منوعات
مصر تكرس إلزامية التعليم لسد ثغرة زواج الأطفال
تتجه الحكومة المصرية إلى تعديل قانون التعليم لإضافة نصوص تشريعية تستهدف مواجهة ظاهرة التسرب التعليمي، كأحد أبرز ثغرات الزواج المبكر، وما يترتب عليه من أمومة مبكرة وزيادة معدلات المواليد، واتساع دائرة الجهل بين أرباب الأسر مستقبلا، لمجرد أن الأبوين قررا عدم استكمال تعليم الأبناء لأسباب مختلفة.
وأعلن المجلس الوطني للتعليم أن تعديلات القانون تتضمن حلا جذريا لمشكلة التسرب من التعليم، باعتبارها من أكبر التحديات التي تواجه المجتمع، ولها آثار سلبية على التنمية البشرية والاقتصادية، بالتوازي مع تأكيد المجلس القومي للطفولة أن التسرب التعليمي هو السبب الأول في زيادة الزواج المبكر.
وأكدت رئيسة المجلس القومي للطفولة سحر السنباطي أن تعليم الفتاة هو الحل الأمثل للحد من زواج الأطفال المبكر، ومن المهم إعادة النظر في القوانين سريعا مع ضرورة فرض عقوبات مغلظة على أولياء الأمور وكل من يشارك في زواج الأطفال، أو حتى من يجبر الطفل أو الطفلة على عدم استكمال فترة التعليم.
وجزء من مشكلة الخطاب الرسمي المرتبط بالتعليم وزواج الأطفال أنه يختزل أهمية ترك الفتاة تُكمل دراستها في كونه وسيلة تمنع ارتفاع معدلات الزيادة السكانية، بما يؤثر على معدلات التنمية، دون اكتراث بأن الجيل الجديد له مبررات أكبر تتعلق بقيمة أن تكون الأم متعلمة وواعية كي تؤسس أسرة مستقرة.
الحكومة استطلعت رأي الشباب البالغين من العمر ثماني عشرة سنة حول زواج الفتيات، وجاءت نسبة رفض الزيجات المبكرة 82 في المئة لأنها تؤثر على تعليمهن
ولم تفصح الحكومة عن طبيعة العقوبات المقرر فرضها على الأسر التي تحرم الأبناء من الحق في التعليم، وبالعودة إلى الخطط التي أعلنتها دوائر رسمية وبرلمانية من قبل، فإن التوجه الأقرب أن يتم ربط الخدمات الحكومية المختلفة بمدى انتظام الأبناء في الدراسة، وعكس ذلك سوف يتسبب في تعليق الخدمات التي تقدمها الدولة.
ويرى مراقبون لظاهرة التسرب التعليمي وتداعياته على زواج الأطفال أن الحكومة لا تعترف بأن تصوراتها هي جزء أساسي من المشكلة لعدم تقديم إغراءات تدفع الكثير من الأسر لاستكمال تعليم أولادها، بل رفعت تكاليف الدراسة ولم تعد الكثير من الأسر تستطيع تلبية احتياجات التعليم وتستسهل تزويج الفتاة في سن صغيرة.
وأطلقت مؤسسات معنية بملف زواج الصغيرات برامج توعوية عديدة على مدار سنوات مضت، لكن لم تؤت ثمارها، وظلت ثقافة الزواج المبكر حاضرة بقوة في مناطق ريفية وشعبية وقبلية، وأصبحت المواجهة قاصرة تقريبا على وجود وشاية من بعض السكان في المنطقة ضد الأسر التي تعتزم تزويج الابنة في سن صغيرة.
ويكمن جزء أصيل من الأزمة في أن البيئة التعليمية طاردة وليست جاذبة، ما ترتب عليه أن شريحة معتبرة من الأسر غير قادرة على تعليم الأنثى ولا تجد مزايا في ذلك، وتزايد هذا الشعور مع موجات الغلاء المتصاعدة وتدهور مستوى المعيشة والتفاف الحكومة على تطبيق مجانية التعليم التي أقرها الدستور.
وتصر بعض المؤسسات التوعوية على أن توجه خطابها إلى أرباب الأسر الذين لا يستوعبون الرسالة، مع أن الشريحة الأكبر من الشباب الذين ينتمون إلى الجيل الحالي تدرك أن عدم تعليم الفتيات سوف يضاعف زواج القاصرات، وهذه ميزة لم تستثمرها الحكومة ولم تبن عليها لخلق حشد شبابي يدعم توجهاتها ويساهم في تغيير ثقافة الأسر.
