منوعات
روبوتات الدردشة V محركات البحث.. من يبتلع من؟
أعتبر نفسي واحدا من بين عشرات الآلاف إن لم يكن مئات الآلاف، الذين دفعتهم الحمية والحماس إلى الاعتقاد بأن روبوتات الدردشة ستضع نهاية لمحركات البحث، رغم الاستقبال الحافل الذي أبديته وأبداه آخرون لهذه المحركات مع بداية ظهورها.
محركات البحث بدأت كأدوات بسيطة للبحث عن الملفات عبر الإنترنت قبل ظهور الويب كما نعرفه اليوم. وكان أول محرك بحث موثق هو “أرشي” (Archie)، الذي تم تطويره عام 1990 من قبل آلان إيمتاج، وهو طالب في جامعة ماكغيل في مونتريال، كندا. كان الهدف الأساسي من “أرشي”، هو فهرسة ملفات بروتوكول نقل الملفات (FTP) لمساعدة المستخدمين في العثور على الملفات المتاحة على الإنترنت بسهولة.
سرعان ما شهدت محركات البحث تطورات كبيرة خلال العقود الماضية، حيث ظهر “واندكس” عام 1993، الذي كان أول فهرس تم إنشاؤه بواسطة زاحف ويب طوره ماثيو غراي في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. وبعد ذلك، في عام 1994، ظهر “ويب كراولر”، الذي كان أول محرك بحث يسمح للمستخدمين بالبحث عن أي كلمة على أي صفحة ويب، مما جعله أكثر تطورًا من سابقيه. وفي نفس العام، تم إطلاق محرك “لايكوس”، الذي بدأ كمشروع بحثي في جامعة كارنيغي ميلون، لكنه تحول لاحقًا إلى شركة تجارية ناجحة.
مع نهاية التسعينات، ظهرت محركات بحث قوية مثل “ألتا فيستا” و”إنفوسيك”، والتي قدمت ميزات بحث متقدمة وسرعة أكبر في عرض النتائج. لكن الحدث الأبرز جاء في عام 1998، عندما تأسست شركة “غوغل”، التي أحدثت ثورة في عالم البحث عبر الإنترنت بفضل خوارزمية PageRank التي طورها لاري بيج وسيرجي برين في جامعة ستانفورد. وقد مكّنت هذه الخوارزمية محرك البحث من تقديم نتائج بحث أكثر دقة وملاءمة للمستخدمين.
ولإدراك أهمية غوغل، أضيفت إلى قواميس اللغة مفردة “غوغلها”، إشارة إلى البحث على الإنترنت.
خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ظهرت محركات بحث منافسة مثل “بينغ” و”ياهو”، اللذين سعيا إلى تقديم نتائج بحث محسنة وتجربة مستخدم أفضل. واليوم، تعتمد محركات البحث الحديثة على الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الضخمة لتحسين دقة البحث. كما توفر ميزات متطورة مثل البحث الصوتي والبحث المرئي والبحث التنبئي، حيث أصبحت هذه الأدوات أكثر قدرة على فهم احتياجات المستخدم وتقديم نتائج مخصصة.
ومع تصاعد المخاوف المتعلقة بخصوصية المستخدم، برزت محركات بحث مثل “DuckDuckGo”، التي تركز على تقديم نتائج بحث دون تتبع بيانات المستخدم الشخصية، مما يوفر مزيدًا من الخصوصية والأمان. ومع ذلك، لا تزال جوجل تحتل الصدارة بفضل نظامها المتطور في فهرسة المحتوى وتحليل طلبات البحث.
تطورت محركات البحث بشكل مذهل، وأصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، حيث تساعدنا في الوصول إلى المعلومات بسرعة ودقة. بعد ثلاث سنوات من حمى روبوتات الدردشة، يعود المستخدمون إلى محركات البحث وفضائلها وما تقدمه من ميزات على روبوتات الدردشة. وهنا لا بد من إعطاء لكل حقه، بإجراء مقارنة بين فضائل ومساوئ كل منهما.
