اخبار الإقليم والعالم
تصعيد عسكري هندي - باكستاني يشعل مخاوف حرب شاملة
تشهد منطقة جنوب آسيا تصعيدا خطيرا ينذر بانزلاق نحو مواجهة شاملة بين الهند وباكستان، الدولتين النوويتين اللتين طالما شكّل الصراع بينهما حول إقليم كشمير محور توتر دائم.
وفي أحدث تطور خطير، حذّر وزير الدفاع الباكستاني خواجة محمد آصف الأربعاء من احتمال اندلاع حرب نووية في أي لحظة، إذا استمرت الهند في ما وصفه بـ”فرض حرب شاملة على المنطقة”.
وجاءت تصريحاته خلال مقابلة مع قناة “جيو نيوز”، بعد ساعات على غارات جوية وصاروخية شنتها الهند على مواقع داخل الأراضي الباكستانية ومنطقة آزاد كشمير، أدت إلى مقتل 26 شخصا وإصابة 46 آخرين، وفق ما أعلنته السلطات في إسلام آباد، التي وصفت المواقع المستهدفة بأنها مناطق مدنية مأهولة بالسكان.
ويقول الدكتور مايكل كوغلمان، نائب مدير مركز ويلسون للأبحاث والمتخصص في شؤون جنوب آسيا “الخطورة تكمن في أن أي مواجهة تقليدية بين الهند وباكستان يمكن أن تتدهور بسرعة إلى نزاع نووي، خاصة في ظل غياب آليات اتصال سريعة لاحتواء التصعيد.”
وقوبل الهجوم الهندي، الذي حمل اسم “عملية سيندور”، برد فوري من الجانب الباكستاني، حيث أعلن الجيش إسقاط خمس طائرات مقاتلة هندية، ثلاث منها على الأقل من طراز رافال الفرنسية، حسب ما أكده رئيس الوزراء شهباز شريف في خطاب أمام البرلمان، مشيرا إلى أن نحو 80 طائرة هندية شاركت في الهجوم الليلي وأن القوات الجوية الباكستانية تمكنت من التصدي لها.
وأكد شريف أن لبلاده كامل الحق في الرد على ما اعتبره “عملا حربيا”، موضحا أن الردود الجارية تأتي في إطار الدفاع عن السيادة الوطنية وردع العدوان.
ويرى الجنرال المتقاعد طلعت مسعود، الخبير الباكستاني في شؤون الدفاع، أن طبيعة الرد الباكستاني تكشف عن تحول واضح في قواعد الاشتباك بين الطرفين.
وأضاف مسعود “رد باكستان يُظهر أن الجيش حصل على ضوء أخضر سياسي كامل، ما يعني أن أي استفزاز جديد قد يؤدي إلى ردود فعل أوسع نطاقا. التصعيد الآن يخضع للحسابات السياسية بقدر ما يخضع للواقع الميداني.”
وتعود بداية التصعيد إلى هجوم دام استهدف سائحين في منطقة باهالغام بإقليم كشمير الخاضع للهند في الثاني والعشرين من أبريل الماضي، أسفر عن مقتل 26 شخصا، واتهمت نيودلهي جماعات مسلحة تنشط داخل باكستان بتنفيذه.
وعلى إثر ذلك، أعلنت الهند استهداف تسعة مواقع قالت إنها تابعة لجماعات جهادية، بينما تؤكد باكستان أن الضربات طالت مناطق مدنية تضم نساء وأطفالا، مما فاقم من حدة الأزمة وعمّق مشاعر الغضب الشعبي والرغبة في الرد.
وتحذر الخبيرة الهندية في السياسات النووية بهاراتا ناياك من أن الاعتماد على الردع النووي لا يقلل من حجم المخاطر.
وقالت ناياك “كلا البلدين يعتمدان على العقيدة النووية الرادعة، لكن الخطر الحقيقي هو في غياب الشفافية وانعدام الثقة، ما يجعل من إمكانية حدوث خطأ إستراتيجي أمرا واردا في أي لحظة.”
وفي ظل هذا التوتر، منح مجلس الوزراء الأمني الباكستاني تفويضا كاملا للجيش بالرد، وهو ما ينذر بانزلاق خطير نحو صراع مفتوح.
وتتسارع التحركات الدبلوماسية العالمية في محاولة لتطويق الأزمة، إذ دعت كل من الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وروسيا، والصين، إلى ضبط النفس وتفادي المزيد من التصعيد، محذرين من عواقب لا تحمد على الأمن الإقليمي والدولي، خاصة في ظل وجود ترسانتين نوويتين على طرفي النزاع.
التصعيد العسكري ينذر بمواجهة شاملة، وسط غياب آليات احتواء فعالة وتزايد المخاوف من انزلاق الصراع إلى مواجهة نووية
ويؤكد السفير الأميركي السابق لدى الهند تيموثي رومر على ضرورة تدخل القوى الكبرى بشكل أكثر فاعلية.
وقال رومر “المجتمع الدولي، وخاصة واشنطن وبكين، عليه التدخل بجدية أكبر للضغط على الطرفين للعودة إلى طاولة الحوار، فاستمرار الصمت الدولي قد يُفسر كضوء أخضر ضمني للمزيد من التصعيد.”
ويعكس التصعيد الأخير مدى هشاشة الوضع الأمني في جنوب آسيا، ويفتح الباب أمام سيناريوهات خطرة، خصوصا في غياب قنوات حوار فعالة أو آليات لاحتواء الأزمات المتكررة.
ورغم المحاولات الدولية للتهدئة، تبدو المنطقة اليوم أقرب من أي وقت مضى إلى حافة الانفجار، وسط خطابات قومية متشددة وواقع ميداني يزداد سخونة.
