر، وبعد وقت قصير من الإطاحة بالأسد، أعلنت القوات المسلحة اللبنانية السيطرة على ثلاث قواعد للجبهة الشعبية – القيادة العامة في منطقة البقاع. غير أنه بعد مفاوضات مع القوات المسلحة اللبنانية، احتفظت المجموعة بالسيطرة الجزئية على أكبر قاعدة لها، الواقعة في بلدة النعمة الساحلية جنوب بيروت. كما أن لفتح وجوداً مسلحاً في بعض المخيمات الجنوبية، لكن ليس جميع مجموعاتها تبقى موالية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
وفي المجمل، تمثل هذه الوحدات المسلحة ما تبقى من الوجود القوي لمنظمة التحرير الفلسطينية الذي تأسس في لبنان بين عامي 1972 و1982.
ولعبت مجموعة واسعة من الجماعات الفلسطينية دوراً محورياً في قتال قوات الكتائب المسيحية ومهاجمة إسرائيل بالتنسيق مع حزب الله. وكانت مخيمات اللاجئين مثل عين الحلوة والرشيدية ونهر البارد وبرج البراجنة العمود الفقري لهذا النشاط، كما وفّرت دفاعات محصنة جيداً ضد القوات الإسرائيلية الغازية عام 1982.
وبالنظر إلى هذا التاريخ، تواجه السلطات اللبنانية اليوم تقليداً راسخاً من الجماعات المسلحة التي تسيطر على المخيمات الفلسطينية منذ جيلين، وقد قامت خلال هذه الفترة بتجنيد وتلقين وتدريب أعداد لا تحصى من الشباب وتوسيع نفوذها إلى المدن والمجتمعات الريفية المجاورة.
وتقول حنين غدار، وهي زميلة أقدم في برنامج الزمالة فريدمان في تقرير لمعهد واشنطن أنه لذلك، ستتطلب أي حملة نزع سلاح التعامل بعناية فائقة.
ويبدو أن الرئيس عون وخليفته في قيادة القوات المسلحة اللبنانية، الجنرال رودولف حايك، عازمان على التفاوض من أجل تسليم منظم للأسلحة وتجنب الغارات الحكومية التي يمكن أن تتطور بسهولة إلى صراع مسلح طويل الأمد. ومع ذلك قد تكون درجة معينة من المواجهة أمرا لا مفر منه.
أجندات حزب الله
المجلس الأعلى للدفاع في بيروت حذر حماس والفصائل الفلسطينية المسلحة الأخرى من ممارسة أيّ أنشطة في لبنان قد تعرّض أمن البلاد للخطر
تتوقف احتمالات التوصل إلى تسوية مع الجماعات الفلسطينية إلى حد كبير على القرارات التي يتخذها القادة العسكريون الجدد لحزب الله أبوعلي حيدر وهيثم الطباطبائي. فمن ناحية، من المرجح أنهما يتشاطران وجهة نظر إيران القائلة بأن نزع سلاح الفلسطينيين سيشجع بيروت على المطالبة بنزع سلاح حزب الله بالكامل أيضاً.
ومن ناحية أخرى، استخدمت الميليشيا بشكل متكرر الفصائل الفلسطينية لتهديد الخصوم اللبنانيين وإسرائيل في الماضي، خاصة في الأوقات التي ترددت فيها في اتخاذ إجراءات مباشرة خوفاً من ردود الفعل المحلية أو الإسرائيلية.
وقد أصبح العمل المباشر أكثر خطورة اليوم، مع مراقبة إسرائيل والقوات المسلحة اللبنانية والمسؤولين في آلية وقف إطلاق النار بقيادة الولايات المتحدة لكل تحرك يقوم به حزب الله.
ولذلك، قد تكون المجموعة تعتزم الاعتماد أكثر على الفصائل الفلسطينية للمساعدة في فرض أجندتها المحلية والإقليمية خلال هذه الفترة الحساسة.
في المقابل، فإن تشجيع الفصائل الفلسطينية على مقاومة نزع السلاح سيكون أمرا غير شعبي على نطاق واسع في لبنان ويمكن أن يدفع حزب الله في النهاية إلى نوع من الصدام المحلي الوجودي الذي يسعى لتجنبه. ولذلك قد تختار المجموعة إستراتيجية المماطلة.
وهناك عامل آخر قد يكون مهما وهو دور محمود عباس كرئيس للسلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية. فخلال زيارته إلى لبنان هذا الأسبوع، قد يعرض على قادة فتح في المخيمات مناصب بديلة ومنافع سخية مقابل نزع السلاح. لكن قدرته على التأثير عليهم محدودة بالنظر إلى أن العديد من القادة البارزين (مثل الإخوة مقداد في عين الحلوة) حوّلوا ولاءهم الفعلي إلى حزب الله وفيلق القدس الإيراني مع احتفاظهم بأوراق اعتماد ورواتب فتح.