في عالم التقنية الحديثة، برزت محركات البحث وروبوتات الدردشة المدعومة بالذكاء الاصطناعي كأدوات أساسية للحصول على المعلومات والتفاعل مع المحتوى الرقمي. ورغم أن كليهما يهدف إلى تقديم إجابات للمستخدمين، إلا أن هناك اختلافات جوهرية بينهما في آلية العمل، وطريقة الإجابة، والتفاعل مع المستخدم.
تعتمد محركات البحث على فهرسة صفحات الإنترنت بناءً على كلمات مفتاحية، حيث يقوم المستخدم بإدخال استفسار معين، فتقوم الخوارزميات بعرض قائمة من الروابط ذات الصلة ليستكشفها بنفسه. على الجانب الآخر، تعتمد روبوتات الدردشة بالذكاء الاصطناعي على نماذج متقدمة لفهم اللغة الطبيعية وتحليل الاستفسارات، مما يسمح لها بتقديم إجابات مباشرة دون الحاجة إلى تصفح الروابط.
أحد الفروقات الأساسية بينهما هو المرونة؛ فمحركات البحث تعمل وفق قاعدة بيانات ضخمة لكنها محدودة بالمحتوى المتاح على الإنترنت، في حين أن روبوتات الذكاء الاصطناعي تمتلك القدرة على إنشاء محتوى جديد، تلخيص المعلومات، وتحليل البيانات وفقًا لسياق الحوار، ما يجعلها أكثر تكيفًا مع احتياجات المستخدم.
◙ روبوتات الذكاء الاصطناعي، فهي تفاعلية وتستطيع تذكر سياق الحديث، ما يسمح للمستخدم بالتواصل بطريقة متسلسلة
أما من ناحية طريقة الإجابة، فإن محركات البحث تقدم نتائج على شكل روابط، مما يتطلب من المستخدم بذل جهد إضافي لقراءة وتحليل المعلومات المتاحة في المصادر المختلفة. أما روبوتات الذكاء الاصطناعي، فتقدم إجابة مباشرة تلخص المعلومات المطلوبة بطريقة سهلة الفهم، مما يساعد في توفير الوقت والجهد على المستخدم.
الجانب التفاعلي أيضًا يلعب دورًا مهمًا في التمييز بين الاثنين؛ فمحركات البحث لا توفر تجربة محادثة، بل تعتمد على إدخال استفسارات منفصلة. أما روبوتات الذكاء الاصطناعي، فهي تفاعلية وتستطيع تذكر سياق الحديث، ما يسمح للمستخدم بالتواصل بطريقة متسلسلة والحصول على معلومات مترابطة دون الحاجة إلى إعادة إدخال التفاصيل في كل مرة.
لكن الدقة تبقى عنصرًا مهمًا عند مقارنة الاثنين؛ فمحركات البحث قد تتأثر بالإعلانات وتقنيات تحسين محركات البحث (SEO)، مما قد يؤدي إلى عرض نتائج غير دقيقة أو غير موثوقة. أما روبوتات الذكاء الاصطناعي، فرغم قدرتها على تحليل البيانات، فإن دقة معلوماتها تعتمد على البيانات المتاحة لها، مما يعني أنها قد تواجه قيودًا إذا لم تكن قواعد بياناتها محدثة.
من حيث الاستخدامات، فإن محركات البحث مثالية للبحث عن الأخبار، الدراسات، والمصادر المتعددة، بينما تُستخدم روبوتات الدردشة في إنشاء المحتوى، الإجابة على الأسئلة، دعم العملاء، وحتى المساعدة في البرمجة. في الواقع، يمكن الجمع بين الاثنين لتحقيق أفضل تجربة للمستخدم، حيث توفر محركات البحث مصادر متنوعة، بينما تساعد روبوتات الذكاء الاصطناعي في تحليل وتلخيص هذه المعلومات.
