اخبار الإقليم والعالم
«طلاق لُغوي» مع فرنسا.. هل تبدأ نهاية الفرانكوفونية من النيجر؟
إسقاط النيجر «الفرنسية» من قائمة لغاتها الرسمية اعتبره خبراء "طلاقًا لغويًا" لا رجعة فيه مع المستعمر السابق، قد يشمل دولا أخرى بمنطقة الساحل الأفريقي التي تشهد تقاربا متسارعا مع روسيا وتراجع نفوذ باريس.
هذه الخطوة لم تأت من فراغ، بل جاءت كنتيجة مباشرة لتوصيات المجلس الوطني الذي انعقد في فبراير/شباط الماضي، وتعد إعلانا صريحا عن رغبة النيجر في إعادة رسم هويتها السياسية والثقافية، بعيدا عن الإرث الفرنسي الذي ظل يلاحق دول الساحل لعقود.
وبينما تتجه النيجر نحو تحالفات جديدة أبرزها مع روسيا تبقى التحديات الداخلية حاضرة، خاصة في ما يتعلق باختيار لغة بديلة قادرة على مواكبة البحث العلمي والتطور، وسط عدة لغات محلية قد تخلق صراعات جديدة داخل البلاد، وفق خبراء تحدثوا لـ«العين الإخبارية».
النيجر قررت رسميًا، عدم استخدام اللغة الفرنسية كلغة رسمية في البلاد لتصبح لغة عمل فقط، فيما حددت لغة الهوسا كلغة وطنية، وذلك وفقا لما جاء في المادة 12 من ميثاق إعادة التأسيس الذين نشرته الجريدة الرسمية وضم 11 لغة منطوقة في النيجر، وتعتبر لغة الهوسا اللغة الأكثر انتشارا في جميع أنحاء البلاد، لأنها مفهومة بين غالبية السكان، وتأتي بعد ذلك لغة زارما-سونجهاي، وهي اللغة التي يتحدثها مواطنو غرب النيجر، أي حوالي ربع سكان البلاد.
اللغات الوطنية
ومن المعروف أنه في الدستور السابق للبلاد كانت لغات جميع المجتمعات في النيجر تتمتع بوضع اللغات الوطنية، وكانت اللغة الفرنسية، التي يتحدث بها 13% من السكان، هي اللغة الرسمية، لكن السلطات الجديدة التي دخلت في خلاف مع باريس، انسحبت من المنظمة الدولية للفرانكوفونية الشهر الماضي، وأعادت مؤخرا تسمية العديد من الشوارع في نيامي التي كانت تحمل أسماء فرنسية.
دلالات القرار
ووفق مدير جامعة الميغلي الأهلية الدولية بالنيجر الدكتور عبد المهيمن محمد الأمين فإن دلالات عدم استخدام اللغة الفرنسية كلغة رسمية في البلاد هو إرسال رسالة لفرنسا على أن النيجر ماضية في طلاقها من فرنسا ولا تفكر في الرجعة أبدا.
الأمين أوضح لـ"العين الإخبارية" أن ذلك معناه أن النيجر ماضية في المقاطعة مع فرنسا، وأن النيجر تؤكد متانة علاقاتها مع روسيا، مضيفا أن مالي وبوركينا فاسو أيضا سيسيرون على نفس الطريق، ما يؤكد أن التحالف بين الدول الثلاث هو تحالف حقيقي يمضي إلى الأمام، لافتا إلى أن البعض قد يرى أن هذه القرارات بها نوع من التسرع، وكان من المفترض أن يكون بها نوع من التدرج، مؤكدا أن الدول الثلاث مجتمعة ماضية على قطع علاقاتها مع فرنسا.
سر التوقيت
ورأى الخبير النيجري أن التوقيت الذي أعلن فيه هذا القرار، خاصة بعد الاستماع إلى وزراء خارجية الدول الثلاث مؤخرا في روسيا يؤكد على أن هناك هدفا من هذا التوقيت المهم، بإرسال رسالة لفرنسا أن النيجر ليست بحاجة إليها كدولة مستقلة لها إمكاناتها وحرة في اتخاذ قرارها، تقرر العلاقات مع من تشاء، وإنها اختارت حليفا أفضل من فرنسا وهي روسيا والتي تعد من أكبر الدول بعد الولايات المتحدة الأمريكية.
ورأى في الوقت نفسه أن هذا القرار سيحتاج إلى الكثير من العمل والجهود خاصة في المجالات التربوية والإعلامية والثقافية من أجل جعله قرارا حقيقيا على أرض الواقع حتى تقل أهمية اللغة الفرنسية والإعتماد عليها.
من جهته رأى عميد كلية الدراسات العليا والبحث العلمي في الجامعة الإسلامية بالنيجر الدكتور علي يعقوب أن قرار عدم استخدام اللغة الفرنسية لغة رسمية للبلاد هو ضربة لفرنسا في مستعمراتها السابقة. وقال يعقوب لـ "العين الإخبارية"إن مالي وبوركينا فاسو الشركاء مع النيجر في كونفيدرالية الساحل الأفريقي قد تتخذ نفس القرار في بلدانهم.
