اخبار الإقليم والعالم
فرنسا والإخوان المسلمون: أي خطوات لمواجهة خطر الجماعة
مع تصاعد القلق الرسمي في فرنسا من تغلغل جماعة الإخوان المسلمين داخل النسيج المجتمعي، انتقلت باريس من مرحلة المراقبة إلى طور المواجهة السياسية والمؤسساتية.
وفي خطوة غير مسبوقة ترأس الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الثلاثاء اجتماعًا لمجلس الدفاع خصص لبحث تقرير رسمي يكشف عن “تسلل أيديولوجي منظم” تقوده الجماعة، ويستهدف -بحسب الوثيقة- إعادة تشكيل القيم داخل بعض مكونات المجتمع، من خلال خطاب ديني موجه، وتمدد مؤسساتي عبر التعليم والمراكز الثقافية والمساجد.
وبدت السلطات الفرنسية، التي لطالما اتهِمت بالتقاعس في مواجهة جماعة الإخوان رغم تقارير سابقة، هذه المرة أكثر تصميما على التحرك.
ووصف التقرير الذي أعده مسؤولان حكوميان، الجماعة بـ”التنظيم التخريبي المناهض لقيم الجمهورية”، وطرح سلسلة من المقترحات السياسية والقانونية والإدارية للتعامل مع الخطر المتصاعد.
وأعلنت الرئاسة الفرنسية أن بعض هذه الإجراءات سيبقى سريا؛ ما يشير، حسب محللين، إلى أن المواجهة لن تقتصر على المسارات التشريعية أو العلنية، بل ستشمل تحركات أمنية ومخابراتية موجهة.
ويلفت المحللون إلى أن من أبرز الخطوات المحتملة التي يجري تداولها داخل أروقة القرار الفرنسي سحب الاعتراف الرسمي أو الدعم عن الجمعيات والمؤسسات المتهمة بالارتباط المباشر أو غير المباشر بالإخوان، وفي مقدمتها “منظمة مسلمي فرنسا”، التي اعتُبرت في التقرير بمثابة الفرع الوطني للتنظيم الدولي داخل فرنسا.
التحدي الأكبر أمام الدولة الفرنسية هو كيف يمكن شنّ مواجهة فعالة مع جماعة الإخوان دون الانزلاق إلى وصم عموم المسلمين
كما يدرس البرلمان مقترحات لتشديد الرقابة على تمويل الجمعيات الدينية، وفرض المزيد من الشفافية على مصادر التمويل الخارجي، بما في ذلك من دول يُشتبه في دعمها لمشاريع الإسلام السياسي. إضافة إلى إجراءات أخرى تتعلق بإصلاح هيكلة تدريب الأئمة، ومراقبة خطب الجمعة في المساجد، وتقييد الخطاب الديني الذي يتعارض مع قيم العلمانية.
ويشدد الباحث مصطفى أمين على ضرورة اتخاذ إجراءات صارمة لمواجهة التهديدات الأمنية المرتبطة بالإخوان، مؤكدا أن هذه الخطوات ضرورية للحفاظ على الأمن الوطني.
وقد أعاد حزب ماكرون النقاش حول منع ارتداء الحجاب للفتيات دون سن الـ15، بل واقترح تجريم أولياء الأمور الذين يُجبرون بناتهم على ارتدائه، في محاولة لقطع الطريق على ما يُنظر إليه كأداة رمزية لترويج الفكر المحافظ للجماعة.
وبالتوازي مع ذلك تبرز أصوات من اليمين المتطرف تطالب باتخاذ خطوات أكثر جذرية، وصلت إلى حد اقتراح حظر جماعة الإخوان المسلمين قانونيا.
واتهمت مارين لوبان، زعيمة حزب “التجمع الوطني” اليميني المتطرف، الحكومة بالتراخي، فيما قال رئيس الحزب جوردان بارديلا إنهم، في حال وصولهم إلى السلطة، “سيحظرون التنظيم فورًا،” في خطوة قد تحظى بدعم شعبي متزايد وسط تصاعد المخاوف من أسلمة ثقافية تدريجية.
ويشير مراقبون إلى أنه وسط هذا الزخم السياسي، يبقى التحدي الأكبر أمام الدولة الفرنسية هو كيف يمكن شنّ مواجهة فعالة مع جماعة الإخوان دون الانزلاق إلى وصم عموم المسلمين؟
وحذّر عميد مسجد باريس الكبير، شمس الدين حافظ، أمس الخميس من إمكانية أن يتحول النضال ضد الإسلام السياسي إلى ذريعة لتمييز غير مشروع ضد المواطنين المسلمين، ما قد يؤدي إلى نتائج عكسية تقوّض جهود الاندماج وتغذي خطاب الضحية والانفصال.
