اخبار الإقليم والعالم

ذكاء اصطناعي أم ذكاء سياسي.. كيف تعيد الإمارات رسم المستقبل

وكالة أنباء حضرموت

في عصر تتسابق فيه الدول للهيمنة على التكنولوجيا، تعيد الإمارات تعريف موقعها على خارطة الذكاء الاصطناعي، ليس فقط كلاعب اقتصادي، بل كقوة مؤثرة في الحسابات الجيوسياسية. إعلانها عن تطوير “فالكون عربي”، أول نموذج ذكاء اصطناعي متقدم باللغة العربية، جاء ليؤكد أن طموحاتها تتجاوز مجرد تبني التكنولوجيا، بل تسعى إلى قيادة الابتكار في العالم العربي، خاصة مع وجود شراكات إستراتيجية قوية مع الولايات المتحدة.

لكن هل هذه التحركات مجرد مناورة سياسية تهدف إلى تعزيز علاقاتها مع واشنطن أم أنها خطوة حقيقية نحو الريادة التكنولوجية التي قد تعيد ترتيب التوازنات الإقليمية؟ النموذج الذي أعلن عنه مجلس أبحاث التكنولوجيا المتطورة في أبوظبي هو نموذج ذكاء اصطناعي مُدرّب حصريًا على البيانات العربية غير المترجمة، وهو ما يمنحه قدرة فريدة على فهم التنوع اللغوي في العالم العربي. هذه الخطوة تُعتبر الأولى من نوعها في المنطقة، حيث تمكن النموذج الجديد من التفوق على جميع النماذج العربية المتاحة وفقًا للبيان الرسمي.

لماذا تُركز الإمارات على الذكاء الاصطناعي باللغة العربية تحديدًا؟ الإجابة تكمن في الفراغ التكنولوجي الذي تعاني منه المنطقة، إذ تعتمد أغلب نماذج الذكاء الاصطناعي على بيانات باللغة الإنجليزية، ما يجعل فهم اللهجات والتعبيرات المحلية تحديًا كبيرًا في مجالات مثل التعليم والإعلام والخدمات الذكية.

وقال فيصل البناي، الأمين العام لمجلس أبحاث التكنولوجيا المتطورة، في البيان إن الريادة في الذكاء الاصطناعي اليوم لا تقاس بالحجم، بل بمدى فاعلية الحلول وسهولة استخدامها وشموليتها. كما أطلق المجلس أيضًا نموذج “فالكون إتش – 1″، الذي قال إنه يتفوق على منافسيه من ميتا وعلي بابا من خلال تقليل الحاجة إلى موارد حوسبية كبيرة أو خبرات تقنية متقدمة.

يأتي إعلان الإمارات عن نموذجها الجديد بعد أيام من زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي كشف عن اتفاقية خاصة بالذكاء الاصطناعي تُتيح للإمارات الوصول إلى أشباه الموصلات المتطورة التي تُنتجها شركات أميركية رائدة، مثل إنفيديا. هذه الصفقة تمثل انتصارًا اقتصاديًا للإمارات، إذ إن وصولها إلى هذه التكنولوجيا سيعزز قدرتها على تطوير نماذج ذكاء اصطناعي أكثر تقدمًا، وهو ما يُمكنها من لعب دور محوري في السوق العالمية.

ولطالما كانت الإمارات رائدة في الاستثمار في التكنولوجيا المتقدمة، لكن جهودها في الذكاء الاصطناعي اتخذت منحى جديدًا مع رفع القيود الأميركية، حيث ألغت إدارة ترامب القواعد التي وضعها جو بايدن، والتي حدّت من إمكانية وصول الدول الحليفة إلى أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي، خوفًا من تسريبها إلى الصين.

هذا القرار منح الإمارات إمكانية استيراد أكثر من نصف مليون وحدة سنويًا من رقائق إنفيديا المتطورة، وهو ما يوفر لها ميزة هائلة في تطوير قدراتها في الذكاء الاصطناعي. لكن الصفقة لم تكن بلا شروط، إذ تضمنت التزام الإمارات بالاستثمار في مراكز بيانات أميركية، ومواءمة لوائح الأمن القومي الخاصة بها مع الولايات المتحدة. هذا لا يعني أن الإمارات تخلّت عن شراكاتها مع الصين، ولكنها أعادت ضبط إستراتيجيتها التكنولوجية بحيث تتماشى مع المعايير والبروتوكولات الأميركية، خصوصًا في المجالات الحيوية مثل الحوسبة السحابية وسلاسل توريد الرقائق.

