اخبار الإقليم والعالم
الجزائر تلجأ إلى التجمع الثلاثي للمساعدة في الخروج من أزمة متفجرة جديدة
حمل وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، خلال زيارته إلى تونس، مخاوف بلاده من المتغيرات المتسارعة في منطقة الساحل، بالتزامن مع سعيها للعودة إلى التجمع الثلاثي مع تونس وليبيا للمساعدة في الخروج من أزمة متفجرة جديدة باتت تهدد الأمن القومي الجزائري.
وصارت الجزائر الحائرة، بعدد الأزمات التي تواجهها بعد عثرات دبلوماسية، تعتقد أن تكتلها الثلاثي يمكن أن يهب لإنقاذها دون الأخذ بعين الاعتبار أن التجمع ليس بصدد قبول أن يتحمل عواقب أخطاء وأزمات جزائرية، خصوصا عندما يصل الأمر إلى استثارة بلد من الجوار بإجراء عسكري من دون حد أدنى من المشاورة.
ويقول مراقبون إن التجمع الثلاثي ما زال في أولى مراحله، وليس حلفا تعتقد الجزائر أن بإمكانها الاستعانة به متى دعت المستجدات أو الضرورة. كما أنه لا يتشكل على مواقف واضحة من القضايا الإقليمية، ولا يظهر إلا حين تسعى الجزائر من ورائه لبعث رسالة تفيد بقدرتها على المناورة.
ولم تشر التصريحات التونسية أو الجزائرية بشكل مباشر إلى موضوع القمة الثلاثية، لكن من الواضح أن الجزائر تسعى إلى ضبط موعد واضح لهذه القمة لإصدار موقف لصالحها وإظهار أن لها عمقا إقليميا وليست معزولة كما يروج ضدها. لكن عدم الإشارة، أيضا، توحي بأن تونس وليبيا ربما لديهما احتراز من عقد القمة والانخراط في تحالفات إقليمية تضر بمصالح كل بلد منهما.
◙ الجزائر الحائرة، بعدد الأزمات التي تواجهها بعد عثرات دبلوماسية، صارت تعتقد أن تكتلها الثلاثي يمكن أن يهب لإنقاذها
وليس معروفا ما تطلبه الجزائر من تونس وليبيا لدعم موقفها من التوترات على حدودها الجنوبية أكثر من بيانات الدعم أو التحذير من مخاطر التوترات الإقليمية، في حين أن المراقبين يرون أن الجزائر تحتاج إلى التحرك بنفسها لنزع فتيل التوتر مع مالي، ومراجعة موقفها من المجموعات الانفصالية المناوئة لباماكو، والتي تُتهم الجزائر بدعمها وتحريكها ضد المجلس العسكري الحاكم.
ودفع تسارع وتيرة الأحداث في المنطقة الجزائر إلى إيفاد وزير خارجيتها إلى تونس، من أجل بحث سبل تذليل الصعوبات التي تعتري التجمع الثلاثي، في ظل عدم التوصل - لحد الآن - إلى عقد القمة الثلاثية المبرمجة في طرابلس رغم مرور عدة أشهر على الإعلان عن ذلك.
وحذر عطاف من أنّ “الأوضاع المحيطة بالبلدين إقليميا وعالميا لا تبشّر البتّة، ولا تطمئنّ إليها النفوس،” وهو ما يوحي بالتركيز المشترك على زحف الهجرة السرية من دول الساحل ومن جنوب الصحراء، والتي باتت تشكل عبئا اجتماعيا وأمنيا في البلدين، فضلا عن تذليل الصعوبات التي تعتري التجمع الثلاثي المستحدث، ليكون فضاء بديلا عن تراجع الدور الجزائري في منطقة الساحل.
ووصف وزير الخارجية الجزائري، أثناء زيارته إلى تونس، التغيرات الإقليمية والدولية المتسارعة بـ"المقلقة وغير المطمئنة"، وهو ما يترجم حجم المخاوف الجزائرية من التطورات المتسارعة في منطقة الساحل، عقب حادثة إسقاط الطائرة المسيرة، حيث تجسدت معالم حلف معاد للجزائر يحظى بدعم قوى نافذة في العالم على غرار روسيا وتركيا.
