اخبار الإقليم والعالم
ستاربيس مجتمع إسبارطي لغزو الفضاء
الحياة على الأرض مهددة بالفناء على المدى الطويل. هذه ليست نبوءة عراف، بل ما يتوقعه ويؤمن به رجل الأعمال والملياردير الأميركي إيلون ماسك، الذي يُعرف بابتكاراته في مجالات السيارات الكهربائية واستكشاف الفضاء والذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة، وهو مؤسس شركة “سبيس إكس” والرئيس التنفيذي لشركة “تسلا”، وشارك أيضا في تأسيس “نيورالينك” و”ذا بورينغ كومباني”.
يحذّر ماسك بشكل خاص من تغيرات تطال الكون، مثل توسّع الشمس الذي سيجعل الأرض غير صالحة للسكن، ويدعو إلى استعمار المريخ ليصبح مدينة يلجأ إليها البشر وتضمن استمرار جنسهم، ويصف ذلك بأنه “تأمين على الحياة الجماعية.”
لا يختلف العلماء مع ماسك الذي اعتاد أن يثير الجدل في كل مرة تحدث فيها، حول حقيقة أن الحياة على الأرض مهددة ما لم يتم اتخاذ تدابير عاجلة لوقف التدهور البيئي، ولكنهم يختلفون معه حول الحل المناسب لهذه الأزمة.
هناك شخصيات بارزة تؤيد فكرة ماسك الداعية إلى استعمار الفضاء، أشهرهم ستيفن هوكينغ (عالم الفيزياء الراحل)، الذي حذر من أن البشرية يجب أن تصبح متعددة الكواكب لتجنب الانقراض، وجيف بيزوس (مؤسس أمازون)، الذي يرى أن الحل لمشاكل الأرض يكمن في نقل الصناعات الثقيلة إلى الفضاء.
لكن هناك أيضًا شخصيات تعارض رؤيته، مثل روبرت زوبرين (مهندس فضاء)، الذي يرى أن استعمار المريخ سيستغرق عقودًا، وأن ماسك مشتت بين مشاريعه المختلفة، إلى جانب علماء بيئة يعتقدون أن التركيز يجب أن يكون على إنقاذ الأرض بدلًا من البحث عن كوكب بديل.
في مقابلة مع قناة “فوكس نيوز” قال ماسك إن الشمس تتمدد تدريجيًا، وفي النهاية ستبتلع الأرض، مضيفًا “المريخ هو تأمين على الحياة للجميع. في نهاية المطاف، ستدمر الشمس كل أشكال الحياة على الأرض، لذلك نحن بحاجة إلى أن نصبح حضارة متعددة الكواكب.”
وأكد ماسك أن هدفه لا يقتصر على إرسال بعثة مؤقتة إلى المريخ، بل يتجاوز ذلك إلى بناء مجتمع مكتفٍ ذاتيًا، يمكنه الاستمرار حتى لو توقف الإمداد من الأرض لأي سبب، سواء بسبب كارثة مفاجئة أو انقطاع دائم.
وأضاف “إذا كانت سفن الإمداد ضرورية لبقاء المريخ، فإننا لم نحقق تأمينًا على الحياة. النقطة المحورية في المستقبل هي عندما يصبح المريخ مكتفيًا ذاتيًا.”
ويتصور ماسك مدينة على المريخ تكون قادرة على إنتاج الغذاء والطاقة، بحيث يصبح الكوكب صالـحًا للسكن دون الحاجة إلى دعم مستمر من الأرض.
وأشار إلى أن هذه المرحلة تعد “مفترق طرق حاسمًا في مسار القدر،” وهو تعبير يستخدمه ماسك كثيرًا عند الحديث عن مشاريعه الكبرى.
ويقدّر العلماء أن الشمس ستتحول إلى نجم أحمر عملاق خلال خمسة مليارات سنة، ما قد يؤدي إلى ابتلاع عطارد والزهرة وربما الأرض، وفقًا للعاملين في وكالة ناسا.
ويخطط ماسك لإرسال بعثات غير مأهولة إلى المريخ في وقت مبكر من عام 2026، بهدف إعداد البنية التحتية لاستقبال البشر لاحقًا.
وسبق لماسك أن تعهّد عام 2011 بإرسال أول إنسان إلى المريخ خلال عقد، ثم عاد وأعلن لاحقًا عن نية إطلاق مهمة مأهولة بحلول 2024، قبل أن يتراجع ويؤكد الشهر الماضي أن أول رحلة إلى الكوكب الأحمر ستحمل روبوت “أوبتيموس” من “تسلا”، ومن المتوقع إطلاقها في نهاية عام 2026.
هل تؤخذ تحذيرات ماسك على محمل الجد؟
إيلون ماسك لديه رؤية طموحة لمستقبل البشرية، خاصة في ما يتعلق باستعمار المريخ وتطوير الذكاء الاصطناعي والطاقة المستدامة. بعض أفكاره تُعتبر ثورية، لكن هناك آراء متباينة حول مدى واقعيتها:
● مؤيدون: يرى البعض أن ماسك لديه سجل حافل بالنجاحات، مثل إطلاق صواريخ قابلة لإعادة الاستخدام، وتطوير السيارات الكهربائية، ما يجعله شخصًا يمكن الوثوق برؤيته المستقبلية.
● معارضون: هناك من يعتقد أن بعض أفكاره مبالغ فيها أو غير قابلة للتنفيذ في الوقت الحالي، مثل استعمار المريخ، الذي يواجه تحديات تقنية ومالية ضخمة.