السلطات اللبنانية تواجه اليوم تقليداً راسخاً من الجماعات المسلحة التي تسيطر على المخيمات الفلسطينية منذ جيلين
وحتى لو نجح عباس في إقناع المنتسبين لفتح، تظل حماس الفصيل الأكثر خطورة ولن تتبع أوامره بالتأكيد. بل على العكس، قد يسعى قادة حماس في لبنان لإحراجه وإظهار قدراتهم من خلال استعراض أسلحتهم علناً أثناء زيارته أو بعدها.
وهناك اعتبار آخر يتمثل في تغير موازين القوى داخل عين الحلوة منذ سبتمبر 2023، عندما أضعفت الاشتباكات مع حماس وحزب الله نفوذ فتح في المخيم ومكنت المجموعتين الأخريين من السيطرة على عملية صنع القرار المحلي.
ولذلك، إذا سلمت فصائل فتح أسلحتها فعلاً دون أن تحذو حماس حذوها، فإنها ستمنح المزيد من القوة لمنافسيها فحسب. كما ينبغي تقييم هدف نزع سلاح هذه الجماعات كجزء من الجهد الأوسع لتفكيك “جبهة الرفض الفلسطينية” التاريخية في المشرق، أي تلك المنظمات المعارضة لأيّ اتفاق مع إسرائيل.
وفي سوريا، تعمل الحكومة الجديدة على إغلاق قواعد مثل هذه الجماعات واعتقال بعض قادتها مؤقتا.
وفي الأردن، تتخذ السلطات إجراءات حازمة ضد الشبكات المسلحة السرية، حيث تقوم بعمليات مداهمة ومصادرة صواريخ وطائرات مسيّرة من عناصر حماس والإخوان المسلمين المحليين.
وفي الواقع، أدت تداعيات الحرب متعددة الجبهات في المنطقة إلى جهد متضافر – وإن كان غير منسق بعد – للقضاء على الوجود الفلسطيني المسلح في البلدان العربية المجاورة لإسرائيل. وليس هناك مكان تكون فيه هذه المهمة أكثر طموحا وتعقيدا من لبنان.
تداعيات الحرب متعددة الجبهات في المنطقة أدت إلى جهد متضافر للقضاء على الوجود الفلسطيني المسلح في البلدان العربية المجاورة لإسرائيل
وبالنظر إلى الروابط التاريخية العميقة والحالية بين الفصائل الفلسطينية المحلية وحزب الله، من المرجح أن لبنان لا يستطيع نزع سلاح أحد الطرفين دون نزع سلاح الآخر.
وتفضل القوات المسلحة اللبنانية تجنب المواجهات المباشرة خشية إثارة صراع أهلي مع المجتمعين الفلسطيني والشيعي في لبنان. لكن إلى جانب “الحوار” الجاري، لم تطرح القيادتان العسكرية والمدنية في بيروت إستراتيجية بديلة لتحقيق الهدف العاجل المتمثل في نزع السلاح.
وفي مقابلة تلفزيونية مصرية الأسبوع الماضي، أعلن الرئيس عون أنه يتبادل الرسائل مع حزب الله بشأن هذه المسألة لكنه أشار إلى ضرورة عدم تنفيذها بعجلة مفرطة.
وذكر أن حل قضايا لبنانية معينة قد يتوقف على نتائج مفاوضات واشنطن مع إيران. لكن انتظار انتهاء تلك المحادثات سيكون خطأ.
وترى غدار أنه على الإدارة الأميركية أن توضح للبنان أن هاتين المسألتين غير مترابطتين، فبغض النظر عن أيّ اتفاق قد تتوصل إليه واشنطن مع طهران (إن حدث ذلك)، ستظل بيروت مطالبة بتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل ونزع سلاح جميع الميليشيات.
وفي سبيل الوفاء بهذا الالتزام، على المسؤولين اللبنانيين صياغة إستراتيجية واحدة لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية وحزب الله على حد سواء. فمع معرفة عمق التنسيق بينهما، تحتاج بيروت إلى تغيير عقليتها في التعامل مع هذين الملفين بشكل منفصل.
ولتشجيع هذا النهج، على إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن تطلب من بيروت متابعة تحذيراتها الأخيرة بوضع جدول زمني لنزع السلاح، مع تحديد مواعيد نهائية واضحة للجماعات الفلسطينية وحزب الله لوضع أسلحتهم. كما ستحتاج السلطات اللبنانية على الأرجح لتنفيذ عمليات مداهمة محدودة في المخيمات الفلسطينية الأصغر لإظهار جديتها في تطبيق هذه الإستراتيجية. ويمكنها بعد ذلك الانتقال إلى المخيمات الأكبر في الجنوب مثل الرشيدية وعين الحلوة. وإذا استمر حزب الله في رفض نزع السلاح بعد تلقي هذه الرسائل القوية، فقد تصبح المواجهة الأوسع ضرورة لا مفر منها.
وسيكون ثمن الصراع مع القوات الفلسطينية وحزب الله مرتفعاً من ناحية الخسائر المحلية والأضرار. لكن ثمن الفشل في نزع سلاحهم سيكون أعلى بكثير، أي نشوب حرب شاملة أخرى مع إسرائيل وهيمنة حزب الله الدائمة على خزينة البلاد وسياستها الخارجية.