وتجد فرنسا اليوم نفسها أمام معادلة دقيقة: اتخاذ خطوات قوية لكبح جماعة تتبنى مشروعا أيديولوجيا يتعارض مع أسس الجمهورية، دون أن يؤدي ذلك إلى تهميش ملايين المسلمين أو توسيع فجوة الثقة بين الدولة ومواطنيها من أصول مهاجرة.
ويؤكد متابعون أن المواجهة مع الإخوان، في نهاية المطاف، لن تُحسم فقط بالقوانين أو بالتضييق، بل أيضًا بإعادة بناء نموذج من الإسلام الفرنسي المنفتح والمندمج، وهو ما يتطلب إرادة سياسية وشراكة مجتمعية ونموذجًا بديلًا يستعيد الشرعية الدينية بعيدًا عن مشاريع التوظيف السياسي للدين.
وتتسم العلاقة بين فرنسا وجماعة الإخوان المسلمين بتعقيدات سياسية واجتماعية عميقة، على خلفية الصراع الطويل حول الهوية الوطنية وقيم الجمهورية، خصوصا في ضوء تزايد أعداد المسلمين في البلاد وما رافق ذلك من جدل حول مكانة الدين في الفضاء العام.
وارتبطت جماعة الإخوان المسلمين في فرنسا بتوسع نشاطات بعض الجمعيات الإسلامية التي تم تأسيسها بعد الحرب العالمية الثانية، في إطار محاولة دمج المجتمع المسلم ضمن قيم العلمانية الفرنسية، حيث كانت هذه الجمعيات تمثل جسرا بين المسلمين في فرنسا والمجتمع الفرنسي الأوسع.
لكن في السنوات الأخيرة بدأت تظهر مؤشرات على أن بعض هذه الجمعيات، ومنها “منظمة مسلمي فرنسا”، تتبنى خطابا إسلاميا يتجاوز إطار الدين الفردي، ليحمل أبعادًا سياسية تتعارض مع المبادئ الجمهورية العلمانية.
وفي هذا السياق يتم النظر إلى جماعة الإخوان المسلمين على أنها تسعى إلى تقويض قيم الجمهورية من خلال نشر الإسلام السياسي، الذي يتبنى رؤى تعارض الحداثة والعلمانية.
وتزامن تزايد النفوذ السياسي للإخوان في فرنسا مع بروز موجات من الهجرة من دول شمال أفريقيا، وظهور صراع طويل في المجتمع الفرنسي حول مسألة الهوية.
وأدى الهجوم الإرهابي في عام 2015 على باريس إلى تصعيد الجدل بشأن الإسلام السياسي، كما أدى أيضا إلى نشوء تحركات مؤسساتية في فرنسا لاحتواء هذا التهديد.
ومن بين الإجراءات تشديد الرقابة على المنظمات الإسلامية، ومحاولات التدقيق في مصادر تمويلها، وذلك في مسعى لضمان أن هذه الأموال لا تُستخدم لدعم الأنشطة المتطرفة أو لتوسيع نفوذ الإخوان.
وعلاوة على ذلك تم تسليط الضوء على حاجة فرنسا إلى بناء نموذج إسلامي يتماشى مع قيم الجمهورية، ويحد من التأثيرات السياسية لبعض التيارات المتطرفة التي قد تعزز التقسيم داخل المجتمع الفرنسي.
ورغم أن السلطات الفرنسية قد أظهرت بعض الحزم في التعامل مع هذه الجماعات، إلا أن السؤال المحوري يبقى متعلقا بكيفية تحقيق التوازن بين مكافحة جماعات الإسلام السياسي وحماية حقوق المسلمين الفرنسيين.
ويلاحظ المراقبون أن الخطوات التي ستتخذها الحكومة الفرنسية قد لا تقتصر على الإجراءات القانونية والأمنية فقط، بل قد تشمل أيضًا التفاعل الثقافي والاجتماعي. إذ يرى الكثيرون أن إعادة بناء علاقة قوية بين الدولة والمسلمين في فرنسا تتطلب خلق نموذج إسلامي فرنسي قادر على التأقلم مع قيم العلمانية، من دون أن يفرض رؤية دينية قسرية على المجتمع.