إذا نجحت تلك المهمة، يتوقع ماسك أن يتم إرسال أول إنسان إلى المريخ بحلول عام 2029، مع ترجيح أن يكون عام 2031 هو الموعد الأقرب لتحقيق الحلم.
ويعتمد المشروع على مركبة “ستارشيب” القابلة لإعادة الاستخدام، والتي صُمّمت لنقل البشر والبضائع إلى المريخ، وتُعتبر حجر الزاوية في خطة ماسك.
ويهدف ماسك إلى إرسال مليون شخص إلى المريخ بحلول منتصف خمسينات القرن الحادي والعشرين، ما يجعل الاستيطان هناك ممكنًا على نطاق واسع.
وفقًا لخطط الشركة المطورة، فإن نظام “ستارشيب” الفضائي سيكون متعدد المهام. سيتم استخدامه في إصدارات مختلفة للرحلات المأهولة إلى المدار الأرضي، وإطلاق الأقمار الصناعية، والقيام برحلات فضائية إلى القمر والمريخ، وكذلك إلى الأجرام السماوية البعيدة.
ومن المقرر أن تقوم وحدة التسريع القابلة لإعادة الاستخدام ومركبة “ستارشيب” المأهولة بهبوط عمودي على الأرض. ووفقًا للمشروع الحالي، يبلغ الارتفاع الكلي للنظام الفضائي 121 مترًا، بما في ذلك المركبة الفضائية بارتفاع 50 مترًا، ووحدة التسريع بارتفاع 71 مترًا، ويبلغ قطر النظام 9 أمتار، وقدرة الحمولة 100 – 150 طنًا.
وتشمل خطة ماسك الجموحة إطلاق غازات احتباس الحراري لتدفئة كوكب المريخ وزيادة سماكة غلافه الجوي، ليكون أكثر شبهًا بكوكب الأرض. كما سيتم الاعتماد على ألواح شمسية لتوليد الطاقة وتدفئة المنازل، ومن المحتمل أن توكل عملية التصنيع لشركة “تسلا” التابعة له.
وتواجه خطة ماسك تحديات كبيرة، مثل التعرض للإشعاع الفضائي ونقص الموارد والتأخير الزمني في الاتصالات، لكن ماسك يرى أن الابتكار التكنولوجي يمكن أن يساعد في التغلب على كل هذه المعوقات.
السؤال الرئيسي، كما يؤكد ماسك، هو “هل مستوى التطور التكنولوجي الحالي كافٍ لضمان وجود الحضارة البشرية على المريخ في حالة توقف الإمدادات من الأرض؟” إن لم يكن ذلك متاحا فإن “المريخ سينتهي،” حسب قوله.
تحذير ماسك تزامن مع إعلان فوزه في تصويت محلي لتحويل موقع شركته “سبيس إكس” في بوكا تشيكا، جنوب ولاية تكساس، إلى مدينة رسمية تُسمى “ستاربيس”. وصوّت السكان المحليون بأغلبية 173 صوتًا مقابل 4 لصالح إنشاء المدينة، ومعظمهم من موظفي “سبيس إكس” الذين انتقلوا إلى هناك بعد تغييرات في قوانين الهوية الجنسية في كاليفورنيا.
وصرّح متحدث باسم المدينة عبر منصة إكس قائلًا “التحول إلى مدينة سيساعدنا على بناء أفضل مجتمع ممكن للرجال والنساء الذين يشيدون مستقبل البشرية في الفضاء.”
وتعد “ستاربيس” قاعدة إطلاق رئيسية لصواريخ “سبيس إكس” بالتعاون مع وزارة الدفاع الأميركية ووكالة ناسا، بهدف إرسال بعثات إلى القمر ثم إلى المريخ.
وتشغل “ستاربيس” مساحة 1.45 ميل مربع بالقرب من خليج المكسيك، وتضم منشآت لإطلاق الصواريخ، إضافةً إلى مساكن لموظفي الشركة وعائلاتهم.
جميع المسؤولين المنتخبين في المدينة هم موظفون حاليون أو سابقون في “سبيس إكس”، ما يمنح ماسك نفوذًا شبه كامل على إدارة المدينة.
ويمنح إنشاء المدينة “سبيس إكس” صلاحيات تنظيمية واسعة، مثل التحكم في إغلاق الطرق والشواطئ أثناء عمليات الإطلاق، وهو ما كان يتطلب سابقًا موافقة السلطات المحلية. كما يسمح المشروع لماسك بتجاوز العقبات التنظيمية، وهو ما يساعد في تسريع عمليات إطلاق واختبار “ستارشيب”.
ويُنظر إلى “ستاربيس” على أنها خطوة نحو مستقبل المدن المدعومة بالتكنولوجيا، حيث تتحكم الشركات الكبرى في البنية التحتية والخدمات المحلية. لكن المشروع أثار مخاوف بيئية، خاصةً حول تأثير عمليات الإطلاق على المنطقة، كما أن بعض السكان المحليين اعترضوا على النفوذ المتزايد لشركة “سبيس إكس”.
ويبدو أن “ستاربيس” ليست مجرد مدينة، بل هي مختبر لمستقبل البشرية في الفضاء، حيث تُطبّق فيه مبادئ المجتمع الإسبرطي، الذي يمنح الأولوية للمصلحة العامة على حساب المصالح الشخصية، ويُعزز القوة الجسدية والفكرية لمواجهة التحديات التي قد تواجه المستعمرين الأوائل للفضاء مستقبلا.