وتحاول الإمارات الموازنة بين الولايات المتحدة كحليف إستراتيجي، والصين كشريك تجاري قوي. فهي تدرك أن الاعتماد الكلي على واشنطن قد يضعها في موقف صعب إذا تغيرت السياسات الأميركية مستقبلًا، كما أن التقارب الكبير مع بكين قد يعرّضها لضغوط أميركية متزايدة. ففي عهد بايدن تعرضت الإمارات لقيود في الوصول إلى الرقائق الذكية، ما دفعها إلى البحث عن بدائل من الصين، لكن ذلك أثار مخاوف واشنطن بشأن إمكانية تسريب التكنولوجيا المتقدمة إلى بكين. الآن، مع إدارة ترامب، يبدو أن الأمور تشهد تغييرًا جذريًا، إذ سمحت واشنطن بتمرير التكنولوجيا المتطورة للإمارات، ولكن ضمن ضوابط أمنية صارمة.

وهذا التحول لا يعني التخلي عن الصين كما سبق أن ذكرنا، بل يمثل إعادة ضبط للعلاقات التكنولوجية بحيث تتوافق مع المعايير الأميركية، بينما تحافظ الإمارات على علاقاتها التجارية مع بكين. بالنظر إلى التطورات الأخيرة، يمكن القول إن الإمارات حققت مكاسب ضخمة من هذه الصفقة، التي ستضعها في مقدمة الدول الرائدة في الذكاء الاصطناعي. تشمل هذه المكاسب تعزيز البنية التحتية الرقمية، حيث ستتمكن الإمارات من بناء مراكز بيانات ضخمة، ما سيسمح لها بتطوير نماذج ذكاء اصطناعي أكثر تقدمًا، وهو أمر ضروري للعديد من التطبيقات الحديثة مثل تحليل البيانات الضخمة والتعلم العميق والروبوتات الذكية.

امتلاك هذه التكنولوجيا سيجعل الإمارات وجهة رئيسية للشركات العالمية التي ترغب في تطوير مشاريع الذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط. ومن خلال تحديث بنيتها التحتية الرقمية، ستتمكن الإمارات من حماية بياناتها بشكل أكثر كفاءة، وهو أمر بالغ الأهمية وسط التهديدات الإلكترونية المتزايدة. إذا نجحت الإمارات في تنفيذ خططها، فقد تصبح المركز الثالث عالميًا في الذكاء الاصطناعي بعد الولايات المتحدة والصين، وهو ما يعزز مكانتها كقوة تكنولوجية صاعدة.

هذه الصفقة لا تؤثر على الإمارات وحدها، بل تمتد إلى ميزان القوى التكنولوجي العالمي. تعزيز العلاقات الإماراتية – الأميركية يُمهد لتعاون أوسع في مجالات الأمن السيبراني والدفاع، ويدخل الإمارات كلاعب رئيسي إلى جانب أميركا والصين في إعادة تشكيل المنافسة الدولية. كما قد يغير سياسات التصدير الأميركية، بعدما ألغت إدارة ترامب قيود الرقائق الإلكترونية، ما يقلل اعتماد الإمارات على الصين، بينما تحافظ على علاقتها التجارية معها بحذر.

مع كل هذه التطورات، يبقى السؤال الأهم: هل تستطيع الإمارات الحفاظ على موقعها كلاعب محايد في المنافسة العالمية؟ من جهة، تحتاج الإمارات إلى التقنيات الأميركية لدعم طموحاتها التكنولوجية، لكنها في الوقت ذاته تعتمد على الصين كشريك تجاري أساسي، وهو ما يضعها في معادلة حساسة للغاية. إن التحدي الأكبر للإمارات لا يكمن في تطوير الذكاء الاصطناعي، بل في إدارة العلاقات الجيوسياسية بحيث لا تجد نفسها مجبرة على الانحياز لطرف على حساب آخر.

لا شك أن الإمارات تخطو خطوات جريئة نحو المستقبل الرقمي، وتسعى إلى ترسيخ مكانتها في عالم الذكاء الاصطناعي، ولكنها أيضًا تلعب لعبة توازن دقيقة بين القوى العظمى، محاولةً الاستفادة من التكنولوجيا الأميركية دون أن تخسر علاقتها مع الصين.

فهل تستطيع الإمارات أن تكون جسرًا بين الشرق والغرب في التكنولوجيا، أم أن التحولات الجيوسياسية القادمة ستجبرها على اختيار طرف على حساب آخر؟

مساع قطرية للتحول إلى مركز مالي لمواكبة جيرانها الخليجيين


استخدام الجيش السوداني أسلحة كيميائية ورقة واشنطن للضغط على البرهان


بغداد ترفض 'العقود المنفردة' في قطاع للنفط لانتهاكها الدستور


التحولات في سوريا تجبر قادة فصائل فلسطينية موالين لايران على مغادرة دمشق