ورغم أن الفضاء لم يتم إطلاقه ليكون بديلا عن تكل الاتحاد المغاربي المشلول - حيث قال عنه الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون إنه "فضاء للتشاور وتبادل الرؤى والتصورات حول الملفات المشتركة والتطورات الإقليمية والدولية المستجدة، ولن يكون بديلا للاتحاد المغاربي ولا ضد أي أحد”- إلا أن الجزائر تتجه إلى تفعيله من أجل أن يكون بديلا عن الفضاءات التقليدية التي كانت تنتمي إليها، خاصة بعد ظهور حلف مناهض لها في الساحل.
وكانت الحكومة الانتقالية في مالي قد أعلنت على لسان تحالف الساحل، المكون من مالي والنيجر وبوركينا فاسو، عن سحب سفرائه من الجزائر، وعن إدانة ما أسماه بـ”الاعتداء الجزائري على سيادة مالي، ورعايتها للإرهاب الدولي،” وهو ما شكل رسالة شديدة اللهجة إلى الجزائر، خاصة في ظل إعلان روسيا عن دعمها للتحالف ومنحه الإمكانيات الأمنية والدفاعية التي تكفل له الحماية والسيادة.
◙ الجزائر حركت مؤخرا آلتها الأمنية تجاه المهاجرين السريين وطرحت إمكانية تنظيم عمليات ترحيل لهؤلاء إلى بلدانهم، وهو ما بدا كأنه ورقة تشجيع لنظرائها في المنطقة
وأكد وزير الخارجية الجزائري على أن "التنسيق بين الجزائر وتونس تجاوز حدود الضرورة، ليصبح اليوم حتميا في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية المتسارعة، والتي باتت مصدر قلق وعدم اطمئنان،” وذلك بعد استقباله من طرف الرئيس التونسي قيس سعيد. وكان الرئيس الجزائري قد صرح لوسائل إعلام محلية بأن “التجمع الثلاثي هو فضاء للتشاور، وطرح بعض الملفات المشتركة،” والتي أفضت إلى إطلاق آلية مشتركة لاستكشاف واستغلال مخزون المياه الجوفية المشترك في الحدود الثلاثية، بغية مواجهة تحديات الأمن المائي وموجة الجفاف التي تجتاح المنطقة.
وشكل تدفق موجات الهجرة السرية من دول الساحل وجنوب الصحراء على الدول الثلاث محور نقاش سابق بين رؤسائها في قمتي الجزائر وتونس، ويبدو أن تسيير الظاهرة لا يحظى بالتنسيق والتعاون اللازمين، حيث اشتكت تونس من تدفق المهاجرين إليها من الحدود الغربية التي تربطها مع الجزائر.
ويرى متابعون لشؤون المنطقة أن الجزائر حركت آلتها الأمنية خلال الأيام الأخيرة تجاه المهاجرين السريين وطرحت إمكانية تنظيم عمليات ترحيل لهؤلاء إلى بلدانهم، وهو ما بدا كأنه ورقة تشجيع لنظرائها في المنطقة من أجل اتخاذ موقف موحد، ما سيكرس معالم التجمع تدريجيا بعد خطوة التوافق حول ملف المياه المشتركة، لاسيما وأن السلطة التونسية أعربت في وقت سابق عن امتعاضها من تدفق موجات هجرة من حدود الجزائر كانت قد اشتبهت في أسبابها وأغراضها.
وصرح الوزير الجزائري بأن “العلاقات بين الجزائر وتونس تقوم على الثقة والتضامن، وأن التنسيق لم ينقطع يوما، وأن البلدين يشتركان في مواقف موحدة تجاه مختلف القضايا، من أبرزها القضية الفلسطينية والتطورات في المنطقة المغاربية والساحل.” وعبر عن قلق الجزائر من التدهور المستمر في أوضاع القارة الأفريقية، وخصوصا منطقة الساحل، واعتبر أن عدد بؤر النزاع والأزمات في تصاعد مقلق، ما يجعل من التنسيق الإقليمي ضرورة إستراتيجية.