واستطلعت الحكومة رأي الشباب البالغين من العمر ثماني عشرة سنة حول زواج الفتيات، وجاءت نسبة رفض الزيجات المبكرة 82 في المئة لأنها تؤثر على تعليمهن، ورأت تلك الشريحة أن التعليم يجب أن يظل أولوية مرتبطة بأهمية أن تكون الأم متعلمة ومربية مثقفة وواعية بقيمتها الأسرية ودورها المحوري في المجتمع.
كما أن الفتاة التي لا تكمل تعليمها، كبيرة أو صغيرة، إذا لم تُكمل فترة دراستها الطبيعية فإنها سوف ترث نفس الأفكار والعادات والتقاليد السلبية
التي تفرضها الأسرة ويتناغم معها المجتمع، مثل الزواج المبكر وختان الإناث وإسقاط حق التعليم من حساباتها، ما ينتقل إلى أبنائها أيضا لتصبح الأمية بسلبياتها متوارثة.
وتدعم شريحة كبيرة من الأسر وضع عقوبات مشددة على من يمتنعون عن تعليم الأبناء، ولا مانع لديها في ربط الخدمات الحكومية بالتزام كل عائلة بتمكين أولادها من حق التعليم كالتزام إنساني وأخلاقي قبل أن يكون قانونيا، لأن أي أسرة لن تستطيع التخلي عمّا تقدمه الدولة من خدمات أساسية ويصعب أن يكون لها بديل.
وأعلنت وزارة التعليم في العام الماضي أن نسبة الأمية في الفئة العمرية من 15 سنة فأكثر بين الذكور وصلت إلى 19 في المئة وبلغت بين الإناث 28 في المئة، وهي أرقام ضخمة إذا قورنت بأعداد الطلاب المسجلين داخل المدارس الحكومية ووصلت إلى أكثر من 26 مليون طالب وطالبة في المراحل التعليمية المختلفة.
ويدافع مؤيدون عن العقوبات المرتبطة بإلزامية التعليم بأن الفتاة المتعلمة أكثر ثقافة وشجاعة في مواجهة أيّ ضغط أسري يجبرها على الزواج في سن صغيرة، وتصبح قادرة على التصدي لكل تصرف عائلي ينزع عنها إرادتها في أن تتزوج بالطريقة التي تستريح لها، دون أن تستسلم لرغبة الأسرة وتتزوج في مرحلة مبكرة.
وذلك على عكس الفتاة التي لا تكمل تعليمها أو لا تلتحق بالمدرسة من البداية، حيث تفتقد الحد الأدنى من الوعي والفهم لطبيعة تكوين أسرة وتربية أبناء بشكل صحيح، وهذا في حد ذاته توريث لسلوكيات خطرة على المجتمع والكيان العائلي برمته، ما يجعل إلزامية التعليم، كما ترغب الحكومة، ضرورة ملحة، لكن العبرة في إقناع الأسر بذلك.
ويظل التحدي الأكبر أمام الحكومة، وإن قررت سن عقوبات ضد عدم الملتزمين بتعليم الأبناء، أن بعض الأسر في مناطق ريفية وشعبية تتعامل مع تعليم الفتاة باعتباره من الأمور المعيبة، بذريعة أن الفتاة مكانها المنزل وستصبح زوجة وأمّا لأبناء، وهو ما يفرض على الحكومة تكثيف الخطاب التوعوي بالتوازي مع العقوبات.
وقال استشاري العلاقات الأسرية بالقاهرة علاء الغندور إن مواجهة زواج الأطفال تبدأ من إلزامية التعليم، لأن أغلب من أصبحن أمهات مبكرا تسربن من المدارس، ومهم أن تكون هناك رؤية وخطة عامة ومتشعبة لمواجهة الزواج المبكر بعيدا عن اختزال الحل في العقوبة، لأن العبرة في حلحلة المشكلات التي قادت إلى الظاهرة.
وأضاف لـ”العرب” أن جزءا من الحل مخاطبة الضحية نفسها لا التركيز على أرباب الأسر، وقد يتحقق ذلك بزيادة الأعمال الفنية التي تناقش زواج الأطفال بشكل عقلاني بسيط يوعي كل أطراف المنظومة بخطورة تلك الزيجات والأزمات المستقبلية التي تترتب على أميّة الفتيات، بحيث يكون الخطاب التوعوي واقعيا.
وبعيدا عن طبيعة النصوص التشريعية الجديدة وما يمكن أن تتضمنه من عقوبات للحد من التسرب التعليمي، فإن الحكومة مطالبة بتحديد الأسباب التي دفعت الأسر إلى هذا المسار أولا إذا أرادت أن تكون الحلول مناسبة للأزمة، بعيدا عن استسهال الترهيب والحرمان من الخدمات التي يراها البعض هي والعدم سواء.