اخبار الإقليم والعالم
الكونغرس الأميركي يفتح قناة اتصال بدمشق لأول مرة منذ الإطاحة بالأسد
وصل عضوان بالكونغرس الأميركي إلى دمشق الجمعة للاجتماع مع مسؤولين سوريين، في أول زيارة لمشرعين أميركيين منذ الإطاحة بالرئيس بشار الأسد في هجوم للمعارضة في ديسمبر، في تحول لافت يعكس ديناميكية جيوسياسية جديدة في المنطقة.
وتأتي هذه الزيارة المتزامنة مع إعلان واشنطن عن عزمها تقليص عدد جنودها المنتشرين في سوريا إلى أقل من ألف جندي خلال الأشهر القادمة، مما يطرح تساؤلات حول مستقبل الوجود الأميركي في هذا البلد الذي مزقته الحرب.
ويرى مراقبون أن أي تغيير في السياسة الأميركية تجاه سوريا سيكون له تأثير مباشر على توازنات القوى الإقليمية، وعلاقات سوريا مع الدول الأخرى مثل إيران وروسيا والصين، ومستقبل الصراع في البلاد.
وهذا التزامن يفتح الباب واسعا للتكهنات حول دوافع واشنطن وأهدافها المستقبلية في سوريا. ما إذا كانت محاولة لبناء قنوات اتصال جديدة مع القيادة السورية بعد التغيير الأخير، أم هو مؤشر على تخفيف تدريجي للانخراط العسكري الأميركي مع التركيز على الدبلوماسية.
وضم الوفد الأميركي الزائر عضوي مجلس النواب الجمهوريين، كوري ميلز عن ولاية فلوريدا، العضو في لجنتي الشؤون الخارجية والخدمات المسلحة، ومارلين ستوتزمان عن ولاية إنديانا، وكلاهما عضو بالحزب الجمهوري الذي ينتمي إليه الرئيس دونالد ترامب.
وذكر أحد أعضاء الوفد الأميركي أن ميلز اجتمع مع الرئيس السوري أحمد الشرع مساء اليوم. وناقش ميلز والشرع مسألتي العقوبات الأميركية وإيران خلال اجتماع استمر 90 دقيقة.
وقال المصدر إن من المقرر أن يجتمع ستوتزمان اليوم السبت مع الشرع الذي لا يزال خاضعا لعقوبات فرضتها عليه الولايات المتحدة والأمم المتحدة بسبب علاقاته السابقة بتنظيم القاعدة. وهو ما يثير تساؤلات حول طبيعة هذا التواصل.
وفي معرض رده على سؤال حول لقاء زعيم لا يزال تحت طائلة العقوبات، استشهد ستوتزمان بنهج إدارة ترامب في التعامل مع قادة إيران وكوريا الشمالية.
وقال "يجب ألا نخاف من التحدث إلى أي أحد"، معبرا عن تطلعه إلى رؤية الطريقة التي ستتعامل سوريا بها مع المقاتلين الأجانب وما إذا كانت ستعمد إلى حكم سكان البلاد متنوعي الأطياف بأسلوب يتسم بالشمول والاستيعاب.
وتحمل هذه الزيارة دلالات مهمة في ظل سعي القيادة السورية الجديدة، التي يقودها الإسلاميون على الولايات المتحدة وأوروبا لرفع العقوبات بالكامل حتى تتمكن البلاد من إنعاش اقتصادها الذي دمرته حرب استمرت لأكثر من عقد.
وقد تجول ميلز وستوتزمان في مناطق مدمرة من العاصمة دمشق والتقيا بزعماء دينيين مسيحيين، ومن المقرر أن يلتقيا بوزراء آخرين في الحكومة السورية، مما يشير إلى رغبة في فهم الأوضاع على أرض الواقع وبناء قنوات تواصل جديدة.
وفي تصريح لرويترز، عبر ستوتزمان عن رؤيته الاستراتيجية قائلا "توجد فرصة هنا، وهذه الفرص لا تأتي إلا مرة واحدة في العمر... لا أريد دفع سوريا إلى أحضان الصين، أو العودة إلى أحضان روسيا وإيران".
وقدمت الولايات المتحدة الشهر الماضي قائمة شروط لسوريا مقابل تخفيف جزئي للعقوبات، تضمنت إبعاد المقاتلين الأجانب عن الأدوار القيادية، ومع ذلك، فإن التواصل المباشر بين إدارة ترامب والحكام الجدد كان محدودا حتى هذه الزيارة التي نظمها "التحالف السوري الأميركي من أجل السلام والازدهار"، وهي منظمة غير ربحية مقرها ولاية إنديانا وتصف مهمتها بأنها تعزيز "شراكة سياسية واقتصادية واجتماعية مستدامة بين الشعب السوري والولايات المتحدة".
وقال ستوتزمان إن السوريين في دمشق تحدثوا معه عن ضربات إسرائيلية استهدفت مواقع عسكرية في جنوب سوريا وفي أنحاء العاصمة. وأرسلت إسرائيل أيضا قوات برية إلى أجزاء من جنوب سوريا، وضغطت على الولايات المتحدة لإبقاء سوريا ضعيفة ومفككة وبلا حكم مركزي.
وأضاف "يحدوني أمل في قيام حكومة قوية في سوريا تدعم الشعب السوري، ويدعمها الشعب السوري، وأن تكون العلاقة بين إسرائيل وسوريا قوية. أعتقد أن هذا ممكن، أعتقد ذلك مخلصا".
