اخبار الإقليم والعالم
كتاب يختصر عشر سنوات من البحث في أهم أشعار التصوف
أعلنت دار نشر الجامعة الأميركية في بيروت كتابها الجديد في إطار سلسلة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان للنصوص والدراسات العربية والإسلامية بعنوان “الشعر والرؤى الروحية: دراسة وتحقيق لكتاب الشواهد والأمثال لأبي نصر القشيري (ت 514/ 1120)” من تقديم الأساتذة بلال الأرفه لي ورمزي بعلبكي وفرانشيسكو كيابوتي.
وقالت في بيان “يستند هذا الإصدار النوعي إلى مخطوطة آياصوفيا 4128، ويسلط الضوء على إسهام القشيري البارز الذي يدمج التعاليم الصوفية في قالب أدبي يجمع بين التقاليد الأدبية والأخلاقية، وهو ما سيكون موضع اهتمام الباحثين وجمهور المتابعين على حد سواء”.
وأبونصر القشيري الذي يرصد الكتاب أهم إسهاماته في الشعر الصوفي هو نحوي ومتكلم وفقيه شافعي، وهو أحد أولاد أبي القاسم القشيري، وهو أكثرهم علما وأشهرهم اسما من بعده.
الكتاب يقدم رؤية حاسمة حول الدور الفريد لشعر التصوف في تحقيق التواصل بين البعدين الروحي والأدبي
اعتنى به أبوه أبوالقاسم القشيري، وأسمعه وأقرأه حتى برع في العربية والنظم والنثر والتأويل، وكتب الكثير بأسرع خط، وكان أحد الأذكياء، لازم إمام الحرمين أبا المعالي الجويني، وحصل طريقة المذهب الشافعي وساد وعظم قدره واشتهر ذكره.
ذكره عبدالغافر في “سياقه” فقال “هو زين الإسلام أبونصر عبدالرحيم، إمام الأئمة، وحبر الأمة، وبحر العلوم، وصدر القروم، أشبههم بأبيه خلقا، حتى كأنه شق منه شقا، كمل في النظم والنثر، وحاز فيهما قصب السبق، ثم لزم إمام الحرمين، فأحكم المذهب والأصول والخلاف، ولازمه يقتدي به، ثم خرج حاجا، ورأى أهل بغداد فضله وكماله، ووجد من القبول ما لم يعهد لأحد، وحضر مجلسه الخواص، وأطبقوا على أنهم ما رأوا مثله في تبحره.”
ويُظهر هذا الإصدار الجديد حول أبونصر القشيري أهمية كتاب الشواهد والأمثال في دمج التصوف داخل النسيج الثقافي والعلمي للإسلام في العصور الوسطى. فقد تبنى القشيري نهجا مبتكرا يمزج بين الأساليب الشفوية والمكتوبة في إيصال التعاليم الصوفية، مستخدما الشعر بلغة مبسطة، الأمر الذي أتاح “ترجمة” المفاهيم الصوفية المعقدة لتصبح في متناول الأدباء والعلماء في زمنه.
وقد علق بلال الأرفه لي قائلا “هذا العمل، الذي استغرق أكثر من عقد لإنجازه، يقدم رؤية حاسمة حول الدور الفريد لشعر التصوف في تحقيق التواصل بين البُعدين: الروحي والأدبي.”
وأضاف “يُتيح كتاب الشواهد للقراء الإحاطة بتطور التعاليم الصوفية ضمن المجتمع الفكري المتقدم في نيسابور، ويبين قدرة هذا التراث الروحي على التكيف وعلى الوصول إلى جمهور عريض على مر العصور. ويؤكد بعلبكي على أهمية نشر المخطوطات العربية باعتبارها ‘إسهاما جوهريا في صون التراث النصي للثقافة الإسلامية،’ فيما يشير كيابوتي إلى القيمة الكبيرة لكتاب الشواهد في التصوف، ‘باعتباره تراثا روحانيا ذا تأثير عميق وانتشار عالمي واسع’.”
الإصدار الجديد حول أبونصر القشيري يُظهر أهمية كتاب الشواهد والأمثال في دمج التصوف داخل النسيج الثقافي والعلمي للإسلام في العصور الوسطى
ولفت إلى أن “هذه الدراسة المعمقة التي أنجزها المحققون الثلاثة عن كتاب الشواهد تشكل مصدرا أساسيا يكشف عمق التفاعل بين اللغة والروحانية، ويُظهر مرونة الفكر في المجتمع الإسلامي خلال العصور الوسطى. ومن المؤمل أن تسهم هذه الدراسة في إغناء الحوار الأكاديمي حول الإرث المتجدد للشعر الصوفي في الثقافة الإسلامية.”
ويعتبر التصوف من أهم التوجهات في الشعر العربي ولكن تأثيره لم يقف عند حدود الغزليات الروحانية والتأملات الموغلة في الصفاء والبحث عن النقاء، بل تثبت قصائد القشيري أن هناك فلسفة كاملة تقوم خلف رؤاه الصوفية التي بثها في شعره.
وإذا كان مؤرخو التصوف الإسلامي قد أسرفوا في جمع المواضعات الخاصة والمرتبطة بمفهوم التصوف وركزوا غالبا على التجربة الروحية للمتصوفة، معتمدين في ذلك على التعريف الأشهر للتصوف الذي قاله الصوفي الكبير بشر بن الحارث المعروف بالحافي بأن التصوف هو صفاء الأسرار ونقاء الآثار، فإن كثيرين أيضا أكدوا أن التجربة الروحية تلك متلازمة على الدوام مع العقل، بل إن بعضهم أجاز اعتبار صمت المتصوفة خير دليل على إعمال العقل والتدبر في المجردات والمحسوسات. وهذه العرفانية الموغلة في ذهنية السرد هي التي ألجأت الكثير من أقطاب المتصوفة إلى الرمزية في التعبير، والرمزية لغة خاصة ظن أولئك أنها تحميهم من هوس العامة تارة ومن عنف التوجّه الفقهي القائم في فتراتهم تارة أخرى.
ويذكر أنه سيتم إطلاق الكتاب “الشعر والرؤى الروحية: دراسة وتحقيق لكتاب الشواهد والأمثال لأبي نصر القشيري” خلال معرض بيروت العربي الدولي للكتاب في دورته السادسة والستين خلال شهر مايو الجاري.