اخبار الإقليم والعالم
اتفاق لوقف إطلاق النار بين الهند وباكستان لم يصمد لساعات
بعد هجمات دامية استمرّت عدّة أيام بين باكستان والهند، اتفقت الدولتان السبت على “وقف فوري لإطلاق النار” أعلنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مشيدا بـ”المنطق السليم” الذي أبدته القوتان النوويتان. لكن الاتفاق لم يستمر لساعات، حيث تبادل الطرفان الاتهامات بشأن خرقه. وقالت السلطات وسكان وشهود إنه سمع دوي انفجارات في سريناغار وجامو، وشوهدت مقذوفات في سماء جامو ليلا، على غرار أحداث الليلة قبل الماضية.
وقال وزير الخارجية الهندي فيكرام ميسري إن القوات المسلحة الهندية بدأت الرد على انتهاكات باكستان لاتفاق وقف إطلاق النار، بعد ساعات من التوصل إليه. وأضاف ميسري أن القوات المسلحة تلقت تعليمات “بالتعامل بقوة” مع الانتهاكات. وتساءل رئيس السلطة التنفيذية في إقليم كشمير عمر عبدالله عبر منصة إكس “ماذا يحصل مع وقف إطلاق النار؟ نسمع دوي انفجارات في كل مكان في سريناغار”.
ومن الواضح أن هناك خلافا حول تفسير الاتفاقية قد دفع إلى التصعيد، وربما يكون متعلقا باتفاقية المياه، حيث تقول باكستان إنها تدخل في الاتفاق فيما تنفي الهند ذلك. وشدد وزير الدفاع الباكستاني على أن “الأولويات القصوى لنا في المباحثات مع الهند تتمثل في معاهدة مياه نهر السند وكشمير والإرهاب”.
وقالت مصادر حكومية بالهند إن معاهدة مياه نهر السند بين الهند وباكستان لا تزال مُعلقة، رغم توصل البلدين إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. وتُنظم معاهدة عام 1960 التي تمت بوساطة البنك الدولي تقاسم مياه نهر السند وروافده بين الهند وباكستان. وانسحبت الهند منها الشهر الماضي بعد هجوم على سياح هندوس في كشمير أسفر عن قتلى. واتهمت نيودلهي إسلام آباد بدعم الهجوم.
◙ هناك خلاف حول تفسير الاتفاق يتعلق باتفاقية المياه، حيث تقول باكستان إنها تدخل في صلبه فيما تنفي الهند ذلك
وتنفي باكستان تورطها في أعمال عنف، وقالت إنها تعد لإجراء قانوني دولي بشأن تعليق المعاهدة التي تضمن المياه لنحو 80 في المئة من مزارعها. والاتفاقية واحدة من العديد من الإجراءات المتبادلة التي اتخذتها الجارتان بعد هجوم كشمير، بما في ذلك إغلاق الحدود البرية وتعليق التجارة ووقف إصدار جميع فئات التأشيرات تقريبا لمواطني كل منهما.
وقال مصدران من الحكومة الهندية إن جميع الإجراءات المتخذة ضد باكستان، بما في ذلك المتعلقة بالتجارة والتأشيرات، ستظل سارية رغم توقف الأعمال القتالية بين البلدين. ومنذ الأربعاء، تتبادل الدولتان الجارتان قصفا مدفعيا وهجمات بمسيّرات وصواريخ، الأمر الذي أثار مخاوف من وصول الأمور إلى حرب شاملة ودفع العديد من العواصم الأجنبية إلى الدعوة إلى ضبط النفس.
وقال ترامب في منشور عبر منصته “تروث سوشيال”، “بعد ليلة طويلة من المحادثات التي توسّطت فيها الولايات المتحدة، يسعدني أن أُعلن أنّ الهند وباكستان اتفقتا على وقف إطلاق نار شامل وفوري،” مشيدا بالبلدين “للجوئهما إلى المنطق السليم والذكاء العظيم”.
وأكد وزير الخارجية الباكستاني إسحق دار عبر إكس، أن إسلام آباد ونيودلهي وافقتا على “وقف إطلاق نار بمفعول فوري”. وقال رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف في وقت لاحق على منصة إكس إن “باكستان ممتنة للولايات المتحدة لتسهيلها التوصل إلى هذه النتيجة، التي قبلناها لصالح السلام والاستقرار الإقليمي”. وفي تأكيد هندي، أوضح مصدر حكومي في نيودلهي أنّه تم التوصل إلى الاتفاق بعد تفاوض مباشر بين الهند وباكستان، مشيرا إلى أنّ البلدَين الجارين لم يخططا لمناقشة أيّ شيء آخر غير وقف إطلاق النار.