وتزامنت هذه الزيارة مع إعلان وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) عن نيتها خفض عدد جنودها في سوريا إلى أقل من ألف جندي في الأشهر المقبلة.
ويأتي هذا القرار في سياق مراجعة استراتيجية للوجود الأميركي في المنطقة، وبعد سنوات من الانتشار كجزء من الجهود الدولية لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية الذي استولى على مساحات شاسعة من الأراضي هناك وفي العراق المجاور قبل أكثر من عقد قبل أن يمنى بهزائم في البلدين.
وقال المتحدث باسم البنتاغون شون بارنيل في بيان إن "وزير الدفاع أعطى اليوم توجيهات بإدماج القوات الأميركية في سوريا (...) عبر اختيار مواقع محددة"، دون تحديد المواقع التي سيجري فيها ذلك.
وأضاف أن "هذه العملية المدروسة والمشروطة من شأنها خفض عديد القوات الأميركية في سوريا إلى أقل من ألف جندي أميركي خلال الأشهر المقبلة".
وتابع بارنيل أنه "مع حدوث هذا الادماج، بما يتفق مع التزام الرئيس ترامب بالسلام من خلال القوة، ستظل القيادة المركزية الأميركية مستعدة لمواصلة الضربات ضد بقايا تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا"، في إشارة إلى القيادة العسكرية المسؤولة عن المنطقة.
وسبق أن شكك الرئيس دونالد ترامب بجدوى وجود قوات أميركية في سوريا وأمر بسحب هذه القوات خلال ولايته الأولى، لكنه عدل عن رأيه في النهاية.
وبينما أطاحت فصائل معارضة بقيادة إسلاميين في هجوم خاطف بالرئيس بشار الأسد في ديسمبر الماضي، قال ترامب حينها إن واشنطن "لا ينبغي أن تتدخل".
وكتب ترامب المنتخب حديثا حينها على منصته تروث سوشال أن "سوريا في حالة فوضى ولكنها ليست صديقتنا، ويجب على الولايات المتحدة ألا تتدخل. هذه ليست معركتنا".
وقد دفع هجوم دامٍ لمقاتلين من تنظيم الدولة الإسلامية عام 2014 بالولايات المتحدة إلى شن حملة جوية دعما لوحدات تابعة للحكومة العراقية وقوات سوريا الديموقراطية بقيادة الأكراد تصدت للجهاديين.
ونشرت واشنطن أيضا آلافا من الجنود الأميركيين لتقديم المشورة والمساعدة للقوات المحلية، حيث خاضت القوات الأميركية في بعض الحالات معارك مباشرة ضد الجهاديين.
وبعد سنوات من الحرب الدامية، أعلن رئيس الوزراء العراقي النصر النهائي على تنظيم الدولة الإسلامية في ديسمبر 2017، في حين أعلنت قوات سوريا الديمقراطية هزيمة "خلافة" الجماعة في مارس 2019 بعد الاستيلاء على معقلها الأخير في سوريا.
لكن الجهاديين لا يزال لديهم بعض المقاتلين في ريف البلدين، كما تنفذ القوات الأميركية منذ فترة طويلة ضربات وغارات دورية لمنع عودة ظهور الجماعة.
وصعدت واشنطن من عملها العسكري ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا في أعقاب الإطاحة بالأسد، على الرغم من أنها حولت تركيزها مؤخرا إلى اليمن لاستهداف المتمردين الحوثيين الذين يهاجمون خطوط الشحن الدولي منذ أواخر عام 2023.
وتعرضت القوات الأميركية في العراق وسوريا لهجمات متكررة من قبل مسلحين موالين لإيران في أعقاب اندلاع حرب غزة في أكتوبر 2023، لكنها ردت بضربات عنيفة على أهداف مرتبطة بطهران، وتراجعت الهجمات إلى حد كبير.
ولسنوات أعلنت واشنطن أنها تنشر نحو 900 عسكري في سوريا في إطار الجهود الدولية ضد تنظيم الدولة الإسلامية، لكن البنتاغون أعلن في كانون ديسمبر 2024 أن عدد جنوده في سوريا تضاعف في وقت سابق من العام إلى نحو ألفين.
وفي وقت تعمل الولايات المتحدة على تقليص قواتها في سوريا، سعى العراق أيضا إلى إنهاء وجود التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة على أرضه، حيث قالت واشنطن إنها تحتفظ بنحو 2500 جندي هناك.
وأعلنت الولايات المتحدة والعراق أن التحالف سينهي مهمته العسكرية التي استمرت عقدا في العراق بحلول نهاية عام 2025، وبحلول سبتمبر 2026 في إقليم كردستان الذي يتمتع بحكم ذاتي.
وتمثل زيارة عضوي الكونغرس الأميركي إلى دمشق، بتزامنها اللافت مع قرار واشنطن بتقليص قواتها المنتشرة في سوريا، منعطفًا هامًا في مسار الأزمة السورية المعقدة. وهذا التطور يفتح آفاقا جديدة للتساؤلات حول طبيعة العلاقة المستقبلية بين الولايات المتحدة وسوريا في ظل القيادة الجديدة، كما يلقي بظلاله على مستقبل توازنات القوى الإقليمية التي تشكلت على مدار سنوات الصراع والاضطرابات التي عصفت بالبلاد.