واعتبر يعقوب أن القرار ليس له علاقة بتقارب النيجر مع روسيا، موضحا أنه مطالبة وطنية من الشعب النيجري، وأن القرار هو تطبيق لنتائج وتوصيات المجلس الوطني، وقبل ذلك تنصيب الرئيس الذي كان في نهاية شهر مارس/آذار.
الانسحاب من الفرانكفونية
بدوره، أوضح الباحث السوداني في الشؤون الأفريقية الدكتور محمد تورشين أن القرار يأتي في طيات قرار انسحاب النيجر ومالي وبوركينا فاسو من المنظمة الدولية للفرانكفونية.
ووفق حديث تورشين لـ"العين الإخبارية" فإن هذا الانسحاب يعني أن دول الساحل الأفريقي ربما تتجه مثل هذا الاتجاه بعدم اعتماد اللغة الفرنسية كلغة رسمية، "وربما تخرج هذه الرقعة تماما من اعتبار اللغة الفرنسية رسمية في بلدانهم".
ونشأت الفرانكوفونية الدولية (بين الحكومات) في 20 مارس/آذار سنة 1970 بنيامي (عاصمة النيجر) بإحداث وكالة التعاون الثقافي والفني وإثر اعتمادها لميثاق فرانكوفونية جديد سنة 2005 ، أصبحت تسمى المنظمة الدولية للفرانكوفونية.
والفرانكفونية هي رابطة تضم الدول والشعوب التي تتحدث الفرنسية كلغة رسمية أو حتى لغة إضافية، وقد ظهر هذا المصطلح لأول مرة في القرن التاسع عشر.
تحديات كبيرة
فيما أكد الباحث السوداني أن هذه البلدان ستواجه تحديات كبيرة في اختيار اللغة الرسمية لهم، وقال إن هناك محاولات سبقت هذه الدول من خلال محاولة أفريقيا الوسطى بعدم اعتماد اللغة الفرنسية كلغة رسمية للبلاد، ولكنها واجهت تحديات، ومن قبل كانت هناك تجربة روندا.
ورأى أن هذا القرار يمكن أن يكون نافذا وفاعلا، ولكنه بحاجة إلى مزيد من الوقت واعتماد لغة أخرى من اللغات العالمية، مؤكدا أن اللغات المحلية من الصعب جدا أن تتواكب فيما يتعلق بالبحث العلمي والتطور والمجالات المختلفة.
كما أن الجانب النيجري لا يستطيع أيضا أن يعتمد إحدى اللغات المحلية أو الأفريقية سواء كانت الهوسا أو بعض المحليات الأخرى، وفق تورشين، كون ذلك سيفتح الباب على تصدعات داخلية، مضيفا أنه رغم أن القرار محاولة جريئة للخروج من النفوذ الفرنسي بشكل مطلق، إلا أنه خطوة لها ما بعدها ولها تداعيات.
تنفيذ هذه الخطوة ستواجهه عقبات وتحديات كبيرة جدا، ربما يحتاج ذلك إلى سنوات وبحاجة إلى أجيال جديدة تعتمد لغات حديثة كاللغة الإنجليزية، بحسب تورشين، مضيفا "لا أعتقد في الوقت الحالي أن اللغة الفرنسية سيتم تجاوزها، وانما ستكون حاضرة بشكل أو بآخر في الحياة غير الرسمية وشبه الرسمية".
محاولة تحرر
وبحسب الكاتب الصحفي والمحلل السياسي بالنيجر الحسين طالبي فإنه حسب دستور المرحلة الانتقالية تظل الفرنسية لغة العمل بجانب الإنجليزية.
طالبي أوضح لـ"العين الإخبارية" أن هناك تعديلا في التسمية، حيث أصبحت الفرنسية من لغة رسمية إلى إحدى لغتي العمل في النيجر، معتبرا ذلك خطوة جديدة تمت مقاطعتها نحو سيادة البلاد، ورأى أنها لا تعتبر بالضرورة ضربة لفرنسا من قبل نيامي، وقال إنما نفهم من هذا القرار محاولة التحرر من القيود الاستعمارية التي أبعدت الشعوب الأفريقية من حقائقها الثقافية والحضارية، مما ساعد على تأخير البلاد اقتصاديا.
هذه النزعة تشترك فيها النيجر مع مالي وبوركينا فاسو في إطار اتحاد دول الساحل، الذي يناضل من أجل سيادة القطاع الساحلي خصوصاً، ومن أجل سيادة الأفارقة عموما، وفق طالبي، الذي أكد أن هذا التحالف يتمتع بتعاون روسيا التي هي الأخرى تتوافق مع الدول الساحلية في محاولة فرض التوازن الجيوسياسي في العالم وفي محاربة الإرهاب.