من جانبه، قال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو إنّ الاتفاق جاء بعد مفاوضات مكثّفة أجراها هو ونائب الرئيس جاي دي فانس مع رئيسي الوزراء الهندي ناريندرا مودي والباكستاني شهباز شريف ومسؤولين كبار آخرين. وقال عبر إكس “يسعدني أن أعلن أن حكومتي الهند وباكستان اتفقتا على وقف فوري لإطلاق النار وبدء محادثات بشأن مجموعة واسعة من القضايا في مكان محايد”.
وأشادت عواصم غربية بالاتفاق، ووصفته لندن بـ“المرحب به جدا،” وباريس بأنه “اختيار المسؤولية،” وبرلين بـ“خطوة أولى مهمة”. وأعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، عن أمله أن يؤدي وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان إلى “سلام دائم،” وكذلك إيران. وبعد وقت قصير من صدور هذه الردود اتهم مصدر حكومي هندي باكستان بخرق وقف إطلاق النار. وأفاد صحافيون في وكالة فرانس برس بسماع دوي انفجارات قوية مساء السبت في سريناغار، كبرى مدن الشطر الهندي من كشمير (شمال غرب). وساد الارتياح على جانبي الحدود في كشمير بعد إعلان وقف إطلاق النار.
◙ الحكومة الهندية تقر بأن جميع الإجراءات المتخذة ضد باكستان ستظل سارية رغم توقف الأعمال القتالية بين البلدين
ففي الجانب الباكستاني، قال رجل الأعمال عمران مير (30 عاما) إن وقف الأعمال الحربية “مرحب به،” مضيفا لفرانس برس “نقيم على خط تماس، وفي كل نزاع نحن أكثر من يعاني”. وفي الجانب الهندي، رحب رئيس الحكومة المحلية عمر عبدالله بالخبر الجيد وقال “سنتمكن الآن من أن ننظم في شكل أفضل إيصال الإمدادات ومعالجة الجرحى”. وبدأ الأمر في 22 أبريل عندما شهد الشطر الهندي من كشمير هجوما نفذه مسلّحون قتلوا خلاله 26 شخصا في موقع سياحي.
واتّهمت الهند جماعة “عسكر طيبة”، المنظمة التي تصنّفها الأمم المتحدة إرهابية وتتخذ من باكستان مقرا، بتنفيذ الهجوم. لكن إسلام آباد نفت أي علاقة لها بالهجوم ودعت إلى تحقيق مستقل. وفي أعقاب عقوبات وتهديدات، بدأت الدولتان الأربعاء أسوأ مواجهة عسكرية بينهما منذ عقود.
وفي اليوم المذكور، نفذت الهند ضربات على العديد من المدن الباكستانية مؤكدة أنّها دمّرت فيها “معسكرات إرهابية”، الأمر الذي أثار دوامة من الهجمات والهجمات المضادة. وصباح السبت، أعلنت باكستان أنّها شنّت هجمات مضادة على الهند عقب تعرّض ثلاث من قواعدها الجوية لضربات خلال الليل. وتقع إحدى هذه القواعد بالقرب من إسلام آباد.
وأكد رئيس الحكومة الباكستانية أنّ من خلال هذه العملية “قدّمت باكستان ردا مناسبا للهند وانتقمت للقتلى الأبرياء،” الأمر الذي كان قد تعهّد به في خطاب إلى الأمة الأربعاء. من جانبها، أكدت الهند أنّها تعرّضت لسلسلة هجمات، خصوصا بمسيّرات، على أهداف عسكرية في جميع أنحاء الجزء الشمالي الشرقي من أراضيها. وفي الصباح الباكر، تعرّضت قاعدة أوانتيبورا الجوية القريبة من سريناغار لقصف، ثمّ تعرّضت لقصف مرة أخرى عند الظهيرة، وفقا لمصدر في الشرطة طلب عدم الكشف عن هويته.
وفي ظل هذه التطورات، حضّ روبيو وزيري خارجية البلدين الخصمين على “ضرورة تحديد الطرفين سبل خفض التصعيد واستئناف الاتصالات المباشرة تجبنا لأي سوء تقدير،” بينما رفعت الصين نبرتها، داعية “بحزم” الجارتين إلى ممارسة ضبط النفس. وبحسب الحصيلة الرسمية الصادرة عن الجانبين، أدت أعمال العنف إلى مقتل حوالي 60 مدنيا منذ الأربعاء. وتسبّبت حالة الحرب هذه بحركة نزوح كبيرة على جانبي “خط المراقبة” الذي يفصل منطقة كشمير المتنازع عليها بين الدولتين. وبعد الإعلان عن وقف إطلاق النار، أعادت باكستان فتح مجالها الجوي بينما بقي 32 مطارا في الجزء الشمالي الغربي من الهند في حالة إغلاق.