ورغم أن الولايات المتحدة والصين وروسيا تلعب دورا في تهدئة الأوضاع عند كل تصعيد، فإن تأثير هذه القوى يظل محدودا، نظرا لحساسية الطرفين تجاه أي تدخل خارجي في ما يعتبرانه شأنا سياديا.
وغالبا ما تكتفي هذه الدول بالدعوة إلى ضبط النفس، دون طرح مبادرات حقيقية لتسوية جذرية. ويُعد توازن المصالح الاقتصادية والإستراتيجية مع كل من الهند وباكستان سببا رئيسيا في تردد القوى الكبرى في ممارسة ضغوط حاسمة.
ورغم توقيع عدة اتفاقات تهدئة، أبرزها “اتفاقية شملا” عام 1972 و”إعلان لاهور” عام 1999، فإن محاولات بناء الثقة بين البلدين غالبا ما تتوقف فجأة نتيجة لتغير المزاج السياسي الداخلي أو وقوع أحداث أمنية.
غياب التكامل الإقليمي يعد من أبرز ضحايا النزاع المزمن، في وقت تواجه فيه المنطقة تحديات تنموية ومناخية ملحة
وتعاني قنوات الحوار الثنائي من شلل شبه دائم، في ظل تصاعد الخطاب القومي في كل من نيودلهي وإسلام آباد، واستخدام القضية الكشميرية كورقة سياسية داخلية، مما يعيق أي تقدم نحو حلول مستدامة.
ومنذ أن أجرت الهند وباكستان تجاربهما النووية في مايو 1998، دخل النزاع بين البلدين مرحلة أكثر تعقيدا، حيث أصبح أي تصعيد عسكري يحمل في طياته تهديدا باندلاع مواجهة نووية.
ورغم تبني الجانبين لسياسات “الردع المتبادل”، فإن غياب آليات فعالة للتواصل العسكري، مثل خطوط الاتصال الساخنة، يزيد من احتمال وقوع أخطاء في التقدير.
وقد أثارت المواجهات السابقة، مثل أزمة كارجيل عام 1999، قلقا عالميا من أن تنزلق المناوشات إلى استخدام السلاح النووي، ما يجعل أي تصعيد حالي محل متابعة لصيقة من القوى الكبرى.
يرجع جذور التوتر المزمن بين الهند وباكستان إلى العام 1947، مع تقسيم شبه القارة الهندية ونشوء الدولتين المستقلتين. ومنذ ذلك الحين، خاض الطرفان ثلاث حروب كبرى، اثنتان منها بسبب النزاع على إقليم كشمير، الذي لا يزال مقسما بين البلدين، مع مطالبات متضاربة بالسيادة الكاملة عليه.
وتعد منطقة كشمير من أكثر المناطق عسكرة في العالم، وتشكل نقطة اشتعال مستمرة بفعل العمليات العسكرية والهجمات المتبادلة، فضلا عن وجود جماعات مسلحة تنشط في المنطقة وتزيد من حدة المواجهات.
ورغم العديد من المبادرات الإقليمية والدولية، فشلت كل المحاولات السابقة للتوصل إلى تسوية دائمة، في ظل غياب الإرادة السياسية وتنامي النزعة القومية لدى الطرفين، ما يجعل فرص التصعيد دائما قائمة، ويجعل أي حادث أمني بمثابة شرارة لصراع أوسع.
ويحمل الصراع بين الهند وباكستان أيضا أبعادا دينية متجذرة في تاريخ تقسيم الهند البريطانية عام 1947، والذي أسفر عن واحدة من أكبر موجات النزوح والاقتتال الطائفي في القرن العشرين، بين الهندوس والمسلمين.
ورغم مرور أكثر من سبعة عقود، لا تزال الذكريات الجماعية لذلك الفصل التاريخي تلقي بظلالها على العلاقة بين الشعبين، وتستغل سياسيا في الخطاب القومي لتبرير السياسات المتشددة، خاصة في كشمير، ذات الأغلبية المسلمة الخاضعة للحكم الهندي.
ويشكل سكان كشمير الحلقة الأضعف في هذا النزاع، إذ يعيش الملايين من المدنيين في ظل وجود عسكري كثيف، وانتهاكات مستمرة لحقوق الإنسان.
وتؤكد منظمات دولية أن سكان كشمير يعانون من حصار دائم، وقيود على الحريات، وعمليات اعتقال تعسفي، وانقطاع متكرر للاتصالات. كما يتسبب تبادل القصف على جانبي “خط السيطرة” في سقوط ضحايا من المدنيين بشكل دوري، ويزيد من حدة التوتر الإنساني في المنطقة.
ويبقى القلق الأكبر هو أن تفضي الحسابات السياسية أو الأخطاء العسكرية إلى مواجهة كارثية لا يمكن السيطرة على تداعياتها، ليس فقط على المستوى الإقليمي، بل على العالم بأسره.
ولا يقتصر تأثير التوتر بين الهند وباكستان على حدودهما الجغرافية فقط، بل يمتد أيضا إلى زعزعة استقرار منطقة جنوب آسيا ككل، وهي منطقة تضم قرابة ربع سكان العالم.
ويؤثر النزاع بشكل مباشر على الأمن الإقليمي، وعلى جهود التعاون الاقتصادي في إطار تجمعات إقليمية مثل “رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي”، التي تعطلت اجتماعاتها مرارا بسبب الخلافات الثنائية.
ويعد غياب التكامل الإقليمي من أبرز ضحايا النزاع المزمن، في وقت تواجه فيه المنطقة تحديات تنموية ومناخية ملحة.