اخبار الإقليم والعالم
بوادر مبادرة من ترامب تهز جمود موضوع الصحراء الذي ظل يراوح مكانه لعقود
يسعى الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البحث عن حلول لمختلف النزاعات، ووصل اهتمامه هذه المرة إلى موضوع الصحراء الذي ظل يراوح مكانه لعقود بالرغم من المساعي المتعددة للأمم المتحدة لمقاربة هذا الملف.
لكن التدخل الأميركي لن ينطلق من فراغ، وهو يحتكم إلى اعتراف ترامب في ولايته الأولى بمقاربة المغرب القائمة على الحكم الذاتي، وهو موقف عاد وأكده وزير الخارجية ماركو روبيو قبل فترة خلال لقائه بوزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة في واشنطن، ثم شدد عليه مستشار ترامب للشؤون الأفريقية والشرق أوسطية مسعد بولس.
ويرى مراقبون أن عرض الوساطة الأميركي بين الجزائر والمغرب لا يعني العودة به إلى نقطة الصفر، وإلا فلا معنى للوساطة، مشيرين إلى أن ما يهم ترامب هو الانطلاق من قاعدة تحوز على دعم شق واسع من الدول الكبرى ودول أفريقيا والشرق الأوسط، وهي قاعدة الحكم الذاتي الموسع، وجمع المغرب والجزائر حولها كونهما المعنيين بالصراع بشكل مباشر.
هشام معتضد: تصريحات المسؤولين الأميركيين تعكس توجه إدارة ترامب التي تعترف بسيادة المغرب على الصحراء
ويعود اهتمام ترامب بالتدخل لتحريك ملف الصحراء إلى أهمية منطقة شمال أفريقيا في الإستراتيجية الأمنية للولايات المتحدة سواء في محاربة الإرهاب أو في حل النزاعات وخلق مناخ إيجابي لشراكات اقتصادية أميركية – أفريقية. وهذا الحرص هو ما يفسر رغبة واشنطن في تسريع التفاهمات بين البلدين الجارين، وأيّ طرف يرفض اليد الأميركية الممدودة سيجد نفسه في موقف صعب.
وإذا كانت شراكة المغرب مع واشنطن واضحة وعميقة ولا تتخللها مشاكل، فإن الأنظار تتجه إلى الجزائر، فهي تعمل ما في وسعها للتقارب مع إدارة ترامب، وسبق أن عرضت التعاون الدفاعي مع واشنطن، وألمح سفير الجزائر في الولايات المتحدة صبري بوقادوم إلى استعداد بلاده لعقد صفقة عسكرية كبرى، كما أن الجزائر طرف مباشر في التنسيق الأمني مع أفريكوم، وهو ما يجعل رفضها لتهدئة الصراع مع المغرب ووقف التصعيد، في حال فكرت في ذلك، موقفا متناقضا مع السعي للتنسيق الأمني.
ويراهن الأميركيون على أن وضع الجزائر لا يسمح لها بأن تربك وساطتهم، وإلا سيضطرون إلى التعامل معها كما حصل مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي وجد نفسه مجبرا على القبول بما تطرحه واشنطن.
وكشف مستشار ترامب للشؤون الأفريقية والشرق أوسطية عن استعداده لزيارة الجزائر والمغرب، في إطار مسعى أميركي لإنهاء الأزمة بين البلدين.
وسعى الجزائريون لقراءة هذه الرغبة على أنها تعبّر عن تراجع في الموقف الأميركي، ما دفع المستشار للعودة مجددا إلى الموضوع وتأكيد أن الموقف الأميركي من قضية الصحراء “صريح جدا ولا يتخلله أيّ شك أو أي لبس،” وهو الاعتراف “التام والكامل بسيادة المغرب على الصحراء“.
ويأتي تصريح المسؤول الأميركي متضامنا مع الزخم الذي تعرفه العلاقات المغربية – الأميركية على كافة الأصعدة السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية من خلال صفقات دفاع والمشاركة في مناورات الأسد الأفريقي.
وأكد هشام معتضد الخبير المغربي في العلاقات الخارجية والشؤون الإستراتيجية أن “تصريحات المسؤولين الأميركيين تعكس توجه إدارة ترامب التي تعترف بسيادة المغرب على الصحراء، ما أحدث تحولًا إستراتيجيًا في الموقف الأميركي تجاه النزاع، واستمرارها في نفس التوجه خلال ولاية ترامب الجديدة.”
وأضاف معتضد لـ”العرب” أن “الأمم المتحدة مطالبة بضرورة إعادة النظر في سياساتها نحو النزاع، نظرًا إلى تصاعد دعم القوى الكبرى للمغرب، وهذا التطور سيُسهم في إضفاء طابع جديد على مسار الحل السياسي الذي تقوده الأمم المتحدة، عبر إدخال تعديلات على مسار التفاوض تُراعي الواقع الجديد، وتعطي الأولوية للأطراف التي تلتزم بحلول سلمية قائمة على الجدية والواقعية.”
وأكد هشام معتضد أن “التحرك الدبلوماسي المغربي يهدف إلى توسيع دائرة الدعم الإقليمي والدولي لمبادرة الحكم الذاتي، حيث يجسد المغرب نموذجا يستند إلى الواقعية والشرعية، وفق رؤية عملية وشاملة، وعبر مبادرات تنموية ومندمجة ملموسة.”
وجاء تصريحات بولس لتتقاطع مع عدة نقاط في الإحاطة التي قدمها المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، لمجلس الأمن، حين أشار إلى أن الإدارة الأميركية تريد الانخراط في الملف، من أجل تسهيل الوصول إلى حل مرض لجميع الأطراف.
وقال “هناك تطوران مهمان للغاية يمكن أن تكون لهما آثار مهمة على الجهود الرامية إلى تهدئة التوترات في المنطقة، والمساعدة في التوصل إلى نتيجة متفق عليها بشأن الصحراء، الأول يتعلق بموقف الولايات المتحدة، وتأكيد التزامها بمبادرة (الحكم الذاتي الجاد)، والثاني هو تجاوز الجزائر لتصعيدها مع فرنسا بخصوص ملف الصحراء“.
وأضاف “المشاركة الدبلوماسية في المنطقة من قبل عضوين دائمين في هذا المجلس تُعد مؤشرا على الاهتمام المتجدد بالفرص، لكنها أيضا تُظهر المخاطر القائمة“.
وأكد على أن طرح الحكم الذاتي، المدعوم من طرف قوى إقليمية ودولية، سيكون جادا لما يتضمنه من التوضيحات اللازمة لحل نهائي، فهو يحتاج إلى التفاصيل التي يمكن البناء على أساسها لإرساء حل عادل ودائم ومقبول من الطرفين، في إشارة إلى ما أسماه بـ”الصلاحيات التي سيتم تفويضها للسكان الصحراويين،” وما يترتب عنه من نصوص وتشريعات لطبيعة النظام السياسي القائم في المغرب.
وأعرب المبعوث الأممي عن تفاؤله بشأن عزم الإدارة الأميركية الانخراط المباشر في تسهيل التوصل إلى حل متفق عليه، وهو ما ستدعمه الأمم المتحدة، وهو شخصيا، وعبّر عن أمله في أن تكون الشهور الثلاثة المقبلة حاسمة في إنهاء ملف الصحراء من خلال إطلاق خارطة طريق جديدة نحو حل نهائي للنزاع، وأن جلسة أكتوبر المقبل قد تصبح فرصة حاسمة لهذا المجلس في إيجاد حل نهائي للملف.