في النهاية، يعتمد اختيار الأداة الأنسب على طبيعة الحاجة؛ فإذا كنت بحاجة إلى معلومات شاملة ومتنوعة مع إمكانية التحقق من مصادر متعددة، فمحركات البحث هي الخيار الأفضل. أما إذا كنت تبحث عن إجابة واضحة وسريعة دون الحاجة إلى تصفح العديد من الروابط، فإن روبوتات الذكاء الاصطناعي توفر تجربة أكثر سلاسة وفعالية. المستقبل يبدو واعدًا لكليهما، حيث يواصل الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الرقمية التطور بشكل مستمر لخدمة المستخدمين بطرق أكثر ذكاءً وابتكارًا.
أوبن إيه آي التي بدأت فورة روبوتات الدردشة، وحققت نجاحا يحسدها الآخرون عليه، ضمن فترة زمنية قصيرة جدا، تدرك أن المعركة لا يمكن أن تربح في مواجهة محركات البحث. ووفق شهادة أدلى بها أحد كبار المسؤولين التنفيذيين في الشركة الثلاثاء ونشرتها وسائل الإعلام تبدي الشركة استعدادا لشراء متصفح “كروم” إذا اضطرت مالكته غوغل لبيعه في إطار محاكمة في قضية لمكافحة الاحتكار.
وكشف مدير المنتجات في “أوبن إيه آي” نك تورلي عن اهتمام الشركة بمتصفح الإنترنت الأكثر هيمنة في العالم أثناء إدلائه بشهادته في محكمة بواشنطن العاصمة. وتحدث تورلي أمام قاضٍ سيقرر الإجراءات التي سيُفرضها على غوغل بعد اتخاذ قرار تاريخي العام الماضي بأن مجموعة التكنولوجيا العملاقة تمارس احتكارا غير قانوني في مجال محركات البحث عبر الإنترنت.
ودعا محامو الحكومة الأميركية القاضي أميت ميهتا إلى إجبار غوغل على بيع متصفح “كروم”، بذريعة أن الذكاء الاصطناعي سيساعد هيمنة عملاق التكنولوجيا على قطاع محركات البحث عبر الإنترنت. غوغل من جانبها ردت دفاعا عن نفسها بأن الحكومة الأميركية تجاوزت نطاق الدعوى بكثير من خلال التوصية بإجبارها على بيع “كروم” وإبقاء خيار فرض بيع نظام تشغيل “أندرويد” للهواتف المحمولة مفتوحا.
وأشار رئيس الشؤون العالمية في غوغل كينت ووكر إلى أن القضية القانونية ركزت على اتفاقيات غوغل مع شركاء مثل آبل وسامسونغ لتوزيع أدوات البحث الخاصة بها. كتب ووكر في تدوينة “اختارت وزارة العدل الأميركية الدفع بأجندة تدخلية متطرفة من شأنها الإضرار بالأميركيين وبريادة أميركا في مجال التكنولوجيا العالمية.” مضيفا “اقتراح وزارة العدل المُبالغ فيه يتجاوز بكثير قرار المحكمة.”
ووفق تقديرات لمحللين اقتصاديين في “بلومبيرغ” سعر متصفح “كروم”، الذي يستخدمه أكثر من ثلاثة مليارات مستخدم، لا يقل عن 15 مليار دولار. وتواصلت شركة “أوبن إيه آي” مع غوغل لإقناعها بدمج تقنية البحث الخاصة بها في مساعدها “تشات جي بي تي”، لكن طلبها قوبل بالرفض، وفق تقارير إعلامية.
وغوغل من بين شركات التكنولوجيا التي تستثمر بكثافة لتصبح من بين رواد الذكاء الاصطناعي، وهي تُدمج هذه التقنية في محركات البحث وغيرها من الخدمات عبر الإنترنت. وكانت وزارة العدل الأميركية قد رفعت دعوى ضدها بشأن هيمنتها على البحث على الإنترنت في عام 2020.
وأصدر القاضي ميهتا حكما ضد غوغل في أغسطس 2024، استأنفته مجموعة التكنولوجيا العملاقة. ومهما كان الحكم في النهاية، حتى لو نجحت أوبن إيه آي في الاستحواذ على كروم، فإن كلمة غوغل ستبقى مسجلة في قواميس اللغة ومستخدمة بين الباحثين عن معلومات في الإنترنت.. غوغلها.